الحياة برس - الإنسان بطبيعته يحب التنقل ويسعى بحثا عن الرزق ،فهو يتلقى المعارف والقيم والمهارات من خلال حياته ،فمن البيت إلى المدرسة حتى يصل للدراسة الجامعية ،مختارا التخصص الذي يلبي فيه رغباته ويحقق فيه طموحه .
وهو يقضي سنواته الدراسية، يحيك فيها أحلامه ،ويرسم بريشته مستقبله ،يرقبه والديه ،يفكران كيف سيمضي ويكمل دراسته الجامعية، ويشق طريقه في سوق العمل، وسط هوة الفقر التي تتسع تدريحيا ، وخصوصا في الآونة الأخيرة مع شح الرواتب ،والحصار والبطالة ، ومرارة الانقسام ،واختلاف الرايات والأهداف لدى التيارات السياسية والأحزاب المتناحرة، هذا حالهم وما يدور بخلدهم ،فما بالكم بحاله هو.
فما أن ينهي دراسته الجامعية ،حتى يصطدم بالأمر الواقع في سوق العمل من عدم توفير الوظائف الشاغرة، وينتهي به الأمر ليكون ضمن قائمة بأسماء لا حصر لها تنتظر الوظيفة ،وهذه هي المعضلة الحقيقية والمشكلة الأكثر تعقيدا، والتي توجِد الفجوة ما بين التعليم وسوق العمل بإحداث الفراغ بقطاعات التعليم والصناعة والصحة وغيرها، وخصوصا المتميزة والمبدعة ،و من هنا يبدأ التفكير بالبحث عن سوق للعمل بعيدا عن موطنه الأصلي ، ويفكر بالهجرة (هجرة العقول )وهي في أبسط تعريف لها هجرة عقول الأفراد الكفاءات جغرافيا من بلد لبلد هجرة خارجية، أو قد يكون محليا، هجرة داخلية أقل ضررا وتكون في منطقة جغرافية واحدة، كالانتقال من شركة لشركة أخرى أو من تخصص لتخصص آخر يلبي الرغبات.
وكما تم ذكره فإن أهم الأسباب الكامنة وراء هجرة الأدمغة كثيرة ، تتلخص في البحث عن ظروف معيشية أفضل، وحصول الرخاء والهرب من براثن الفقر المدقع والبطالة، وعدم توفر الاستقرار الأمني والنفسي والديمقراطي في البلد الأم مع تقديم المغريات من البلد المضيفة لحصول ذلك .
ولا شك أن هجرة العقول قديمة ، ولكنها زادت في الآونة الأخيرة زيادة طردية مع ازدياد الصراعات التي تشهدها المناطق وعدم وجود ملاذ آمن، إضافة إلى عجز البلد الأم عن احتضان المواهب ، فنرى العقل المهاجر يسعى لتقدير ذاته حيث يجده في البلد المضيفة.
ويميل البعض لتسميته بمصطلح جديد وهو اصطياد العقول وسرقة الأدمغة، عن طريق الإغراءات التي تعرض على أصحاب الكفاءات لترك أوطانهم والعمل بأجور مرتفعة مع توفير السكن، وحرية التزاوج لضمان بقائه في أراضيها والاستفادة منه، وهذا ما يحدث في معظم الدول المتقدمة، فبعضها يشتري المبدعين وأصحاب براءات الاختراع برواتب خيالية، وإذا ما نادى الشوق هؤلاء وهمس لهم تراب بلادهم للعودة قد يتعرضون للقتل؛ خوفا من نقل المعلومات المهمة لديهم عن التطور، هذا وقد تحدث السرقة من شركة لشركة أخرى وتقام الدعاوى والقضايا بينهم.
ويبقى أمر مثير للجدل هل يمكن أن نعتبر ذلك تبادلا للعقول أم إهدارا واستنزافا لها، و نحن نرى أن البعض يميل للرأي الأول ويعتبره أمرا طبيعيا ناجما عن تفاعل الحضارات وحوار الثقافات، أما عن أصحاب الرأي الثاني فيرون أن ذلك خسارة للبلد الأم وأنها بأمس الحاجة إلى تلك الكفاءات العلمية وخصوصا في مجالات الطب والطاقة النووية ،والاقتصاد، والهندسة الإلكترونية ، والفضاء، وغيرها من التخصصات التي يمكن أن تدر المال الوفير وهي في مكانها واستثمارها.
وأيا كان هذ أو ذاك يبقى هناك دائما وسطا بين الأمور، لماذا لا نشجع الأمرين وندمجهما، نشجع البقاء واستثمار العقول في الوطن على أن توفر الدولة متطلبات الراحة، وتحسين الحياة المعيشية للأفراد وخصوصا العلماء والمكتشفين، وإنشاء مراكز البحوث التنموية العلمية، وإن كان ذلك بعيد المنال وخصوصا في الدول النامية فلا بأس من البحث عن لقمة العيش والارتحال للحصول عليها ،آخذين بعين الاعتبار أن ذلك أيضا يمكن أن يكون له آثار إيجابية كنشر الإسلام ،وتبادل الثقافات ..
ولكن يبقى هنا علامة فارقة بين الأمرين وهي الرجوع لأحضان البلد الأم؛ ليثمر فيها الخير والعطاء ويتكاثر .
كاتبة المقال أ.إنعام هلال البطريخي /فلسطين /غزة
ماجستير ومعلمة لغة عربية
كاتبة وباحثة وشاعرة