موقع تبوك يقع شمال الحجاز ويبعد عن المدينة المنورة حوالي 778 ميلًا وفقًا للمسار الحالي. في العصور القديمة، كانت تبوك جزءًا من ديار قضاعة التي كانت تحت سيطرة الرومان.
غزوة تبوك، المعروفة أيضًا بـ"غزوة العسرة"، هي الغزوة التي خرج فيها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في رجب من العام التاسع للهجرة، بعد حوالي ستة أشهر من حصار الطائف. تعتبر غزوة تبوك آخر الغزوات التي شارك فيها النبي. بدأت تداعيات هذه الغزوة عندما قررت القوات الرومانية إنهاء التهديد الإسلامي للكيان الروماني في المنطقة. خرجت جيوش الروم العرمرمية بقوة رومانية وعربية تقدر بحوالي 40,000 مقاتل لمواجهة الجيش الإسلامي الذي يعدّ بحوالي 30,000 مقاتل. انتهت المعركة بدون صدام مباشر أو قتال، حيث تشتت وتبدد الجيش الروماني خوفًا من المواجهة. وترتبت على هذه الغزوة تغيرات عسكرية في المنطقة، حيث تخلى الروم عن حلفائهم وتحالفوا مع العرب كقوة رئيسية في المنطقة. وبالرغم من عدم وقوع مواجهة حربية مباشرة مع الرومان، فقد تحقق الهدف المرجو من الغزوة، حيث تخلوا الروم عن مواقعهم للدولة الإسلامية، وأدت إلى خضوع المناطق التي كانت تخضع للروم للدولة الإسلامية. وقد كتب النبي محمد معاهدات مع النصارى في تلك المناطق لتحديد حقوقهم وواجباتهم.
تميزت غزوة تبوك عن غيرها من الغزوات بأن الله حث على الخروج فيها، وعاتب وعاقب من تخلف عن المشاركة فيها. وتضمنت الآيات الكريمة ذكرًا لذلك، كما جاء في قوله تعالى: "انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (التوبة: 41).
تعرف هذه الغزوة باسم غزوة تبوك نسبةً إلى عين تبوك التي وصل إليها الجيش الإسلامي. ويُذكر في "صحيح مسلم" أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ".
وقد سُميت هذه الغزوة أيضًا بـ"غزوة العُسْرة" نظرًا للصعوبات والضيق التي واجهها المسلمون في هذا الغزو. فقد كان الجو شديد الحرارة، والمسافة بعيدة، والسفر شاقًا نظرًا لنقص الإمدادات والدواب المتاحة لنقل المجاهدين إلى موقع المعركة، وكذلك نقص الماء في هذا السفر الطويل والأجواء الحارة. كما تمتاز غزوة تبوك بأن اسم "العُسْرة" ذكر في القرآن الكريم، حيث يقول
 الله في سورة التوبة: "لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" (التوبة: 117).
تُطلق أيضًا على هذه الغزوة اسم "الفاضحة"، وذلك نسبةً للكشف عن حقيقة المنافقين وفضح أعمالهم وتصرفاتهم العدائية الماكرة، وبيان أساليبهم الخبيثة وجرائمهم ضد رسول الله محمد والمسلمين.
لذا، تعد غزوة تبوك ذات أهمية كبيرة في تاريخ الإسلام، حيث أعطت دروسًا عديدة وأثرت في العلاقة بين الدولة الإسلامية والدول الرومانية، وتأكيدًا لقوة المسلمين ونجاحهم في مواجهة التحديات والصعاب.


وفقًا لما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية"، فإن الله أمر بقتال أهل الكتاب (اليهود والنصارى) بعد أن أذل المشركين واستقامت جزيرة العرب في الإسلام. وقد أمر رسول الله محمد بقتال أهل الكتاب، وذلك في سنة تسع. وعزم النبي على قتال الروم لأنهم كانوا أقرب الناس إليه وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام بسبب قربهم منه ومن أهله. وكانت هناك تحركات للقوات الرومية والعربية المؤيدة لهم نحو المسلمين.
ومن أسباب غزوة تبوك، كان تحرك قوات الروم والعرب المؤيدة لهم نحو المسلمين. وتلقى رسول الله معلومات بأن الروم قد جمعوا جيوشًا كبيرة في الشام، وقدموا مقدماتهم إلى الموقع المعروف بالبلقاء. وتناقل بعض الأشخاص بأن سبب هذا التحرك هو رسالة من متنصرة عربية إلى هرقل، تروي فيها أن محمد وأصحابه قد تعرضوا للهلاك وفقدوا أموالهم. وقد تم إرسال رجل من القادة الروم ليجمع جيشًا يضم حوالي أربعين ألفًا لمواجهة المسلمين. ورغم أن هذه الأنباء كانت غير صحيحة، إلا أنها تسببت في خلق حالة من الرعب والهلع بين المسلمين في وقتٍ كانوا يعانون فيه من ضيق الأوضاع وقساوة الجو.
بعد استقرار الأمور وتحسُّن الأحوال وتفضُّل الثمار، قرر النبي محمد الانتقال إلى الشام لمواجهة الروم. وبدأ في دعوة الناس للمشاركة في هذه الغزوة، وأرسل رسائل لقادة القبائل العربية لدعمه. تجاوب الناس مع الدعوة وتجمعوا للمشاركة في القتال، وبلغ عدد المشاركين حوالي ثلاثين ألفًا من المقاتلين. ولكن بعض الناس من أهل المدينة والمنافقين وغيرهم تخلفوا عن الانضمام.
وكانت غزوة تبوك تتميز بأنها نُفِّذت في ظروف صعبة، حيث كانت في فصل الجفاف والحر، واستمرت في تبوك لمدة قريبة من عشرين يومًا.

calendar_month12/06/2023 01:01 pm