ما زال المناخ مستمراً في التقدم، فيما تواصلت تأثيراته السلبية جداً والخطيرة في آن على السكان في جميع أنحاء العالم من خلال الظواهر المناخية والجوية المتطرفة. فقد ازدادت موجات الفيضانات والجفاف وموجات الحر الشديد أثَّرت بشكلٍ خطير على المجتمعات في جميع القارات، ووصلت تكلفة الخسائر إلى مليارات الدولارات، مع علمنا المسبق أيضاً حالة انخفاض الجليد البحري وفي القطب الجنوبي إلى أدنى مستوى له وهو مستوى غير مسبوق، كما سجَّلت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وتيرة ذوبان بعض الأنهار الجليدية في أوروبا .
الملاحظ تماماً أنّ الرسائل القاسية جداً للتغير المناخي ما تزال تتكرّر مع اتساع ظاهرة الفيضانات المدمرة والحرائق الهائلة والارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة والاحترار المناخي، ومعظمها تأتي في غير موعدها من العام، فقد شهدنا للعام الثاني على التوالي المزيد من الكوارث الطبيعية التي يمكن وصفها بأنها فوق الاحتمال وتنذز بتصاعدها المتسارع في الأعوام المقبلة، ما يدفع إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر والانتباه لضرورة تضافر الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فن كوكبنا الأرضي. والإبقاء على الحياة فيه .ففي الأسابيع الماضية وعلى مدى شهر كامل التهمت النيران عشرات آلاف العكتارات في الحقول والغابات في إيطاليا وكندا واسبانيا واليونان وجمهورية روسيا الاتحادية. وضربت الفيضانات الجارفة والأعاصير ولاية فلوريدا الأمريكية والصين وطاجكستان وروسيا والصين، وجمعت مناطق في الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا بين الكرثتين، الحرائق والفيضانات. بينما شهدت أستراليا أدفأ شتاء منذ 113عاماً، كما شهدت اليابان أعلى درجة حرارة منذ 125عاماً، بالتوازي مع اتساع نطاق الجفاف مع ما يشكله من تهديد للأمن الغذائي العالمي، وارتفاع منسوب مياه البحر الذي يهدد بالانحسار التدريجي لعدة سواحل، كل تلك المؤشرات تؤكيد بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ مشكلة التغيير المناخي لم يعد مسموحاً التغاضي عنه أو السكوت على تداعياته الخطيرة. وأصبح التحرك ضروري وفوري لحماية كرتنا الأرضية مطاوباً وملحل أكثر من أي وقتٍ مضى. فقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطيونيو غوتيريش إلى تسريع العمل المناخي وتخفيض أسرع وأعمق للانبعاثات الكربونية للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية درجة ونصف مئوية بما يتوافق مع اتفاق باريس للمناخ. إن جميع ظواهر الطبيعة التي نعيش تساهم في تشكيل الوعي بخطورة ما يجري في العالم، ويحفِّز صنّاع القرار في عذا الشأن على ضرورة القيام بحلول عملية وذلك قبل انعقاد مؤتمر «COP28» بدولة الإمارات العربية المتحدة في شهر تشرين الثاني القادم. إذ سيكون هذا الملتقى مناسبة لمناقشة أهم القضايا المناخية بين أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وما تبذله العديد من الدول المشاركة من جهود كبيرة ومشاورات موسعة يسمح بفتح مسار جديد في العمل المناخي العالمي، ويضع منهجاً وخطةً واضحةً للتكيّف والمواجهة مع التغيرات الطارئة بسبب الاحتباس الحراي العالمي. فقد قال البروفيسور بيتيري تالاس الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) : ( بينما تستمر انبعاثات غازات الكربون التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري في الارتفاع ويستمر المناخ في التغير، لا يزال السكان في جميع أنحاء الكرة الأرضية يتأثرون بشكلٍ خطير بالظواهر المناخية والجوية المتطرفة. فقد أثَّر الجفاف المستمر عام 2022 م في شرق أفريقيا، وسبّب هطول الأمطار المحطم للأرقام القياسية في باكستان وغيرها من الدول، وموجات الحر التي حطمت الرقم القياسي في القارة الأوروبية والصين، على عشرات الملايين، وأدى إلى انعدام الأمن الغذائي، وعزز الهجرة الجماعية من البلاد المتضرّرة، وأدى إلى أضرار وخسائر بعشرات المليارات من الدولارات) .لقد أثَّرت حالة المناخ المتفاقمة على معدلات نقص التغذية وازدياد النزاعات وأعمال العنف التي طال أمدها.فقد كان للظواهر المناخية الخطيرة وحالات الطقس القاسية جداً دور سلبي أدّى إلى نزوح سكاني جديد لأكثر من خمس وتسعون مليون شخص منذ بداية العام الجاري .
في حقيقة الأمر لم يعد أمام الأطراف المعنية بمواجهة التغيرات المناخية، غير العمل على تحقيق الطموحات والتطلعات التي تشترك فيها البشرية جمعاء، ولا تقتصر المشاركة في هذه المواجهة الكبيرة على الدول والحكومات والمنظمات الدولية، بل تستقطب ومنظمات المجتمع المدني والشباب والنساء والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص. فهذه المعركة ضرورية وأهدافها شاملة من أجل حل الأزمة المناخية المتفاقمة والدفاع عن الحق في الحياة لكل الأمم والشعوب والفئات الاجتماعية في العالم، ولاسيما الأطفال.
ومهما كانت النزاعات والخلافات بين دول ومكونات المجتمع الدولي، فإن مجابهة أزمة المناخ لا تقبل التأخير أو الخلاف، وأصبح من الواجب والضروري توحيد الجهود والطاقات لوضع استراتيجيات مشتركة تقلل من أخطار وآثار الكوارث المتطرفة وتحفظ للبشرية والإنسانية حقها في التنمية والتطور والبقاء دون خوف من تهديد الطبيعة ومكوناتها .