شهد العالم وما زال يشهد ،حالة الخلل في المناخ واشتداد الكوارث البيئية الكبيرة التي تكاد تدمِّر كرتنا الأرضية وما عليها من بشر وحوايانات وخيرات. هذه الظاهرة الخطيرة أطلق عليها العلماء المتخصصون (الاحتباس الحراي) التي تعني زيادة نسبة غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض، ما أدى إلى ارتفاع كبير في درجات حرارة الأرض التي وصلت إلى أعلى من المعدلات الطبيعية.
هذه المشكلة التي بدأت تتفاقم بشكلٍ متسارع ظهرت كأثر من آثار الثورة الصناعية الكبرى التي اعتمدت في بدايتها على الآلات المتحركة التي تُدار بالوقود الأحفوري من فحمٍ ونفط. وقد فاقم التقدم الصناعي وتطور الآلة والميكانيكا في القرن العشرين من حجم هذه المشكلة، فأصبحت هناك دول صناعية متقدمة مثل:مجموعة الدول السبع (G-7) وهي ليست منظمة دولية، بل منتدى غير رسمي نشأ عام 1975م، ويضم الدول الصناعية الرائدة في العالم، وهي الولايات المتحدة الأميركية ،والمملكة المتحدة ،وألمانيا ،وفرنسا ،وإيطاليا ،واليابان ،وكندا. جميعهم يطلقون من مصانعهم كل يوم كميات هائلة من الغازات السامة من المصانع التي تنفث يومياً ملايين الأطنان من الأبخرة والعوادم الضارة، وعوادم الآلات التي تسهم في تفاقم ظاهرة ما يسمى (الاحتباس الحراري).
ومع انتشار رقعة الإنتاج الصناعي أواخر القرن العشرين، لتشمل مناطق واسعة في العالم، زادت المشكلة حدّةً وتفاقماً، ما استدعى المجتمع الدولي إلى التحرك بشكل جدّي وعاجل لإنقاذ كرتنا الأرضية من عبث الإنسان. وقد بدأ الاهتمام بالمناخ منذ عام 1994م عندما وقّع عدد كبير من الدول المنضوية تحت هيئة الأمم المتحدة على اتفاقية المناخ. وكان من ثمرتها أن شكلت اتفاقية باريس للمناخ، خطة لتجنيب الإنسانية والحياة البشرية والحيوانية كارثة مناخية خطيرة، وتعهد جميع الموقعين على الاتفاقية بما يلي: تخفيض انبعاث غازات الدفيئة، وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة النظيفة، والحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة المتعارف عليها عالمياً إلى أقل من درجتين مئويتين فقط، مع وضع هدف إيصالها إلى نحو درجة ونصف الدرجة مئوية، والالتزام بضخ مليارات الدولارات لمساعدة البلدان النامية الفقيرة المحتاجة على التعامل مع تأثير تغير المناخ وآثاره السلبية على الطبيعة.
وتعتبر منطقة البحرالأبيض المتوسط من المناطق الساخنة عالمياً من حيث تغير المناخ وتبدله، إذ من المحتمل أن يترك الاحترار(الاحتباس الحراري) العالمي والجفاف، أثراً سلبياً كبيراً على البيئة وعلى مجمل النشاط البشري في هذه المنطقة. ويشير التقرير التقييمي المتوسطي الأول، الذي صدر في الآونة الأخيرة عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (بونيب)، إلى أن تغير المناخ وتبدّله في حوض البحرالأبيض المتوسط يقع بوتيرةٍ أسرع من المعدلات المعروفة عالمياً، فالمعدل السنوي الحالي لدرجات الحرارة في البر والبحر في حوض البحر الأبيض المتوسط أعلى بمقدار 1.5 درجة مئوية مما كان عليه الحال في عصور ما قبل النهضة الصناعية التي نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وكندا واليابان. وفيما بعد الصين، وقد يرتفع بمقدار 3.8 إلى 6.5 درجة مئوية بنهاية هذا القرن الواحد والعشرين، ما لم تتخذ إجراءات جدية وسريعة للحدِّ من تغير المناخ وآثاره المدمرة على البيئة .
في هذا السياق لم يتوقف خبراء (الخطة الزرقاء) في إطار (برنامج عمل المتوسط) عن إعداد الدراسات والتقارير التي تقدمها من أجل مناقشتها في الاجتماع السنوي التاسع عشر الذي تعقده (لجنة البحرالأبيض المتوسط للتنمية المستدامة) في دولة سلوفينيا. والذي يشير التقرير بوضوحٍ تام إلى أن تغير المناخ سيعزِّز موجات الحر الشديد في البر والبحر مدةً طويلة. وأن يقل معدل الهطول الصيفي بنسبة تتراوح ما بين عشرة بالمائة إلى ثلاثين بالمائة في بعض المناطق، مما يؤدي إلى تفاقم شح المياه وزيادة التصحر ونقصان الإنتاجية الزراعية بشكلٍ خطير. إضافةً إلىى ارتفاع درجة حرارة البحرالأبيض المتوسط في المناطق العميقة من البحر أكثر مما ترتفع في بحار العالم الأخرى.
وينتهي تقرير التقييم المتوسطي الأول للمناخ إلى أن جميع بلدان البحر الأبيض المتوسط تملك القدرة الكافية على تخفيف تغير المناخ من خلال تسريع التحوّل في مجال الطاقة، وتسريع الاعتماد في صناعاتها على الطاقات المتجدِّدة والنظيفة. وتتميز بلدان الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، وهي دول أوروبا الغربية، بأنها تتجه بوتيرة متسارعة نحو الطاقة البديلة وهذا أمرٌ ملحوظ، لكن دول الضفة الجنوبية والشرقية من البحر الأبيض المتوسط، وهي الدول العربية فإنها لا تزال بعيدة عن إطلاق برامج التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر، وقد لعبت الثورات المتلاحقة في بعض تلك الدول دوراً سلبياً للغاية، حيث أعادت تلك الدول إلى نقطة الصفر بعد أن تعرّضت للتدمير والخراب والقتل والسحل، فلم تتمكن تلك الدول من تنفيذ تعهداتها والتزاماتها الدولية تجاه تغير المناخ.
كما أن البلدان الصناعية الكبرى الغنية لم تنفذ تعهداتها وما التزمت به أمام العالم بتقديم الدعم الكافي لتلك الدول. وهكذا فإن المنطقة العربية المتوسطية قد تشهد تغيرات مناخية سيئة جداً ستنعكس بشكلٍ أو بآخر على نمائها وتقدمها وتطورها، وهنا يفرض السؤال التالي نفسه قسراً: هل تبادر الدول الصناعية الغنية إلى تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاقية باريس للمناخ، وتقدم التمويل المالي والتقني الكافي للدول العربية التي تقع على حوض البحر الأبيض المتوسط لكي تنهض بمشاريع وبرامج التحوّل المناخي والبيئي وبما يطابق المعايير العالمية المطلوبة والمعمول بها ؟
لهذا الهدف الضروري والهام يأتي انعقاد قمة تغير المناخ COP27 في شرم الشيخ في جمهورية مصر العربية، وبمشاركة شخصيات دولية هامة من أجل تنفيذ المبادرات والتعهدات وقرارات هيئة الأمم المتحدة حول البيئة و(الاحتباس الحراري.(فإذا لم تتكاتف دول العالم أجمع للحد من ارتفاع درجة الحرارة بشكلٍ غير مسبوق، والحدّ من ظاهرة (الاحتباس الحراري) التي تلقي بظلالها السلبية على العالم، فإن الخطر سوف يطول الجميع دون استثناء .
calendar_month12/11/2022 07:09 am