من حق أي هيئة حاكمة وسلطتها أن تتمتع بكامل السيادة على نفسها، دون أي تدخّل من هيئات أو جهات خارجية. في النظرية السياسية السائدة ،تعتبر السيادة مصطلح رئيسي وأساسي يعيّن السلطة الحاكمة العليا على بعض الكيانات والتكتلات السياسية. في القانون الدولي، يشير مفهوم السيادة الهام إلى ممارسة الدولة للسلطة الحاكمة. الجدير بالذكر أنَّ السيادة القانونية تشير إلى الحق القانوني بفعل ذلك، والسيادة الواقعية المنطقية إلى القدرة الكافية على فعل ذلك، والسيادة الحقيقية المتوجبة إلى القيام بذلك أيضاً. كما يمكن أن يصبح هذا موضوعاً هاماً جداً يثير بلبلةً خاصةً عند فشل التوقع المعتاد بأنَّ السيادة الواقعية والقانونية موجودة في مكان إثارة الاهتمام وفي وقت نفسه وتكمن داخل نفس المنظمة.وهنا يكمن التساؤل الهام حول كيف يمكن أن نشير أيضاً إلى العاهل الذي يَحكم مملكةً ذات سيادة باسم صاحب السيادة. وهو الملك الأعظم الذي يحكم شعباً أو شعوباً مختلفة أو أمةً كالخليفة والإمبراطور؟. وهل آن الأوان لإعادة النظر من جديد من أجل تحديث هذا المصطلح في عالم تنتشر فيه تحديات هائلة أهمها العولمة العابرة للحدود والقارات والقوميات؟
في حقيقة الأمر إنَّ العولمة تساهم بشكلٍ كبير وصريح في تقليص نطاق السلطات السيادية للدول، التي أصبحت مقراً وقواعد للجيوش المدججة بالسلاح الفتّاك والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للحدود والقوميات، ومجالاً واسعاً للتدفقات المالية العالمية، وفضاء واسعاً مفتوحاً للشبكة العنكبوتية الإنترنت والإمبراطوريات الإعلامية الهائلة القدرة، والفيروسات السيبرانية،والاختراق الأليكتروني. فكيف تستطيع السيادة التي عرفنا مكوناتها وماهيتها من الصمود والوقوف في وجه تلك المتغيرات المتسارعة التي أصبحت ما بعد الحداثة؟
جميعنا يعلم أنّ لكل تغيير إيجابياته وسلبياته مهما بلغت شدة التغيير، والوقت كفيل في إصلاح الأخطاء والاختلالات المستجدة وخلق التوازن العقلاني المبني على الوعي المعرفي بمتطلبات المرحلة الحالية الخاضعة للتدويل وفقدان السيادة الخاصة بالدولة، والعمل على إجراء الإصلاحات الداخلية والاختلالات المستجدة، والالتزام بإنفاذ المواثيق الدولية والعمل بها بخاصة تلك المصادق عليها، التي تعتبر تنازلاً طوعياً عن جزء من سيادة الدولة يوقعه الحاكم أو العاهل بيده، مقابل الحصول على مزايا عضوية تلك المنظمات الدولية كهيئة الأمم المتحدة، وذلك أحد السبل المتبعة للحفاظ على استدامة السيادة ومعانيها كاملةً، وحماية الدولة من المطامع والاستحواذ والأخطار الخارجية التي تنشأ بين الحين والآخر في حال الالتزام بشروط العضوية.
هناك وجهات نظر متباينة وغير متوافقة إلى حدٍ كبير حول الأساس الأخلاقي للسيادة. هناك قطبيّة أساسيّة وقطبية مركزية بين النظريّات التي تؤكّد أنّ السيادة ومآلاتها واستحقاقاتها تؤول مباشرةً إلى أصحاب السيادة القائمين عليها من خلال الحق الطبيعي أو الحق الإلهي، والنظريّات المتعدّدة التي تؤكّد أنها نابعة من الشعب نتيجة حاجاته ومتطلباته. في الحالة الأخيرة هناك تقسيم آخر وفهم آخر كتلك التي تؤكّد أن الناس بشكلٍ عام ينقلون سيادتهم إلى أصحاب السيادة أي العاهل وهو الملك الأعظم الذي يحكم شعباً أو شعوباً مختلفة أو أمةً كالخليفة والإمبراطور أما الرئيس فيكون أقل شأناً . وتلك التي تؤكّد أن الشعب بكل تياراته يحتفظ بسيادته.
فخلال الفترة الوجيزة للملكيّات المطلقة الحاكمة في أوروبا، كان الحقّ الإلهي للملك والإمبراطور مبرّراً منافساً هامّاً لممارسة السيادة (المطلقة). كان لولاية السماء آثاراً مماثلة في الصين عبر التاريخ.أما بالنسبة للرئيس الحاكم فإنه يحكم الجمهورية التي هي شكل من أشكال الحكم والسلطة الذي يحتفظ فيه الشعب، أو جزء كبير منه بالسيادة على الحكومة القائمة، حيث لا تمنح مكاتب الدولة ومؤسساتها من خلال التراث . التعريف الحديث المشترك للجمهوريّة هي حكومة برلمانية لها رئيس دولة وليس ملكاً أو خليفة. 
الديمقراطيّة في أساسها ومبناها ومعناها تقوم على مفهوم السيادة الشعبيّة. في الديمقراطيّة المباشرة التي يتمتع بها الشعب، يلعب الجمهور دوراًأساسياً وفعّالاً في تشكيل السياسة والنهج السياسي واتّخاذ القرار المناسب بشأنها.كما تسمح الديمقراطيّة التمثيليّة (البرلمانية) أو(الشعبية) بنقل ممارسة السيادة بضوابطها من الشعب إلى هيئةٍ تشريعيّةٍ (برلمانية) أو (تنفيذيّةٍ) إلى مزيج من (الهيئات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة). كما تقدّم ديمقراطيّات تمثيليّة عديدة ومتنوعة، ديمقراطيّة مباشرة محدودة ومتعينة من خلال الاستدعاء والاستفتاء والمبادرة.
السيادة (البرلمانيّة) التشريعية تشير إلى ديمقراطيّة تمثيليّة، حيث البرلمان في نهاية المطاف هو صاحب السيادة الأولى والهامة وليس السلطة التنفيذيّة ولا السلطة القضائيّة ولا غيرهما.
من هنا يمكننا التأكيد على أنَّ السيادة هي تحكّم الدولة بما يحدث داخل حدودها الإدارية والجغرافية والسياسية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولةٍ أخرى.
هناك قضيةً لا يمكن إغفالها في سياق التطور المجتمعي والسيادي وهو أنَّ العالم مترابط أكثر من أي وقتٍ مضى، وأصبح محكوماً بقوانين وتشريعات دولية ناظمة ، وما كان في الماضي شأناً محلياً سيادياً أصبح عالمياً بكل تأكيد، كما هو الحال مع انتشار الأوبئة مثل جائحة (كوفيد 19) كورونا. لم يبق ضرره محصوراً في دولةٍ معيَّنة وما يزال العالم يعاني من تبعاته القاسية والمريرة، كما يعتبر تغيّر المناخ بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تسبب خللاً غير مسبوق بمكونات كرتنا الأرضية ، التي لم تعد أمراً يخص دولةً بعينها أو شعباً معيناً، بل تهدد العالم بأسره،وتضرب في طول الأرض وعرضها. وكذلك انتهاك حقوق الإنسان، وهو أحد أهم الأسس والأركان التي يقوم عليها حكم القانون وسيادة الدولة، وما يترتب على ذلك من تشتيت وتبديد الطاقات البشرية الهائلة، التي لن يبقى تأثيرها كبيراً على زعزعة الأمن والأمان والاستقرار الداخلي وخرق السيادة، بل سيتسبب ذلك لا محالة في التأثير على المجتمع الدولي من خلال حملات الهجرات واللجوء والهروب من الظلم والقمع والاستبداد والحروب، وتفاقم الأوبئة والمجاعات وتصدير الجهل والتخلّف والإرهاب، ومن حولنا حضارات عريقة لها دور كبير في التاريخ الإنساني دُمرت بسبب الاستبداد والطغيان والفساد وأمراض أيديولوجية ومنهجية مستعصية وموروثات بالية ومتحجرة، في الأغلب هي منتج مقصود للأنظمة السياسية الفاشلة التي مارست الطغيان والاستبداد.
السيادة اليوم لم تعد على الرغم مما تحظى به من قوانين وتشريعات دولية ناظمة تعمل على الحماية الدولية المطلقة .والعمل على الحفاظ على الحد الأدنى لتلك السيادة التي يجب أن تتمتع بها الدول من الانهيار والتهاوي ومن خطر المناوشاوات والتدخلات الخارجية يبدأ بتحصين الجبهة الداخلية من خلال تطبيق معايير الحق العدالة الاجتماعية، والمساواة بين المواطنين وفق القوانين والتشريعات الناظمة، وحماية الحقوق الإنسانية والمدنية ولجميع أفراد المجتمع من دون استثناء أو تمييز، وتفعيل دور كل هيئات وإدارات ومؤسسات الدولة وتسخيرها لخدمة المجتمع وأبنائه وحماية حياتهم اليومية ورفاهيتهم وسعادتهم.
calendar_month02/12/2022 02:08 pm