تشكل مجموعة دول البريكس تكتلاً عالمياً ضخماً، بخاصة مع وجود ثقل وتحالف كبيرين بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية وروسيا الاتحادية، وهو تحالف جيواستراتيجي، يضاف إلى إليهما رغبة عدد كبير من الدول الناشئة في الانضمام إلى هذا التكتل، والذي بدوره يساهم في بناء تكتل عالمي ونظام نقدي ومالي جديد، يوازي التحالف الرأسمالي الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م . ومنذ تأسيس مجموعة دول البريكس في عام 2009 سعت وما تزال تسعى للتحوّل إلى قوة اقتصادية عالمية ، على غرار دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى .
الجدير بالذكر انّ تكتل مجموعة دول البريكس BRICS - Brazil, Russia, India, China and South Africa)) تضم كلاً من البرازيل، روسيا ،الهند، الصين، وجنوب إفريقيا، هو مختصر الأحرف الأولى باللغة الإنكليزية المكونة لأسماء الدول المشاركة في هذا التكتل الاقتصادي الضخم. الذي بدات مفاوضات تشكيله في عام 2006م، بهدف تشكيل نظام اقتصادي وسياسي متعدّد الأقطاب، وكانت مجموعة دول البريكس قد عقدت أول مؤتمر لها عام 2009م،
وكان اسمها الأول (بريك) BRICS - Brazil, Russia, India and China)) قبل انضمام جنوب أفريقيا إلى المجموعة عام 2010م، ليضاف إلى المسمى الحرف S الخاص باسمها ويصبح اسم المجموعة (بريكBRIC) ، ومن المقترح تعديل الاسم ليصبح (بريكس بلس) أو (BRICS Plus) بعد انضمام جنوب افريقيا عام 2011م سميت (بريكسBRICS)، التي عملت بعد جهود مكثفة على تشكيل نظام سياسي واقتصادي متعدِّد الاقطاب، هدفه كسر الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، والتي تتصرف بازدواجية فاضحة مع القضايا العالمية حسب مصالحها الخاصة، كما تقوم بالسيطرة على العالم أجمع كونها تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية، بخاصة في المجال الاقتصادي الذي يعتبر الأساس في تأسيسها واستمرار عملها في العالم، أما من جهة دول مجموعة البريكس فيصل عدد سكانها نحو أربعين بالمائة من سكان العالم. وكان رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا قد أعلن أنّ مجموعة بريكس التي تضم خمس دول تعدّ صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم ، قرّرت دعوة كلٌ من مصر والأرجنتين وإيران وإثيوبيا والإمارات والسعودية للإنضمام إلى المجموعة الطامحة لتصبح قوة اقتصادية عالمية كأعضاء كاملين بتاريخ 22 آب 2023م في مؤتمرها الذي انعقد في جوهانسبورغ عاصمة دولة جنوب افريقيا، كما تقدمت ثلاث وعشرون دولة جديدة للانضمام لهذه المجموعة منها ثمانية دول عربية وهي البحرين، والجزائر، والمملكة العربية السعودية، والمملكة المغربية، وجمهورية مصر العربية، ودولة الكويت، والإمارات العربية المتحدة، وفلسطين . وعلى الرغم من إبداء الدول الأعضاء في (بريكسBRICS) دعمها سابقاً لتوسعة التكتل ، فقد كانت هناك انقسامات بين القادة السياسيين بشأن العدد وسرعة الانضمام ، لكن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا قال إنّ المجموعة التي تتخذ قراراتها بالاجماع اتفقت على : (المبادئ التوجيهية لعملية توسيع (بريكسBRICS) ومعاييرها وإجراءاتها) .
إنّ حالة الحراك العالمي المحموم حول إنشاء هذا التكتل يطرح العديد من التساؤلات أهمها : هل تتمكن تلك الدول (البريكس BRICS) الخلاص من هيمنة الدولار الأمريكي ؟ .
، يقول الباحث الأمريكي كريغ سينغلتون Craig Singleton المتخصص في شؤون الصين السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وأحد كبار زملاء مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، إنَّ روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية تسعيان الى اعتماد عملة جديدة، مدعومة بالذهب. بهدف نزع الصفة من الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، ومتداولة على أوسع نطاق في العالم، والدولار الأمريكي هو العملة العالمية الرئيسية المهيمنة على نظام التجارة والاقتصاد العالميين بلا منازع، وتم استخدام أكثر من ثمانين بالمائة من جميع معاملات الصرف الأجنبي في العالم بالدولار الأمريكي، مع العلم إنَّ جمهورية الصين الشعبية تملك سابع أكبر احتياطي من الذهب في العالم، فإذا تتبعنا حديث الرئيس الروسي فلاديمير بويتين، والرئيس الصيني جي شي بينغ نجدهما يؤكدان على (التخلص من الدولار الأمريكي) كعملة عالمية، وهي بالنسبة لهم مسألة لا رجعة عنها أبداً، ولكن هذا الامر صعب المنال في المستقبل القريب المنظور، كما يؤكد الباحث الأمريكي كريغ سينغلتون Craig Singleton إنه يقوم بتحليل منافسة القوى العظمى مع جمهورية الصين الشعبية. وقد أمضى في السابق أكثر من عشر سنوات من الزمن في الخدمة في سلسلة من الأدوار الحسَّاسة المتعلقة بالأمن القومي مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ركز بشكلٍ أساسي على شرق آسيا.
لقد كان لانعقاد قمة البريكس في جوهانسبورغ بحنوب إفريقيا أهمية دولية كبيرة، تم خلالها طرح فكرة ما إذا كانت مجموعة البريكس تستطيع بناء نظام مالي وعملة موحدة قوية، تنافس الدولار الأمريكي. ولا يستبعد العديد من الخبراء الاقتصاديين والماليين العالميين أن تنجح المجموعة في الاتفاق على إنشاء عملة مشتركة قوية منافسة، أو تحقق نظام مالي جديد. بخاصة وأنّ هناك اتفاق كبير في الاستراتيجية السياسية بين أعضائها، كما أنّ النمو الاقتصادي يعتمد على التصدير الذي بدأ يحقق معادلات كبيرة لا تتوفر بين أعضاء الدول الأوروبية التي شكلت عملة واحدة وهي اليورو.
لقد حاولت الدوائر الغربية أن تدك إسفين الخلاف بين الهند والصين كي لا يتحقق أي مشروع لتكتل بريكس BRICS لكنه فشل فشلاً ذريعاً، مبدين تخوفهم من أي نجاح، لأنّ نجاح التوافق بين الهند والصين مع بقية دول البريكس يهدِّد هيمنة الدولار الأمريكي الذي سيكون أكثر عرضة للخطر. وذلك لأنّ العملة الموحدة تتكون من اندماج عملات دول في عملة واحدة كما هو الحال في تجربة اليورو كعملة موحدة لدول الاتحاد الأوروبي، التي طُرحت فكرة اليورو في1 كانون الثاني عام 1999م وتم طبعها ونشرها في السوق المالي2004م بعد الموافقة على رمز اليورو، وهذا الأمر تطلّب طرح العديد من القضايا الشائكة والاقتراحات المختلفةً حول العملة الجديدة (اليورو EURO) كما تطلبت موافقة إثنان وعشرون دولة لتحقيق ذلك، هذا يدعونا لأن نتصوّر كم كانت تلك المفاوضات معقدة وصعبة، واحتاجت لعقد عدد كبير من الاجتماعات واللقاءات للتوصل إلى اتفاق مشترك على الأمور الهيكلية لليورو، وكانت أكثر جدلاً ونقاشاً بين الدول الأعضاء، ومن أهمها اسم العملة EURO، والرمز المالي للعملةEUR وشعار العملة، تلك القضية الهامة هي التي كوّنت شخصية العملة وفتحت لها الباب لتكون عملة نقدية معروفة عالمياً، وكما كانت شخصية اليورو EUROمهمة لهم كذلك فهي مهمة لعملة البريكس أيضاً، وهناك أفكار وآراء واقتراحات كثيرة تدور حول ماهية شخصية البريكس، وهنا سيتم طرح أحد هذه الخيارات وهو اسم العملة ERICS، ورمزها الماليBRX، وشعار العملة الجديدة. وكانت بعض الأصوات قد نادت بفكرة، أن تعتمد دول بريكس في إنشاء العملة الجديدة المقترحة على اليوان الصيني، والثقل التجاري والاقتصادي للصين، باعتبارها العمود الفقري لكتلة (مجموعة دول البريكسBRICS group of countries).
هذا من جهة، من جهةٍ أخرى يرى العديد من السياسيين والمحللين الاستراتيجيين، أنه توجد خلافات حادّة وكبيرة بين اقتصادات تكتل مجموعة دول البريكس من حيث النمو والتجارة والانفتاح المالي، وعدم الاتفاق على أن تكون الصين هي القائدة لتكتل البريكس. ليس هذا فحسب بل إنّ الاقتصاد الروسي هو الأضعف بين دول التكتل الخمسة، فقد أفادت المعطيات أنّ أداء الاقتصاد الروسي كان ضعيفاً في العام الماضي 2022 م، بخاصة بعد الحرب الساخنة في أوكرانيا وفرض العقوبات الاقتصادية عليه ،والتي استنفذت معظم طاقته الاقتصادية. كما يمكننا أن نتابع سير السياسة الاقتصادية في البرازيل وجنوب إفريقيا اللتان كافحتا كثيراً لتحقيق الازدهار الاقتصادي، ولكن ذلك حدث لعدة أسباب جوهرية كان من بينها ارتفاع أسعار السلع والبضائع الأساسية القوية وزيادة التضخم النقدي. ومعظم الخبراء الاقتصاديين في العالم يرون أنه على الرغم مما لدى دول مجموعة البريكس من إمكانيات، مثل نمو الاقتصاد الهندي السريع، والقوة الاقتصادية والتجارية الضخمة لجمهورية الصين الشعبية، كذلك تضم مجموعة البريكس ثلاثة من منتجي البضائع والسلع الأولية، وهي روسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، إنَّ هذه الدول جميعها تعاني من أزمات اقتصادية حادّة، وقد لا تتمكن في المستقبل القريب من إنشاء عملة واحدة لمجموعة دول البريكس، ولكن حتى إذا استطاعت ذلك، فإن هذه العملية سوف تتطلب قدراً كبيراً من التضحيات وسط التناقض السياسي الحاصل بينهما، واعتمادها جميعاً على السوق الأميركي في النمو الاقتصادي القائم على تصدير المنتجات واستثمار الفوائض المالية والمصالح المتضاربة فيما بينها. واعتمادها على سندات الخزانة الأميركية.
هناك مشكلة جديدة تواجه ولادة العملة الموحدة لدول البريكس يمكن مقارنتها مع ما حصل مع ولادة اليورو الأوروبي ، فقد تم التخلي عن العملات الوطنية المحلية بشكلٍ تدريجي. فعملية إصدار العملة الموحدة الجديدة البريكس يتطلّب وجود عدد كبير من المختصين والفنيين الماليين والقانونيين الذين سيقدمون اقتراحاتهم حول صدور العملة الورقية النقدية والمعدنية، وميزاتها ومقاييسها وسماتها الفنية، وكيفية طرحها في الأسواق وعلى أي إطار قانوني عالمي، كي يتم الاعتراف بها عالمياً ويتم تداولها في المصارف والبنوك العالمية. وهذا يشكّل تعقيداً كبيراً في مسار هذا الإطار، وبشكلٍ عام كانت هناك ثلاث مسارات لترسية اليورو وتثبيته كعملة عالمية متداولة في أنحاء العالم. فقد ألغيت معظم ضوابط الصرف المالي، وبالتالي جرى تحرير حركة رؤوس الأموال والأصول المالية بالكامل في الجماعة الاقتصادية الأوروبية، وتوصل قادة دول الاتحاد الأوروبي آنذاك إلى اتفاق بشأن اتحاد العملات ضمن معاهدة (ماسترخت) وهي الاتفاقية المؤسِّسَة للاتحاد الأوروبي التي عقدت في مدينة ماستريخت الهولندية في شهر كانون الأول عام 1991م. وهنا تبرز الحاجة إلى اتفاقية بين قادة دول مجموعة البريكس حول العملة وإعطائها الإطار القانوني العالمي مع البنود المختلفة، تم خلالها تحديد القيمة، وسعر اليورو مقابل الدولار الأمريكي بــ 1.19دولار لليورو، ثم ترك السعر لمتقلبات أسعار السوق. وأعتقد أنّ أهم البنود التي يجب أن تتضمنها اتفاقية توحيد العملة الجديدة (البريكس) هو الإطار القانوني العالمي للعملة، وهويتها وشخصيتها، وطريقة تداولها، وتركيبها القانوني. ووضع معايير لسعر عملة البريكس، فمثلاً إذا كان سعر عملة البريكس الواحدة يساوي دولاراً واحداً فهذا يعني أنّ كل 38 روبية هندية تتحوّل إلى بريكس واحد، أو أنَّ كل 3.67 درهم إماراتي يتحوّل إلى بريكس واحد وهكذا يتم حساب العملات الوطنية المحلية لدول أعضاء مجموعة البريكس. كل هذا يتعيّن على القائمين على المشروع أن يحدّدوا أيضاً أين سيكون مقر البنك المركزي وكيف يتم تعيين أعضاء مجلس الإدارة ومحافظ البنك .
من المؤكد أنّ تجربة الاتحاد الأوروبي بشأن إصدار عملة موحدة (اليورو(EUR قد أخذت جهداً كبيراً جداً حتى استطاعت أن تحقق مكانة عالمية. فاليوم نجد أنّ البنك المركزي الأوروبي (ECB) الذي يمثّل أعلى مؤسسة نقدية للاتحاد الأوروبي (EU) ،هو الذي يتحكم في عملة اليورو (EUR) والشؤون النقدية والمالية في منطقة اليوروEuro-zone، ومقره الكائن في مدينة فرانكفورت الألمانية. وكانت قيادة الاتحاد الأوروبي قد عيّنت سكرتارية لها تركيبتها الخاصة، تملك إمكانيات كبيرة، ومقرها في العاصمة البلجيكية بروكسل، هذه السكرتارية وضعت شروط تحدد فيها نسبة التضخم التي يجب الالتزام به قبل دخول أي دولة ضمن محيط اليورو، فإذا أرادت مجموعة دول البريكس تحديد نسبة التضخم بنسبة 3% على سبيل المثال فإنَّ على الدول المشاركة أن تضع هذا الشرط الأساسي والهام ،كشرط مسبق في بنود الاتفاقية .
في الختام : هناك العديد من الاقتراحات لو تم أو يتم تطبيقها لجعلت من البريكس الترتيب الجديد في العالم، وهو وجوب القيام يتشكيل مجلس لدول مجموعة البريكس الذي يوافق على القوانين الخاصة والتداول بشأنها، وإنشاء المنظمات الاجتماعية والإنسانية، واقتراح آخر هو إنشاء هيئة التجارة المشتركة للبريكس يتم من خلالها فض النزاعات التجارية فيما بين الأعضاء والتوصل إلى قواعد وقوانين، وتشجيع التجارة. فقد جرى في منطقة اليورو الكثير من أعمال الإشادة وإنشاء مقرات ومؤسسات في جميع دول الاتحاد الأوروبي. وهذا النموذج يمكن أن نجده في تكتل البريكس في مدن مختلفة من دول أعضائه ، وهذا سيكون نتاج هيكل تكتل البريكس. وهذا بمجمله يتطلب جهوداً كبيرة ومشتركة .