علينا أن نحُسن الظن بالله عز وجل، وأن لا نَقنَط من رحمة الله جل جلاله، ونأمل الخير ، ونتفاءل بالفأل الحسن؛ رغم مرارة الأيام، وشدة المُعاناة، وكثرة الألم الأليم المُلم بالمُتألم دون أن يتكلم!. لقد أمَرَ اللهُ سبحانهُ، وتَعالَى عِبادَه بذِكرِه، وشُكرهِ، وحسن عبادتِهِ، ورتَّب على هذا الذِّكرِ جَزاءً عَظيمً، فجاء عن الظن الحسن بالله في الحَديثِ القُدسيِّ عن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن رَبِّه سُبحانَه، وَتَعالَى أنَّه يَقولُ: «أنا عِندَ ظَنِّ عَبْدي بي»، يَعني: إن ظَنَّ باللهِ خَيرًا فَلَه، وإن ظَنَّ بِه سِوَى ذلك فَلَه، وحُسنُ الظَّنِّ باللهِ عزَّ وجلَّ يَكونُ بفِعلِ ما يُوجِبُ فَضلَ اللهِ وَرَجاءَه، فيَعمَلُ الصَّالِحاتِ، ويُحسِنُ الظَّنَّ بأنَّ اللهَ تَعالَى يَقبَلُه، فاللهُ سُبحانَه عِندَ مُنتهَى أمَلِ العَبدِ به، وعلى قَدرِ ظَنِّ واعتِقادِ العَبدِ فيه، ويَكونُ عَطاءُ اللهِ وجَزاؤُه من جِنسِ ما يَظُنُّه العَبدُ في اللهِ ثَوابًا أو عِقابًا خَيرًا أو شَرًّا، فمَن ظنَّ باللهِ أمرًا عَظيمًا وَجَدَه وأعْطاه اللهُ إيَّاهُ، واللهُ لا يَتعاظَمُه شَيءٌ؛ أمَّا أن يُحسِنَ الظَّنَّ، وهو لا يَعمَلُ، فهذا من بابِ التَّمَنِّي على اللهِ، ومَن أتبَعَ نَفسَه هَواها، وتَمَنَّى على اللهِ الأمانيَّ فهو عاجِز!؛ وعمومًا لا يَعلَم أحد منا مَكانهُ، ومقامهُ في الحياة الأخرة إلا علام الغيوب، ولن يدخل أحدٌ منا الجنة بعملهِ، إلا أن يرحمنا ربُنا برحمتهِ الواسعة؛ وفي هذا المقام قال سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم : "سَدِّدُوا وقارِبُوا وأَبْشِرُوا، فإنَّه لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أحَدًا عَمَلُهُ قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه برَحْمَةٍ، واعْلَمُوا أنَّ أحَبَّ العَمَلِ إلى اللهِ أدْوَمُهُ، وإنْ قَلَّ. وفي روايةٍ بهذا الإسْنادِ، ولَمْ يَذْكُرْ: وأَبْشِرُوا".
ولا يغترن أحدٌ منا بكثر، وحُسنِ عبادتهِ، وعملهِ، ويعتقد أنهُ قد ضمن الجنة، وينظر لنفسهِ كأنهُ نبي معصوم!؛ فلا يحق، ولا يجوز له أن يُصنف الناس كأنهُ يوزع من في الجنة، ومن في النار، و يَتأَلَّى على خَالقهِ سبحانه، وسيدهِ، ومولاه!؛ والدليل على ذلك ما جاء عن الصحابي الجليل أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه- قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «واللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لِفلانٍ» مِن النَّاسِ، فعيَّنَه بشَخصِه، وقالَ ذلك بسَببِ كَثرةِ ذُنوبِه أو أنَّها مِن الكبائرِ، أو تَعظيمًا لنَفْسِه لمَّا رَأى نفْسَه على الطَّاعةِ وغيْرَه على المعصيةِ وظاهرُ قَسمِه أنَّه قَطَع بأنَّ اللهَ تعالَى لا يَغفِرُ لذلكَ الرَّجلِ، وكأنَّه حَكَم على اللهِ تعالَى، وحَجَر عليه وهذه نَتيجةُ الجهلِ بالأحكامِ الإلهيَّةِ، والإدلالِ على اللهِ تعالَى بما اعتَقَد أنَّ له عندَه مِن الكرامةِ والحظِّ، والمكانةِ، أو اعتقادِه في المُذنِبِ أنَّ مِثلَه لا يُغفَرُ له ذَنْبُه، أو أنَّ مِثلَ هذا الذَّنْبِ لا يُغفَرُ لمِثلِه، فَقال ربُّ العزَّةِ مُعقِّبًا على قَولِ هذا الرَّجلِ: «مَن ذا الَّذي يَتأَلَّى عَليَّ؟!» أي: يَتحَكَّمُ عليَّ ويَحلِفُ باسمِي أنَّي لَا أَغفِرُ لفُلانٍ؟! وهذا الاستفهامُ يُرادُ به الإنكارُ والوعيدُ وبَيانٌ لعَظيمِ وقُدرتِه ورَحمتِه بالعِبادِ؛ فهو أعلَمُ بهم، وهو وحْدَه القادرُ عليهم، ولذلك قال تعالَى: «فإِنِّي قدْ غَفرتُ لفُلانٍ» المحلوفِ عليه بأنَّ اللهَ لا يَغفِرُ له، «وأَحبَطْتُ عَملَك» أيُّها الحالِفُ، فأَذهبتُه سُدًى وأَبطلْتُه، فحَصَل بذلك أنْ أوبَقَتْ هذه الكلمةُ دُنياهُ، وآخِرتَه؛ وذلكَ لأنَّه قالَ ما قالَ إِعجابًا بعَملِه، وإِعجابًا بنَفسِه، واستِكبارًا عَلى عِبادِ اللهِ عزَّ وجلَّ!. وختامًا فجعلنا الله وإياكم جميعًا من أهل محبته وخاصته، وجناتهِ، ومن أهل المزيد، ومن السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة دون سابقة حساب، أو عذاب اللهم أمين.
الباحث، والكاتب، والمحاضر الجامعي، المفكر العربي، والمحلل السياسي
الكاتب الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، عضو مؤسس في اتحاد المدربين العرب
عضو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية
dr.jamalnahel@gmail.com

calendar_month07/04/2023 12:37 pm