
استضافت العاصمة الفرنسية (باريس) عدد من قادة دول العالم من دول الشمال والجنوب ورؤساء شركات ومصارف كبرى في قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد Summit for a new global financing pact ،على مدى يومين (22-23 حزيران 2023) لمناقشة الأوضاع الاقتصادية الدولية ومواجهة التحديات والصعاب المشتركة، وبحث أساليب وطرق إصلاح صندوق النقد والبنك الدوليين.وكانت القمة قد ناقشت الأصول الاحتياطية لصندوق النقد الدولي، المعروفة بحقوق السحب الخاصة لتوجيه التمويل المالي إلى البلدان النامية، فضلا عن الإصلاحات المالية الدولية، ومواضيع عدًة منها المناخ وإعادة هيكلة الديون والحد من الحاجة والفقر. هذا الموضوع الهام لا يمكن أن تقوم به دولة بمفردها لذا اجتمع في قصر برونيار في وسط العاصمة االفرنسية باريس السيد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، والمستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ووزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.وكان رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ والرئي الكيني وليام روتو، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد شاركوا في القمة بالإضافة إلى نحو عشرين زعيما أفريقيا الذين رفع العديد منهم الصوت عالياً ضد الدول الغنية التي تضخ المزيد من المليارات لدعم أوكرانيا التي تشهد حربا ساخنة. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يستضيف قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد قد قال : (أشعر بأننا يمكننا إحداث فرق كبير لكوكب الأرض وفي مجال مكافحة الفقر.(
من الواضح تماماً أنّ المجموعة الغربية التفاوضية المناخية تسعى للتملص من التزاماتها المالية التمويلية تجاه العديد من المشاريع الهادفة التكيف والتخفيف من خفض الانبعاثات الكربونية السامة والتكيف معها في الدول النامية والدول الفقيرة .المنصوص عليها في (صفقة) باريس للمناخ المنعقد بين 30 تشرين الثاني و11 كانون الأول عام 2015. الذي يعتبر النسخة 21 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي ووضع حد للاحترار العالمي، فضلاً عن محاولة استباق التحولات العالمية الجارية باتجاه إقامة نظام عالمي متعدّد الأقطاب، بما يشمل استبدال مؤسسات التمويل المالية الدولية الحالية بمؤسسات أخرى أكثر تمثيلاً وأكثر قوة وتوازناً لمصالح الجماعة العالمية.
معظم الإشارات تدل على باربادوسBarbados))، الدولة الجزرية الصغيرة قد تكون وراء مقترح فرض الضريبة العالمية على انبعاثات سفن الشحن البحري بشكل رسمي . مع العلم أنه صار من المعتاد في مفاوضات المناخ العالمي، أن مثل هذه المقترحات حول فرض الضريبة العالمية تقدمها مفوضية بروكسل (الاتحاد الأوروبي) لإحدى الدول النامية الجزرية الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 432 كم وهي دولة وجزيرة في جزر الأنتيل الصغرى من جزر الهند الغربية، تقع في منطقة الكاريبي من الأمريكتين، وفي أقصى شرق جزر الكاريبي.
الغريب في الأمر أنَّ هذه الدولة الصغيرة جداً تقدّم اقتراحات حول فرض الضريبة العالمية، كي لا تتوجه السهام إلى الاتحاد الأوروبي، على أساس أن الأمر يتعلق بمصالح دول نامية صرفة. لذلك، فإنه حتى وإن حمل المقترح اسم (مبادرة بريدجتاون Bridgetown) نسبة إلى اسم العاصمة الباربادوسية، على أساس أن مقدمتها رئيسة وزراء باربادوس ميا موتلي، التي بقيت تطالب حقيقة طوال الأشهر الماضية بإدراج مقترحها حول فرض الضريبة العالمية ضمن مؤسسات النظام المالي العالمي - فإن المقترح يبدو أوروبياً بامتياز، وذلك برسم الحماس الذي أظهره الغربيون في قمة باريس المالية له، على أساس أنه سوف يعفيهم، كما يعتقدون، من دفع ما تعهدوا به وهو مبلغ مئة مليار دولار أمريكي سنوياً مستحقة الدفع منذ إقرارها في الدورة 15 لمؤتمر الأطراف المعقودة في كوبنهاغن في الفترة من ٧ إلى ١٩ كانون الأول ٢٠٠٩الذي يلتزم بالتمكين من التنفيذ الكامل والفعال والمستدام للاتفاقية عن طريق العمـل التعاوني الطويل الأجل من الآن وحتى عام ٢٠١٢ وما بعده، والذي قدمته حينها الدولة المضيفة (الدانمارك)، بالتنسيق الحصري مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، من دون التشاور مع جمهورية الصين الشعبية والدول النامية المشاركة في المؤتمر وعددها 194 دولة في العالم .
فقد استخدمت القيادات السياسية والمالية الغربية لغةً خاصة في هذا المؤتمر الذي يتم تكرّر ما تم ترديده في المؤتمرات السابقة بالوعود والتبشير بالتفاؤل والأمل، وهنا ينشا التساؤل الذي أرّق مسؤولي الدول النامية المشاركين في المؤتمر، كونهم لم يتفاءلوا برؤية التمويل الموعود، كما تحيل مقترحات القادة الغربيين هذه المهمة على التمويل الخاص غير المبني للمعلوم فقد كان الاقتراحات تقتضي جمع خمسة مليارات دولار لصندوق الأضرار والخسائر من الأثرياء. والقصد هنا ينصرف إلى شركات الشحن الدولية التي تتمتع بنفوذ قوي وواسع في المنظمة البحرية الدولية، والتي لن تسمح بالتالي بفرض ضريبة كربون عليها.
فلو عدنا إلى مقررات اجتماعات المناخ التي بدأت فبل عام 1992 حيث وُقعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعني بالبيئة والتنمية (UNCED) والمعروف كذلك باسم (قمة الأرض)، في ريو دي جانيرو، البرازيل، في المدة من 3 إلى 14 حزيران 1992. وهي الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ - UNFCCCجمع المؤتمر، الذي عُقد بمناسبة الذكرى العشرين للمؤتمر الأوَّل المعني بالبيئة البشرية في العاصمة السويدية ستوكهولم 1972 م حضره القادة السياسيين والدبلوماسيين والخبراء والعلماء وممثلي وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية من مائة وتسع وسلعون دولة من أجل بذل المزيد من الجهود للتركيز على تأثير أنشطة البشر الاجتماعية والاقتصادية على البيئة . كما لو راجعنا محاضر جلسات لوجدنا أنه قبل إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change والمختصرة بــ ((IPCC) ) في عام 1988 م ، والتي هدفها تقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات الاستجابة لهذا التغير سنجد أنَ الدول الغربية، قد تحدثت بقوة حول قضية تغير المناخ. وراحت تضغط، منذ ذلك الوقت، على الدول النامية لتخصيص أموال وميزانيات للصرف على مشاريع وبرامج الحد من انبعاثات غاز الكربون الناتجة عن ست غازات احتباس حراري. ولما كانت الدول الغربية الصناعية وسباقة في حركة التصنيع والانتاج العالمي، كان لزاماً عليها أن تتحمل مسؤولية تركيز هذه الانبعاثات المؤلفة من ست غازات احتباس حراري منذ ثورتها الصناعية الأولى (من عام 1760 إلى عام 1840)، ودفع مقابل تلويثها للجو والبيئة. أمام ضغط غالبية دول العالم 133 دولة نامية - عدد أعضاء مجموعة ال 77+الصين. من جهتها تؤكد الدول النامية بقولها إن الحصول على تمويل من مالي ولوجستي المؤسستين صعب حالياً، في حين أن حاجاتها كبيرة جداً لمواجهة موجات الحر الشديد والجفاف والسيول والفيضانات، وأيضا للخروج من الفقر والفاقة مع التخلص من الوقود الأحفوري والحفاظ على الطبيعة.ومن أجل تحقيق ذلك، يتعين على الدول النامية باستثناء جمهورية الصين الشعبية إنفاق 2400 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2030، وفق تقديرات مجموعة من الخبراء والمختصين تحت رعاية الأمم المتحدة، وكذلك زيادة إنفاقها على الوقود غير الأحفوري من مئتين وستين مليار إلى نحو ترليون وتسعمائة مليون دولارأمريكي سنوياً على مدى العقد، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. لكن الدول الغربية اتبعت طريقة الدفع ببطء شديد قبل أن تتحول للضغط بقوة على الدول النامية للقبول أولاً بأخذ التزامات بخفض الانبعاثات الكربونية، محاولةً التخفيف من التزاماتها المالية، وهو خطة لتقنين هذا التخفيف بإحالة موضوع تمويل المناخ إلى ما جرى الاتفاق عليه في بيان قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد Summit for a new global financing pact. حتى أنَّ الأمين العالم للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ، أشار في معرض كلمته في المؤتمر إلى ما أسماه بقايا العقلية الاستعمارية والهيكل الاستعماري الجديد عندما يتعلق الأمر بالتمويل المالي .حيث قال : إنَّ الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ إجمالي عدد سكانه 447 مليون نسمة ،تلقى مائة وستون مليار دولار أمريكي من حقوق السحب الخاصة، بينما تلقت قارة إفريقيا بأكملها التي يبلغ إجمالي عدد سكانها مليار ومئتي مليون نسمة، ما قيمته أربع وثلاثون مليار دولار أمريكي فقط من حقوق السحب الخاصة. مشيراً إلى أنَّ المواطن الأوروبي حصل في المتوسط على ما يقرب من ثلاثة عشر مرة أكثر من المواطن الإفريقي وكل هذا تم وفقاً للقواعد والأسس المتفق عليها .