تسلط مأساة الغواصة تيتان الضوء على اتجاه متزايد بين أغنى أثرياء العالم نحو ممارسة أنشطة سياحية غريبة، والتي يمكن أن نطلق عليها "مغامرات اللاعودة". 
حين ظهرت صور المساحات الضيقة والمحدودة في الغواصة المنكوبة، والتي لا تضم حتى مراحيض، فاجأ العالم معرفته بأن الضحايا الخمسة قد دفعوا 250 ألف دولار لتذكرة الرحلة الأخيرة، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.

وأدلى دكتور سكوت ليونز، الذي يتولى علاج بعض أثرياء العالم، بتصريح بشأن هذه المأساة، حيث أشار إلى أن التقنيات الجديدة جعلت الأثرياء قادرين على ملاحقة الإثارة بشكل متزايد. يشمل ذلك السفر إلى الفضاء واستكشاف أعماق المحيط والقفز بالمظلات من جبل إيفرست، وذلك بأسعار باهظة لا يمكن لأي شخص غير أثري أن يتحملها.

وأوضح دكتور ليونز أن الأثرياء يسعون لتجربة "الحيوية"، حيث بعد تأمين "الأمان في بعض جوانب حياتهم مثل الموارد المالية"، يميلون إلى البحث عن المغامرة والمخاطرة في أماكن أخرى.

ووفقًا لدراسة صادرة عن "Grand View Research"، من المتوقع أن تشهد صناعة سياحة المغامرات العالمية توسعًا كبيرًا، حيث يُتوقع أن يصل حجمها إلى أكثر من تريليون دولار في عام 2023، مع زيادة عدد الشركات التي تقدم عروضًا للسياح الباحثين عن التجارب المغامرة.

قال الدكتور ليونز إن الشعور بالملل سيدفع المزيد من الأثرياء للتوجه نحو البحث عن المغامرة والإثارة. يزداد هذا الاهتمام خاصة مع زيادة التبذير في الحياة وانخفاض مستوى الإثارة في الأمور اليومية المتاحة لهم.

وأضاف الدكتور ليونز أن المغامرات توفر "إحساسًا بالحيوية"، حيث أن توفر "أمان في بعض جوانب حياة الأثرياء، مثل الموارد المالية، يدفعهم إلى البحث عن الشعور بالمخاطر الكبيرة للاستمتاع بالإثارة في جوانب أخرى".

وأشار إلى أن "السعي وراء الشعور بالمجازفة ينطبق أيضًا على الأشخاص الذين يرغبون في تخفيف الألم أو تجنبه، ويوفر لهم شعورًا بالقوة في الوقت الحالي".
وأوضح الدكتور ليونز أيضًا أن هناك آلية فسيولوجية قوية تدفع الناس للبحث عن الإثارة. وبداية هذه الآلية تكون في اللوزة الدماغية، والتي تقيم النتائج السلبية وتفعل سلسلة من الهرمونات مثل الدوبامين والتستوستيرون والنورأدرينالين والأدرينالين والسيروتونين. وبفضل هذه الهرمونات، يتحقق تخفيف للألم ويولد لحظات من الشعور بالقوة، مماثلة لتلك التي يشعر بها الشخص عندما يجري لمسافة تزيد عن ثلاثة أميال.

وأشار الدكتور ليونز إلى أن "الأشخاص الذين يسعون للحصول على شعور عالٍ يتابعون هذه اللحظة المؤقتة أو الشعور المشابه لتناول العقاقير، حيث يعطيهم نفس النوع من الشعور الإيجابي، ولكنهم يحققون ذلك عن طريق المشاركة في أوضاع مثيرة بدلاً من تناول أو استنشاق شيء ما".

وأضاف أن "السعي لتجربة هذا الشعور يؤدي إلى زيادة إفراز هرمونات السعادة في المخ، مما يؤدي إلى الحاجة المستمرة للمزيد لتكرار نفس الشعور. على سبيل المثال، عندما يحقق شخص ما مليون دولار، فإنه يحتاج بعدها لتحقيق مليوني دولار، وتتوالى المحاولات المجازفة والمخاطرة. ويأتي الانهيار بعد تحقيق قمة السعادة، وعادةً ما يتلاشى ولا يدوم لمدة تتراوح بين 60 إلى 90 ثانية".

وشرح الدكتور ليونز أن "المليارديرات أكثر عرضة للاستمتاع بمغامرات محفوفة بالمخاطر وبأسعار باهظة بسبب روتينية حياتهم اليومية. وتتضمن السياحة المتطرفة البحث عن أماكن صعبة الوصول في العالم أو الفضاء الخارجي. وعنصر التفرد في هذه المغامرات يزيدها جاذبية، خاصةً لأن بعض الأشخاص يرون أن المال وحده لا يكفي لكسب الاحترام".

وأشار إلى أن هذا الشعور بالأهمية والتميز الناشئ عن المغامرة أو المجازفة، مثل النزول في غواصة بتذكرة تبلغ قيمتها 250 ألف دولار، يختلف تمامًا عن تسلق جبل كيليمنجارو أو ركوب الأفعوانية. وهناك عنصر من الحصرية يمنح تلك المغامرات إضافة من الهرمونات التي تعزز الشعور بالمتعة والسعادة.

وأضاف الدكتور ليونز أن هناك جانبًا من القدرة التنافسية أيضًا. عندما يحقق الشخص المزيد من المال، يندمج في دوائر أشخاص يمتلكون المزيد، وبالتالي يتعرف على مستوى أعلى من المقارنة والتحدي. وفي أوساط المليارديرات والمليونيرات، يكون هناك غالبًا "شعور بالحاجة إلى المزيد"، مما يضع "ضغطًا اجتماعيًا للقيام بأشياء من هذا القبيل".
calendar_month25/06/2023 12:37 pm