ومن ضمن هؤلاء الأطفال كان ابنهم رياض، الذي كان يحلم أن يصبح لاعب كرة قدم مشهوراً. وعلى الرغم من الظروف الصعبة في ضاحية سارسيل، إلا أنه بقي وفياً لشغفه بكرة القدم واستمر في اللعب دون أن يفارق الكرة أبداً.
مع مرور الزمن، تحقق حلم رياض بأن يصبح لاعب كرة قدم ناجحًا. وفي يوم الجمعة، أعلن نادي مانشستر سيتي الإنجليزي بطل الدوري الممتاز لكرة القدم عن انتقال رياض محرز إلى النادي الأهلي السعودي حتى عام 2027.
رغم أن رياض كان يلعب في ضاحية تسودها الجريمة، إلا أنه استطاع البقاء بعيدًا عن تلك الأوضاع الصعبة، وتجاوز العديد من التحديات التي واجهته وأسرته.
إن إصراره وإصرار والديه على حمايته ودعمه ساعداه على التركيز على هدفه وتحقيق طموحاته في عالم كرة القدم.
تقع ضاحية سارسيل على بعد 16 كيلومترًا شمال جادة "الشانزلزيه" الشهيرة في فرنسا، وهي من بين أسوأ الأحياء من حيث مستوى الأمان. يشهد سكانها معدلًا عاليًا من الجرائم، حيث بلغ عدد الجرائم النوعية مثل العنف والسرقة والجرائم الأخرى حوالي 8300 جريمة، في ضاحية تضم سكانًا لا يتجاوز عددهم 58 ألف نسمة.
وكان الراحل أحمد محرز مدرس رياضيات في الجزائر، حيث عمل في ولاية تلمسان المجاورة للمغرب. كان يلعب كرة القدم في أندية جزائرية متواضعة بجانب وظيفته الرسمية. ولكن بعمر الـ 23 عامًا، تبين أنه مصاب بمرض في القلب وأخبره الأطباء بأنه لا يستطيع أن يصبح لاعبًا كرة قدم بسبب هذه الإصابة.
اضطر أحمد وزوجته للتوجه إلى فرنسا في عام 1970 بحثًا عن علاج لحالة أحمد. وعلى الرغم من التحديات، نجح في توفير حياة جيدة لأطفاله الأربعة. في مقابلة عام 2015 مع "بي بي سي"، صرح ابنه رياض بأنهم كانوا جزءًا من الطبقة المتوسطة، وأن والده كان يبذل قصارى جهده لتلبية احتياجاتهم.
ومنذ أحداث عام 2005، توفي أحمد محرز بسبب نوبة قلبية. في ذلك الوقت، كان رياض في سن الـ 15 عامًا وصرح بأن وفاة والده كانت صدمة لأنها حدثت في الوقت الذي بدأ فيه يحب كرة القدم بشكل جدّي. قبل ذلك، كان مجرد هاوٍ يلعب للمرح ولكن الأمور أصبحت أكثر جدية بالنسبة له بعد تلك الفترة.
ويتذكر النجم الجزائري، رياض محرز، تفاصيل الفاجعة وكيف أثرت في مسيرته قائلاً: "أعتقد أن وفاة والدي كانت نقطة انطلاق لي. لا أعلم إن كنت أصبحت أكثر جدية بسبب ذلك، ولكن بدأت الأمور تتحسن بالنسبة لي بعد وفاته، خاصة أنني كنت أدرك أنني أريد المزيد."
ويصف محرز والده قائلاً: "كان يدعمني دائماً وكان يرغب في أن أصبح لاعب كرة قدم. كان يحضر كل مباراة لي، وقد سبق له أن لعب لفرق صغيرة في الجزائر وفرنسا، لذلك كنت أقدر قيمة نصائحه وكنت أنصت له بإجلال."
انطلاقة محرز في مجال كرة القدم لم تكن مثالية، إذ تعرض للإحباط في أكثر من مرحلة من مسيرته. وصف بأنه "نحيل" و"ضعيف" وتعرض للتشكيك في قدراته، ورغم ذلك، انتقل إلى الدوري الإنجليزي للعب مع نادي ليستر سيتي. حينها، كانت أغلب النصائح تحاول إقناعه بالتراجع عن هذا القرار نظرًا لأهمية القوة البدنية في تلك البطولة. ولكن الجزائري النحيل أبهر الجميع وأثبت نفسه في تاريخ البطولة.
مع المهاجم الإنجليزي جيمي فاردي والفرنسي نغولو كانتي، قاد محرز نادي ليستر سيتي لتحقيق المستحيل والفوز بلقب الدوري الإنجليزي للمرة الأولى في تاريخ النادي في موسم 2015-2016. في ذلك الموسم، حاز محرز على جائزة أفضل لاعب إفريقي وأفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للموسم. وبهذا الإنجاز، أثبت محرز أن الإصرار والقوة الإرادة يمكنهما تحقيق النجاح رغم كل التحديات التي واجهها في بداية مسيرته.
استمرت مسيرة رياض محرز في الدوري الإنجليزي بعد انتقاله إلى مانشستر سيتي، حيث تغيرت حياته بشكل كبير. انضم إلى صفوف العملاق الإنجليزي في عام 2018 مقابل قرابة 68 مليون يورو، وشكل توقيعه محطًا للأنظار.
أضاف محرز صفحة جديدة من تاريخه في إنجلترا بتحقيق العديد من الإنجازات مع مانشستر سيتي. فاز بأربع بطولات دوري إضافية وعدد من كؤوس إنجلترا والرابطة، وكان له دور كبير في تحقيق التتويج الأول للفريق ببطولة دوري أبطال أوروبا قبل شهر ونصف فقط.
ولم تقتصر نجاحات محرز على المستوى النادي، بل أثبت نفسه مع منتخب بلاده الجزائر أيضًا. وفي عام 2019، ساهم محرز في إعادة "الخضر" إلى منصة التتويج بكأس أمم إفريقيا بعد غياب دام 29 عامًا. سجل 3 أهداف في البطولة، منها هدف رائع من ركلة حرة في مرمى نيجيريا في نصف النهائي.
بهذه الإنجازات، أثبت رياض محرز أنه لاعب مميز وموهوب قادر على تحقيق الانتصارات في كل المستويات، سواء مع أندية الدوري الإنجليزي أو مع منتخب بلاده، وأصبح يعد من أبرز النجوم العرب والأفارقة في عالم كرة القدم.