ازداد التضخم في العالم بعد سلسلة صراعات سياسية واقتصادية وعسكرية ومناخية، وبعد مرور جائحة كوفيد 19 ( كورونا) التي تركت أثرها السلبي على الاقتصاد العالمي . فارتفع المستوى العام لأسعار السلع والخدمات ،بشكلٍ غير مسبوق، حيث يعتبر الرقم القياسي لأسعار المستهلكين (CPI هو المؤشر الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، حيث يتتبّع مستوىمتوسط أسعار الخدمات والسلع والبضائع التي تستهلكها الأسرة‘ فإنَّ معدَّل تغير الرقم القياسي لأسعار السلع والخدمات التي يحتاجها المستهلكين في المتوسك، وبمرور الزمن يمثّل التضخم .
ونحن في هذا السياق نتساءل حول من هم أكثر المتضررين من التضخم النقدي في العالم. والجواب واضح وضوح الشمس هو حتماً الفقراء وأصحاب الأجور المتدنية في الدول الفقيرة والنامية وكذلك في الدول الغنية لكن بدرجات مختلفة ومتنوعة الحالات ، ومع أوجاع متباينة وغير متوافقة ، لكن الألم يبقة حقيقياً ، دور الدول والحكومات أساسي في محاربة التضخم وتناميه عبر اتباع سياسات مالية خاصة في الإنفاق المالي والإيرادات المالية ومنها الضرائب على وجه الخصوص .
من هنا نرى أنَّ وضع السياسات المالية المتبعة يحيِّرالدول والحكومات، إذ إنَّ أداتها الأولى لمجابهة التضخم النقدي هي تخفيض تخفيض حجم الإنفاق المترافق مع نمو الإنفاق، وهذا أفضل بكثير. إذا قامت بذلك فإنها ستضحي بالفقراء والمساكين الذين يحتاجون إلى مساعداتٍ كبيرة جداً أو إلى إنفاق مالي مباشر كبير وسخي على حاجاتهم الضرورية من صحة وغذاء وتعليم وغيرها خاصة في هذه الأجواء الدولية القاتمة التي تشهد المزيد من الحروب والصراعات الدولية . وهذا بمجمله يدفعنا لإدران مكمن الكفاءة المهنية والعلمية والسياسيو لكبار المسؤولين عن تلك السياسات الهامة جداً من ناحيتي الإنفاق والإيرادات . لمجابهة التضخم النقدي الكبير من الممكن أن تحاول الدول والحكومات رفع نسبة الضرائب لتخفيض الإنفاق الفردي بشكلٍ خاص والإنفاق الأسري بشكلٍ عام . وهذه السياسة تتسبب في ضرب المستوى المعيشي للمواطنين بخاصة الفقراء منهم . وهذا أمر واقعي لا يمكن إغفاله.في هذا السياق نجد الدول والحكومات اليوم تحتاج إلى المزيد من الإيرادات المالية للتمكن من التدخل معيشياً . ليس هذا فحسب بل لصيانة البنية التحتية والمرافق العامة للدولة من مطارات وطرق دولية ومدارس ومعاهد وجامعات ومشافي وغيرها . إذا لم تكن هناك الإيرادات المالية والاقتصادية المتنوعة والمختلفة بمستوى الحاجات الإنفاقية الضرورية واللازمة، تضطر الدول والحكومات إلى الاقتراض من البنوك المركزية العالمية والبنوك الكبيرة بفوائد عالية وفوائد مركّبة على الفائدة. وهنا تظهر مشكلة جديدة وخطيرة في آن ،وهي ظهور أزمة جديدة تسمى أزمة الدين العام وازدياده وتفاقمه والقدرة على خدمته بشكلٍ مناسب في ظروف فوائد عالية جداً تزيد من حجم الضغوط المالية على الدول والحكومات .أمّا الشركات على مستوات قوتها وإمكانياتها، فدورها كبير جداً في هذه الظروف عبر اتباعها سياسة التسعير المنطقي المتناسب مع التكلفة، كما عبَّر اعتماد الأخلاق والمعايير الأخلاقية في جودة السلع والبضائع والخدمات وفي حُسن التصرف في كل شيء، بمعنى آخر عدم استغلال المواطن واللعب على حياته المعيشية وخداعه. عالمياً هنالك حذر كبير وشديد جداً من سياسات الشركات المتهمة باستغلال المواطنين في العديد من الدول والحكومات في ظروف تضخمية كبيرة وصعبة جداً. والمطلوب من هذه الشركات الدفاع عن نفسها إذا لم تكن قد ارتكبت مثل تلك السياسيات الخاطئة والمرفوضة ، أو أن توقف ممارساتها السيئة إذا كانت تقوم بها دون أدنى تردّد. في كل الأحوال، على تلك الشركات أن تطبق سياسات المنافسة في كل الظروف وكل الحالات المشابهة، ولا بدَّ من تنفيذ كامل لكل القوانين والتشريعات الناظمة التي تحمي حيوية الأسواق وسلامتها .
أمّا المواطن فعليه تقع مسؤولية خاصة، فدوره لا يقل أهمية عن المؤسسات والإدارات العامة، إذ يتم من خلاله تطبق كل القوانين والتشريعات الناظمة وتعدّل أو تلغى نهائياً. كونه الفاعل الرئيسي وركيزة الاقتصاد ولا إصلاح من دونه البتة. من هنا وجب على المواطن أن يفرض حالة التصحيح وحُسن المعاملة عبر الممارسات الديمقراطية الصحيحة أي المطالبات العلنية القانونية وعبر الانتخابات، وإلا لن تستقيم الأمور ولن تسير نحو الأفضل. لذا وجب على المواطن الاهتمام بحقوقه التي تقرها القوانين والتشريعات وعدم التنازل عنها تحت أي ظرفٍ كان، لأنَّ لا شيء يساوي العيش الكريم والحياة الرغيدة والحرية الإنسانية .