مع انتشار العولمة كمنظومة عالمية اقتصادية وتجارية، رافقتها ظاهرة العولمة الثقافية التي تتأثّر بتجربة الحياة اليومية للناس وبنشر الأفكار والمفاهيم والآراء والسلع، تلك الظاهرة تعمل على توحيد أشكال التعبير الثقافي والمعرفي في جميع أنحاء العالم، فهي تعتبر اتجاه نحو التوافق والتجانس والانسجام الذي سيجعل التجربة الإنسانية في كل مكان من العالم كما هي في الأساس، وذلك بسبب كفاءة وقدرة وجاذبيّة الاتصالات اللاسلكيةّ، والتجارة الإلكترونيّة، تطور التكنولوجيا الرقمية، والثقافة الشعبيّة، والسفر الدولي أيضاً، ولكنّها أبعد ما تكون لجعل أي شيء أقرب إلى ثقافة العالم الواحد الممتد عبر الزمن والبلدان . 
فالعولمة إذاً تختلف عن العالمية بكثير من الخصائص والميزات، هكذا تعاطى أكثر الدارسين والباحثين والأكاديميين بتخوف من سيطرة دولة بعينها ثقافياً على مجتمعات تنهض بزمن قياسي لتواكب التطورات الجديدة خاصة التكنولوجية منها وتحديداً ما تنتجه من صناعة الذكاء الاصطناعي وشرائحه المعقّدة . لكن في المقابل هناك دول لها تاريخها الثقافي وتراثها الغني الثر الذي تخشى على الأجيال الصاعدة من نسيانه أو فقدانه في غمرة انفتاحها على المتغيرات المتسارعة في العالم.
من جهتنا ندرك تمام الإدراك أنَّ العولمة الثقافية تعني نشر الأفكار الغربية على وجه الخصوص، بوسائل منها الأدب الغربي على كافة أجناسه من شعر وقصة ورواية ومسرح ونصوص نقدية الذي أخذ يتسلل إلى مجتمعاتنا العربية باسم الحداثة، ومنها شبكة المعلومات الدولية الضخمة، والفضائيات التي أصبح انتشارها في العالم ممكناً لمن يرغب، بعد أن ثبّت الغرب في الفضاء عدداً كبيراً من الأقمار الاصطناعية المتطورة. في حقيقة الأمر نحن العرب لسنا ضد الانفتاح وتاريخنا الطويل يشهد على ذلك ،ولكن ليس على حساب الهوية العربية الوطنية وفرض الهيمنة بكل مفاعيلها على العقول البشرية لدفعها نحو إدمان المنتجات الثقافية الغربية المتنوعة التي تصل إلينا بتقنية مُبهرة وفيها كل الإدهاش، بحيث تصبح الشعوب العربية مُستهلِكة فقط، وهكذا يتم قمع الإبداع العربي المحلي بتفوق الثقافة الغربية التقني والمادي في تمويل ونشر الثقافة والمعرفة والعادات الغربية.
كما تظهر الآثار السلبيّة للعولمة الثقافيّة على الرغم من وجود العديد من الفوائد التي تمنحها العولمة بشكلٍ عام من السماح بالتبادل الثقافي والمعرفي، وتجانس ثقافات العالم مع بعضها البعض، إلّا إنّ الآثار السلبيّة الكبيرة لها لا يمكن تجاهلها على الإطلاق، أهمّها الخسارة الثقافية والمعرفية، بحيث تؤدّي إلى إلغاء واختفاء الخصائص الثقافيّة المحدّدة من بعض البلدان، من اللغات، والتقاليد والعادات والتراث، والتاريخ العريق للشعوب، والصناعات المحدَّدة، لذلك. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، التي تتمثل رسالتها في إرساء السلام العالمي من خلال التعاون الدولي في مجال التربية والعلوم والثقافة. إذ تساهم برامج منظمة اليونسكو في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المحددة للشعوب في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 م، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2015 م.افإنّ المزيج بين فوائد العولمة الإيجابية وحماية تفرّد الثقافة المحليّة يتطلب اتباع نهج دقيق ومدروس لحمايتها.
في الآن ذاته نجد أنَّ الإعلام الغربي بكل مكوناته الضخمة يعمل على توحيد أشكال التعبير الثقافي والمعرفي في جميع أنحاء العالم. ومن أهم مظاهر العولمة الثقافية انتشار اللغة الإنكليزية وسيادتها في العالم. فنرى أن إتقان اللغة الإنكليزية شرط هام ورئيسي في مختلف جوانب الحياة في العالم، سواء في مجال العمل أم في المناهج التعليمية والتربوية. وفي مقارنة بين مفهومي العولمة والعالمية نجد أنَّ أكثر الباحثين والدارسين المتخصصين قالوا إنَّ العولمة فعلٌ مفروض يتطلب انصهار الجميع في بوتقةٍ واحدة، بل الانصهار التام الذي يلغي الهوية الثقافية الوطنية، في حين تعني العالمية الخروج من قوقعة المحلية (الضيقة) والانفتاح الواسع على العالم، كل العالم بكل اتساعه وتكوينه. 
لأنّ العولمة هي عملية تقوم من خلالها المؤسسات والهيئات والإدارات سواء التجاري، والتي تكون من خلالها العولمة عملية اقتصادية بكل المعايير في الدرجة الأولى، ثم تكون عملية سياسية مرتبط بها العديد من الجوانب الثقافية والاجتماعية، وهكذا، أما جعل الشيء دولياً أو دولياً فقد يعني غالباً جعل الشيء مفهوماً أو مناسباً أو في المتناول لمختلف دول العالم. 
يصف بعضهم العولمة أنَّها تتطلب الانسلاخ ولو جزئياً عن القيم الثقافية والمبادئ الأخلاقية المحلية والذوبان بشكلٍ كامل في الثقافة الغربية. من ناحية أخرى يجيب المدافعون عن العولمة أنها زادت من التفاهم والمشاركة بين الثقافات والمعارف. كون العولمة تمتد لتكون عملية تحكم وسيطرة وهيمنة كاملة ووضع قوانين وتشريعات وروابط، مع إزاحة حواجز وأسوار محدَّدة بين الدول وبعضها البعض. وأن هذا التمازج يمكن أن يُلهم الفنانين والكتّاب والأدباء ويُقوي الروابط بين الدول. ويطول الجدل بين المدافعين عن ثقافة العولمة والمتخوفين منها. والتخوف قادم من فكرة أنّ مجموعة من الدول الرأسمالية المتحكّمة في الاقتصاد العالمي نمواً كبيراً على نطاق واسع جعلها تبحث عن أسواق ومصادر جديدة مما يجعل حدودها الاقتصادية تمتد بسرعة إلى ربط مجموعة كبيرة من العلاقات الواسعة مع دول نامية، لكن الشيء غير المرغوب فيه هو أنَّ هذه الدول المتقدمة على جميع المستويات الفكرية والثقافية والمعرفية والعلمية دخلت في هوية الدول الأخرى، إلا أنَّها حافظت بشكلٍ أو بآخر على هويتها الثقافية خاصةً وأنَّ العولمة لم تقتصر فقط على البعد الاقتصادي والمالي، بل تعدَّت ذلك بكثير إلى بُعد حيوي ثقافي ومعرفي متمثل في مجموع التقاليد والعادات والمعتقدات والأساطير والقيم، كما أنَّ العولمة لا تعترف بالحدود الجغرافية للدول ولا بالسيادة على أرض دولة بعينها ولا تعترف لأي بلد بخصوصيتها بل جعلت من العالم قرية صغيرة.
 لقد بدأت الكثير من تلك المخاوف منذ اختراع العقل الآلي الأول والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) الذي كان محور نشاطه الكبير ربط العالم بعضه مع بعض ،وجعله قرية صغيرة. لكن القرية اليوم تشهد خروج مارد من قمقم أودية السيليكون المخيفة والمرعبة، مارد يَعد بتحقيق أمنيات وتطلعات كان من المستحيل الحصول عليها في السابق .
الجدير بالذكر أنّ مفهوم العولمة يستخدم لوصف كل العمليات التي تكتسب بها العلاقات الاجتماعية نوعاً خاصاً من عدم الفصل بين الكثير من المكونات، وتلاشي المسافة، حيث تجري الحياة في العالم كمكانٍ واحد تم اعتباره (قرية واحدة صغيرة) ويعرف المفكر وعالم الاجتماع البريطاني رولاند روبرتسون Roland Robertson العولمة بأنها : (اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش) كما يعرفها ﻣﺎﻟﻜﻮم. واﺗﺮز . Malcolm Watersمؤلف كتاب (العولمة) بعنوان : Globalization, routledge الصادر في لندن عام 1995 م. بأنها (كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو بدون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد) .
لقد بدأت الأمور تتغير بسرعة كبيرة وبوضوحٍ أكبر ، حيث استدار الباحثون والدارسون المتخصصون بعيداً عن جدلهم القديم ليدور جدل جديد وحوار جديد له خصائصه ومميزاته الخاصة. عولمة الذكاء الاصطناعي. سيطرة العقل الآلي على البشرية جمعاء، على الرغم من الكثير من الإغراءات البراقة التي حملها الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي المبهر، على الرغم من أمنيات وتطلعات حقَّقها مثل تسهيل البحوِث والدراسات وتسهيل الترجمة ومعرفة الآخر ،والإنجازات المهمة في كل المجالات المتنوعة خاصة الطبية منها. والتقنية المتطورة جداً التي انعكست على الإنتاجية بشكلٍ عام وسهّلت الحياة الثقافية والمعرفية والحياتية للناس. كان الذكاء الاصطناعي صادقاً في وعوده. لكن ما حدث هو أن الذكاء الاصطناعي بدأ يهدِّد بأنه قد يحكم البشرية وهو أمر خطير جداً. نسينا تبعات ومخاوف الثقافات الغربية، وهرعنا مسرعين نتعلم ممن طوروا هذه التقنية المذهلة التي حملت الخير الظاهر والشر في الباطن والمخفي ومستقبلاً غامضاً لا يستطيع المطورون أنفسهم التنبؤ به وبمآلاته. وفي هذا يقول خبير الذكاء الاصطناعي المصري محمد جودت،ومدير الأعمال السابق في غوغل، محمد "مو" جودت البالغ من العمر 55 عاماً من مخاطر الذكاء الاصطناعي على البشرية في حلقة من بودكاست يوميات رئيس تنفيذي. وتأتي المقابلة بعد أن عُيّن جودت في منصب المدير التنفيذي في وكالة التسويق فلايت ستوري."إن المخاطر سيئة للغاية، في الواقع، وعند التمعن في التهديدات التي تواجه البشرية، يجب الامتناع عن إنجاب الأطفال."
كما قال أيضاً : إنَّ الذكاء الاصطناعي هو تتويج للتقدم التكنولوجي الأليكتروني وهو سيكون سبّاقاً في التأثير على الطريقة التي يتشكل بها العالم من جديد. وقد كتب كتابه الشهير (Scary Smart) وهو كتاب يعجّ بسيناريوهات نهاية العالم. وهذا ذكّرنا بالفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكوياما الذي ألّف كتاب (نهاية التاريخ واليوم الأوّل)، وفيه يرى الخبير المصري محمد جودت أن الذكاء الاصطناعي سيتطور بسرعة وانسجام مذهلين بحيث يصعب الإمساك به. الخوف هو أننا نتسابق نحو مستقبل لا يمكننا التنبؤ به وبمآلاته ولا إلى أين سيقودنا. يعني نتسابق نحو مجهول قد يبدو مطيعاً، كذلك يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي القادر على تحقيق كل ما نريد ونرغب دون عوائق أو موانع ،وقد ينقلب فجأة ليصبح مارقاً ويتم اختراقه عندها تكون الكارثة الكبيرة غير المتوقعة .
ومن بين المحذرين لا نتشار وتطور الذكاء الاصطناعي في العالم، فاي افي لي خبير الذكاء الاصطناعي في جامعة ستانفورد،قد يكون العاملون عن بعد أكثر عرضة لاستبدالهم بتقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة المتطورة جداً. كما قال الخبير الاقتصادي بجامعة ليلند ستانفورد جونيور (Leland Stanford Junior University)‏، اشتهرت بجامعة ستانفورد (Stanford University)‏ الأمريكية .والخبير الرائد في العمل من المنزل، نيكولاس بلومNicholas Bloom، في جلسة افتراضية نظمتها شركة البرمجيات سكوب SCOPE Systems، وشركة سكوب للأنظمة التكنولوجية تقدم لكم مجموعة من الإضافات المميزة على أنظمتها ( إنَّ الوظائف عن بعد والمنخفضة المستوى نسبيًا مثل العاملين بمراكز الاتصال وإدخال البيانات وكشوف المرتبات من الأسهل استبدالها بالذكاء الاصطناعي) وجيوفري هينتون : Geoffrey Hinton)‏ عالم نفس معرفي كندي إن;ليزي وعالم حاسوب، حائز على وسام كندا، وزمالة الجمعية الملكية الكندية.الذي استقال من منصبه في غوغل بسبب المخاوف نفسها، حتى إن رجل الأعمال الأمريكي صموئيل مور «سام» والتون (Sam Walton) (من (1918حتى 1992م) صاحب ورئيس مشروع (Open AI) التي طورت (Chat GPT) لا يخفي مخاوفه من سيطرة الثقافة الآلية الجديدة مع تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي، وقد أصبح اليوم قادراً على التأليف الموسيقي وإنشاء فيديوهات متنوعة المواد والاتجاهات وبتقنيات عالية جداً، وكتابة المؤلفات الفكرية لدرجة أثارة حفيظة كتّاب السيناريوهات في هوليوود. وقد انضم اليهم في سابقة لم تحدث من قبل الممثلون والفنانون، في الإضراب الشهير في 13 تموز الماضي 2023، وكان من بين مطالبهم زيادة أجورهم وحوافزهم وضمان عدم فقدانهم وظائفهم في ظل تطور روبوتات الذكاء الاصطناعي المذهلة والقادرة على كتابة الأفلام والمسلسلات وهي مخاوف يمكن التعبير عنها بشكل آخر ممزوجاً بالقلق .
calendar_month06/09/2023 05:41 pm