شهد العالم وما زال يشهد حراكاً سياسياً ودبلوماسياً دولياً تجلى في عقد العديد من القمم التي أصبحت أشبه بالماراثون السياسي والدبلوماسي فقد بدأت مع قمة المناخ في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية مروراً بقمة رابطة دول جنوب شرق آسيا، تلاها قمة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية، وأخيراً كانت قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في العاصمة التايلاندية بانكوك، المتابع لمجريات تلك القمم يلحظ وجود قاسم مشترك يتمحور حول الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي ، ومع أنً هذه القمم ليست قمم أمنية بالمفهوم الخالص للكلمة، إلا أن الهاجس الأمني فرض نفسه بقوة ،إما بسبب ظروف موضوعية التي يمر بها العالم أو لأن هناك من يسعى لأوسع حشد دولي يستهدف وقف الحروب والدمار وحل الأزمات الصراعات والنزاعات بالحوار السياسي والوسائل الدبلوماسية.


قمة (أبيك ) التي بدأت في العاصمة التايلندية بانكوك، وهي الأولى التي تنعقد حضورياً لقادة الدول الأعضاء الواحد وعشرين منذ عام 2018، ربما تكون نسخة مكررة عن القمم التي سبقتها، أي بدلاً من التركيز على تحفيز اقتصادات الدول والبحث عن مخارج وحلول اقتصادية وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي والأمني ، وجدت نفسها تبحث في استحقاقات الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الخطيرة على العديد من دول العالم ، وارتداداتها الاقتصادية السلبية على مختلف الدول، كما وجدت نفسها تحت هاجس انعدام الأمن والأمان والسلم والاستقرار الإقليمي مع استئناف عمليات إطلاق الصواريخ البالستية الكورية الشمالية. وتماماً، على غرار الصاروخ الأوكراني الذي سقط بالخطأ في الأراضي البولندية أثناء انعقاد قمة العشرين التي انعقدت في مدينة بالي الإندونيسية، الذي، جاء إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات لينغص صفو القمة والزعماء المجتمعين ، حيث اضطرت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، التي تنوب عنه لبقائه في الولايات المتحدة الأمريكية لحضور حفل زفاف حفيدته، إلى عقد اجتماع مع الحلفاء ضم كلاً من أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وكندا ونيوزيلندا، تعهدوا خلاله بممارسة أقصى الضغوط على كوريا الشمالية.وفي الحالتين سطع نجم الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي طلب منه المؤتمرون التدخل والضغط على كوريا الشمالية لوقف تجاربها الصاروخية التي تعتبر استفزازاً وتهديداً العديد من دول العالم، مثلما كان الرئيس جو بايدن طلب منه التوسط لدى جمهورية روسيا الاتحادية لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا.
وبالعودة إلى موضوع القمم التي غلب ويغلب عليها الطابع الاقتصادي والتجاري والأمني ، مع بعض الفوارق البسيطة كما في قمة المناخ التي انعقدت في شرم الشيخ في مصر ، فإن البحث عن الأمن والأمان والاستقرار الإقليمي والدولي هو ما يقلق المجتمع الدولي، إذ لا يمكن تحقيق أي ازدهار اقتصادي وتجاري بغياب الأمن والأمان والاستقرار، وبالتالي فإن الإبقاء على منطقة آسيا والمحيط الهادي التي وصفها الرئيس الصيني شي جين بنغ بأنها (ليست حديقة لأحد)، تعيش في ظل صراع حاد بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية وهو صراع محموم للهيمنة على بحر الصين الجنوبي والسيطرة عليه سيطرة جيواستراتيجية ، ناهيك عن مشكلة جزيرة تايوان والصواريخ البالستية الكورية الشمالية العابرة للقارات والتي تستطيع حمل رؤوس نووية، فإنه قد يجر الجميع إلى كوارث وحروب مدمرة لا تبقي ولا تذر ، ما لم يتم إيجاد حلول حقيقة وسريعة لها. والأسوأ من كل ذلك أن العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا لا تزال تهيمن على العالم كله وتلقي بظلالها وثقلها على العالم بشكلٍ سلبي، وهناك من يعتقد أنه يجب حشد كل العالم لوقف تلك الحرب المدمرة في أوكرانيا. من جهته الرئيس الفرنسي ايمانويل، لم يتردد في مخاطبة قادة الدول المشاركة في قمة (أبيك) بالقول: إن النزاع الدائر في أوكرانيا هو (مشكلتكم) أيضاً، قبل أن يتحدث عن رفض فرنسا لكل أشكال (المواجهة ) و (الهيمنة) وتشديدها على ( الأمن والاستقرار) في تلك المنطقة. بمعنى أن أولويات تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي لا تزال تتقدم على البحث في الإبقاء على شبكات وسلاسل التوريد والأسواق ما تزال مفتوحة والتعاون الضروري في مجال دعم تحول مستدام للطاقة ومشتقاتها وتحديداً الغاز .
calendar_month19/11/2022 09:27 pm