
تتعرّض البشرية لخطر داهم جراء ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة ، لذا بدأ الغرب الأوروبي البحث عن طرق وتقنيات متخصصة لإبقاء درجات الحرارة مستقرة على كرتنا الأرضية، كون الاحترار العالمي والاحتباس الحراري المتزايد قد شكّل هاجساً حقيقياً للبشر على وجه البسيطة ، وأضحى قلقاً يؤرق الدول والحكومات، وهذا ما يقودنا للحديث بشيء من التفصيل عما يسمى ب (الهندسة الجيولوجية الشمسية) ، التي تتيح إمكانية عكس ضوء الشمس بعيدا عن كرتنا الأرضية والعودة بها مجدّداً نحو الفضاء.
فمن منا كان يتوقع أن أشعة الشمس يمكن أن تُحجب عن الأرض، فعندما عجز البشر عن تخفيف درجة حرارة كوكبنا، وتقليل أنشطتهم الصناعية المنهِكة للبيئة، لم يجدوا حلاً سوى حجب أشعة الشمس عن الأرض.
ربما بدا الأمر واضحاً بالنسبة للأمم المتحدة وهيئاتها البيئية بأن الجهود العالمية المبذولة للاستجابة لتغيرات المناخ غير كافية حتى الآن .ووفق خبراء متخصصون في مجال المناخ ، فإن تقنية الهندسة الجيولوجية الشمسية تعتبر الوحيدة حتى هذا اليوم التي يمكن استخدامها لتبريد كوكبنا .وذلك من خلال توجيه أشعة الشمس إلى الفضاء الخارجي، ويمكن تنفيذ تلك العملية خلال السنوات العشر القادمة ، بتكلفة تقل عن عشرين مليار دولار لكل درجة مئوية واحدة سنويا.
وعلى الرغم من عدم وجود أية عوائق تكنولوجية لعكس أشعة الشمس باتجاه الفضاء الخارجي ، إلا أنّ لها تبعات سلبية كبيرة ، كهطول أمطار حمضية غزيرة بسبب الاستخدام المفرط لثاني أوكسيد الكبريت، وزيادة أضرار طبقة الأوزون التي تحمي كرتنا الأرضية وتغلفها وتمنع مرور الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء. بالإضافة إلى كل ذلك يحتاج تنفيذ هذه التقنية الخاصة إلى إرادة دولية واستراتيجية واضحة للتنسيق بين الدول والحكومات .
وفي ظل توقعات هيئة الأمم المتحدة بأن لا تستجيب كل الدول لهذه التقنية النوعية ، إلا انها قد ترضخ لها كحل أوّلي وطارئ لمواجهة الظواهر البيئية المتطرفة والخطيرة التي ينتج عنها مجاعات وأزمات غذاء عالمية وهجرة جماعية وتدمير للبنى التحتية وكل ما يحتاجه البشر .
لقد أعرب عدد كبير من الدول والخبراء المتخصصون عن قلقهم من تنفيذ خطة حجب أو عكس أشعة الشمس كونها تنطوي على مخاطر جديدة للناس وللنظم البيئية العالمية ، وتتسبب في زيادة اختلال توازن القوى بين الدول والحكومات ، وتساهم في إثارة الصراعات والنزاعات بينهم .
ففي انعطاف حاد وسريع في الموقف، قرّر الاتحاد الأوروبي النظر في إمكانية التدخل تكنولوجياً عبر تقنيات متطورة على نطاق واسع لعكس أشعة الشمس ، بهدف كبح التغيرات المناخية العالمية . وهو ما أوقع دول الاتحاد الأوروبي في مطب مشحون بالجدل الناقد لمخاطر وعواقب الإقدام على إعادة هندسة المناخ بالتدخل في حجم الطاقة الضرورية التي تزود بها الشمس كوكبنا الأرضي.
وكان من المقرّر أن يعلن الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء 28 حزيران 2023 ، عن إطار عمل لتقييم التداعيات الطبيعية والأمنية في العالم ، والمخاطر الأخرى المحتملة للتدخل في تغير المناخ بشكل تقني ، عبر إعادة هندسة الغلاف الجوي نفسه ، مثل احتمال أن تؤدي ندرة المياه أو الغذاء الذي يحتاجه البشر ، نتيجة لهذا التدخل، إلى إثارة الحروب والنزاعات وموجات الهجرة الجماعية والفردية . على اعتبار أن هذه التقنية التي تعمل على حجب أو عكس أشعة الشمس، تنطوي على مخاطر جمة جديدة للناس وللنظم البيئية بشكلٍ عام ، وتتسبب في زيادة اختلال توازن القوى بين الدول والحكومات ، وإثارة الصراعات والنزاعات ، وتضم عدداً لا يحصى من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعرفية والأخلاقية والقانونية والسياسية . حتى أنّ وكالة (بلومبيرغ نيوز Bloomberg News) هي وكالة أنباء دولية، تأسست في 1990 . يقع مقرها في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية ذكرت أنها اطلعت على وثيقة الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص، وأثارت شكوكاً عدة وتساؤلات حول ما إذا كانت الهندسة الجيولوجية المناخية، علماً محكماً ورصيناً ، أم مجرّد بدعة إلهاء خيالية للشعوب ، تحفها تداعيات خطرة محتملة على كوكبنا والغلاف الجوي . وفيما خص الإلهاء على وجه التحديد ، فإنّ الاتحاد الأوروبي يعتزم طرح هذا الموضوع الذي يعتبره من المواضيع الهامة والاستراتيجية على جدول أعمال مفاوضات المناخ، بغية استشفاف آراء الدول والحكومات والفرق التفاوضية، ودفع الأطراف الأخرى للموافقة على مبدأ دراسة الموضوع والمشاركة الفنية والتمويلية في جهد جماعي، لإجراء دراسة معمقة هدفها تقييم شامل للشكوك والمخاطر المتعلقة بمثل هذا التدخل الفظ والغريب في الطبيعة المناخية، بما في ذلك، على وجهٍ الخصوص ، ما يُعرَف بحقن الهباء الجوي (الستراتوسفير) ، لزيادة تركيز الجزيئات في الغلاف الجوي، من أجل تقليل كمية ضوء الشمس التي تصل إلى سطح الكرة الأرضية . والحجة في ذلك أنّ الدول لن تتمكن من مقابلة هدف سقف الواحد ونصف الدرجة المئوية الذي نصّت عليه المادة الثانية لاتفاق باريس للمناخ( 21 Cop ) وهو أوّل اتفاق عالمي بشأن المناخ. جاء هذا الاتفاق عقب المفاوضات الطويلة التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في العاصمة الفرنسية باريس في عام 2015. حسب لوران فابيوس الذي قدّم مشروع الاتفاق النهائي في الجلسة العامة، فإن هذا الاتفاق مناسب تماماً ومتوازن ودائم وملزم قانونيا.تم في هذا المؤتمر الاتفاق على الإبقاء على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية عند حد لا يتجاوز الواحد والنصف درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية العالمية.في حين استهجنت بعض الدول هذا التوجه الأوروبي المناخي الجديد، وانتقده آخرون في معظم أنحاء العالم ، واتهموا الاتحاد الأوروبي بأنه يرمي، في أحسن الأحوال ، إلى صرف الانتباه عن معالجة الاسباب الرئيسية لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي ، والمتمثل في الانبعاثات المتزايدة لأوكسيد الكربون ، ناهيك عمّا سيفضي إليه هذا التدخل الكبير في كينونة الطبيعة وماهيتها ومناخها، إن كان سيطبّق ، من آثار جانبية سلبية غير متوقعة، أقلها تغيير أنماط وفترات وغزارة هطول الأمطار التي تمثّل مصدراً رئيسيا للزراعة المطرية في العالم وتخزين المياه الضرورية . حتى أن بعض العلماء والخبراء المتخصصون وجهوا دعوة إلى إبرام اتفاقية عالمية، تحرم اللجوء إلى مثل هذه الحلول الخطرة والمتطرفة.
الجدير بالذكر انّ رجل الأعمال والاقتصادي الألماني السيد كلاوس شواب ( Klaus Martin Schwab)، اشتهر بأنه رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالميWEF وبمشاركة زوجته هيلدا في مشاريعه، لديهما ما تسمى (مجموعة رواد التكنولوجيا) (Cohort of Technology Pioneers)، وهي فرق طلابية متخصصة تنشئها المؤسسة سنوياً (منذ عام 2007)، وتختار طلابها وطالباتها من مختلف أنحاء العالم، ليكونوا قادة المجتمع في مجالات السياسة والثقافة والمعرفة والاقتصاد ، وتُسند اليهم العديد من المهام الخاصة التي تتعلق بالقضايا المُلحة والضرورية التي تواجه كوكبنا الأرضي ، والتي يشتغلون عليها كفريق عمل واحد كامل متكامل، بدعم من أكثر من مئة شركة تختارها المؤسسة سنوياً، من أجل العمل مع هذه الفرق الخبيرة . الفريق المتخصص الذي تم اختياره هذا العام، أسندت إليه مهمة الانتقال بالصناعة والمناخ إلى صافي صفر انبعاثات كربونية ، بما يشمل ذلك ليس فقط إجراء إصلاح شامل للطرقات المرصوفة بالإسفلت وطريقة استخدامها واستهلاكها المفرط، وإنما أيضاً إحداث تحويل بنيوي في جميع الصناعات الرئيسية التي تساهم في الاحتباس الحراري ، وصولاً إلى نمط حياة الفرد اليومية ، بحيث يتم، بواسطة الاستخدام الواسع للتكنولوجيا المتقدمة والتقنيات المتطورة ، تغيير كامل لقواعد اللعبة المناخية ، كما يقولون في غير مكان ، ومن ذلك إحلال البروتينات البديلة الهامة والضرورية. وقد تستخدم مؤسسة المنتدى الاقتصادي العالمي WEF، تقنية الذكاء الاصطناعي (AI) لإخطار الجمهور بالبصمة الكربونية للسلع والبضائع التي يشترونها. وقد تقترح أيضاً إنشاء نظام شهادات الكربون (Carbon Credit Certificate-CCS) للأشخاص ، على غرار ما هو معمول به حالياً بالنسبة للشركات العالمية الكبرى .
إن عقد المؤتمرات المناخية المتتالية لن تجدي أوكلها في العالم حتى الآن وما زال المناخ يزداد تقلباً وخطورة ، وأن الاقتراب من أجواء مفاوضات المناخ لعدة سنوات،سيبعد العديد من الحلول المقترحة عن التنفيذ ، لأنه أصبح موضوع تغير المناخ وتبدله بعد قمة ريو دي جانيرو في عام 1992، وتوقيع اتفاقية المناخ الإطارية (UNFCCC)، التي أنشأتها الأمم المتحدة وهي اتفاقية إطارية بشأن تغير المناخ كما تعتبر معاهدة بيئية دولية لمكافحة التدخل البشري الخطير في النظام المناخي ، ويتم ذلك جزئياً عن طريق تثبيت التركيزات الكثيفة لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. تلك الاتفاقية وقعت عليها مائة وأربع وخمسون دولة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (يو إن سي إي دي)، والذي يُعرَف بشكلٍ غير رسمي باسم (قمة الأرض)، التي عقدت في ريو دي جانيرو في البرازيل في الفترة ما بين الثالث والرابع عشر من شهر حزيران عام 1992. وأنشأت من خلاله أمانة عامة مقرها في مدينة بون الألمانية ودخلت حيز التنفيذ في شهر آذار عام 1994. دعت المعاهدة إلى استمرار البحث العلمي الجاد ، وعقد الاجتماعات المنتظمة، وإجراء المفاوضات وغقد الاتفاقيات السياسة المستقبلية المصممة بالدرجة الأولى للسماح للأنظمة البيئية بالتكيّف بشكلٍ طبيعي مع تغير المناخ وتبدلاته ، لضمان عدم تعرّض إنتاج الغذاء الذي يحتاجه البشر للتهديد. ولتمكين التنمية الاقتصادية من المضي قدمًا بطريقة مستدامة دون توقف .
لقد استمرار التدافع الجدلي بشأن ما قدمته مؤسسة المنتدى الاقتصادي العالمي WEF والذي يحيل، مع الوقت، إلى سؤال أساسي : لماذا كل هذا الحماس الكبير من جانب مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لموضوع المناخ والاحتباس الحراري ، وهو نقل أثرها إلى فرق التفاوض المناخية الأخرى؟ سؤال هام يحتاج إلى توضيح ، لأنه يتعلق بجانب مهم من عملية التفاوض المناخية.