منذ عام بداية النصف الثاني من القرن الماضي عام 1950م، واجهت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أزمات متعدّدة في العديد من قارات العالم، وقدمت مساعدات نشطة وحيوية للاجئين وطالبي اللجوء والنازحين داخلياً والأفراد عديمي الجنسية، بعدما عانوا الكثير وتقطعت السبل بالكثيرين منهم ولم يبق لهم بيت أو من يأوون إليه.والمفوضية السامية تقدم المساعدات الهادفة لإنقاذ الأرواح وبناء مستقبل وحياة أفضل لملايين الأشخاص الذين نزحوا من ديارهم. وكذلك العمل على ضمان أن يتمتع كل فرد بحق التماس اللجوء والبحث عن الأمن والأمان هرباً من العنف والقهر والظلم والاضطهاد أو الكوارث أو الحروب في وطنه .
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أصدرت العديم من التقارير التي تؤكد أن أكثر من ألفين وخمسمائة مهاجر غير شرعي قد لقوا حتفهم في البحر الأبيض المتوسط خلال الشهور السبعة الأولى من العام الحالي 2023 م، فإنَّ عدد الضحايا سيكون مرتفعاً بشكلٍ كبير إلى نهاية السنة، بخاصة وأنّ هناك أنباء تتوارد بشكلٍ يومي عن غرق العشرات إن لم يكن المئات، دون اعتبار من تزهق أرواحهم على الأرض من الحرمان والجوع والعطش وفقدان الأمن والأمان وباعتداءات العصابات الإجرامية وشبكات التهريب والاتجار بالبشر.
في كل يوم تصدر التقارير والبيانات والمعلومات التي تؤكد حجم الكوارث الهائلة المترافقة مع عدد الضحايا من رجال ونساء وشيةخ وأطفال في البحر الأبيض المتوسط يفوق أي حصيلة كارثة طبيعية كانت كالزلازل والفيضانات أو بشرية مثل الحروب والصراعات الدامية والنزاعات بين الدول والجماعات والأطراف، دون اعتبار من يلقون المصير نفسه في بحارغربي إفريقيا وجنوب شرقي القارة الآسيوية أو على الحدود الأمريكية المكسيكية وفي الداخل الأوروبي. ومما لا شك فيه أنَّ الحصيلة الإجمالية العالمية ستكون بالآلاف من الضحايا ،وتشكّل فاجعةً إنسانيةً مؤلمة لا يتوقف عدادها عند إحصاء الضحايا وأغلبهم أسر مع أطفالها بأكملها. ومازالت قوارب الموت وتجارة البشر تجوب البحار حاملة ضحايا آخرين.
لم تتوقف المعلومات والأخبار المتواترة عن التدفق والتي تخبر عن إعلان الحصيلة المفزعة لفقدان مئات الضحايا غرقاً والتي تواكبت مع انقاذ عشرات المهاجرين واللاجئين من حريق هائل بمركب قبالة السواحل الإيطالية .كما شهد العالم في هذا العالم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في البحر الأبيض المتوسط حيث غرقت سفينة تحمل مئات المهاجرين واللاجئين قبالة سواحل اليونان، حيث طفت الجثث على سطح الماء تتقاذفها الأمواج .
تلك الحوادث المأساوية نادراً ما تحرِّك الضمير الإنساني، ومن المؤكد أنه مع تكرارها والتعود على تداولها وسماعها يبدو الرأي العام العالمي غيرمهتم وغير مبال، ولا تثير تلك الأخبار المأساوية أغلب الحكومات في العالم ، فقد تبينّ في كثير من الأحيان أنّ الدول والحكومات تتعامل مع ظاهرة المهاجرين واللاجئين كمشكلة سياسية، بالدرجة الأولى وليس كمصائب ومحن تزهق فيها الأرواح كل عام .
مع العلم أنَّ الامم المتحدة قد صكّت اتفاقية خاصة بوضع اللاجئين كانت موضع اهتمام عالمي حيث عرّفت المادة الأولى من الاتفاقية على من تنطبق عليه لفظة لاجئ بمقتضى ترتيبات 12 أيار من عام 1926و30 حزيران 1928، أو بمقتضى اتفاقيتي 28 تشرين الأول 1933، و10 شباط 1938 وبروتوكول 14 أيلول 1939، أو بمقتضى دستور المنظمة الدولية للاجئين. ولا يحول ما اتخذته المنظمة الدولية للاجئين في أثناء ولايتها من مقررات اندرجت ضمن أنظمتها بعدم الأهلية لصفة اللاجئ دون منح هذه الصفة لمن تتوفر فيهم الشروط التي نصّت عليها الفقرة الثانية من هذا الفرع، فكل شخصٍ يوجد، بنتيجة أحداث وظروف معينة وقعت قبل 1كانون الثاني1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد والظلم بسبب دينه أو عرقه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، أو آرائه وأفكاره السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يريد بسبب ذلك الخوف ولا يستطيع أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كلّ شخص لا يملك جنسية محدّدة (كاللاجئين الفلسطينيين الذين وصل عددهم بالملايين وهم بدون جنسية محدّدة) ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف والرعب والقلق، أن يعود إلى ذلك البلد.
فإذا كان الفرد يحمل أكثر من جنسية، تعني عبارة (بلد جنسيته) كلا من البلدان التي يحمل جنسيتها. ولا يعتبر محروماً من حماية بلد جنسيته إذا كان، دون أي سبب مقبول يستند إلي خوف له ما يبرره، لم يطلب الاستظلال بحماية واحد من البلدان التي يحمل جنسيتها.
ولأغراض هذه اتفاقية المنظمة الدولية للاجئين ، يجب أن تفهم عبارة (أحداث وقعت قبل 1 كانون الثاني 1951)، الواردة في الفرع "ألف" من المادة 1، علي أنها تعني: (أ) إما "أحداثا وقعت في أوروبا قبل 1 كانون الثاني 1951"، أو (ب) "أحداثا وقعت في أوروبا أو غيرها قبل 1 كانون الثاني 1951"، وعلي كل دولة متعاقدة أن تعلن، وهي توقع هذه الاتفاقية أو تصدقها أو تنضم إليها، بأي من هذين المعنيين ستأخذ علي صعيد الالتزامات التي تلقيها عليها هذه الاتفاقية.
من يتابع السجال السياسي الدائر بين الدول الأوروبية حول القوانين التي تم تسميتها بقوانين (زجرية) هدفها التصدي للموجات البشرية المتتالية عبر البحار، تصيبه الصدمة من التناول السياسي والحزبي والإعلامي لهذه الظاهرة الإنسانية المؤلمة، وتحوَّلت هذه الكتل البشرية المتتابعة، التي تقطعت بها السبل، وعاثت الظروف القاهرة بهم زاد عليها الحروب المدمة، إلى ورقة ضغط تمارسها هذه الدولة على تلك، أو هذا الزعيم ضد خصمه في السباقات الانتخابية على معظم مستوياتها. من الانتخابات البلدية إلى الانتخابات البرلمانية إلى الانتخابات الرئاسية. كما أصبحت مادة للتراشق اليومي على وسائط التواصل الاجتماعي، كما حدث بين الملياردير الأمريكي المثير للجدل إيلون ماسك مؤسس منصة (إكس)، والحكومة الألمانية، كما يدخل هذا الملف بقوّة في المعركة الرئاسية الأمريكية، في وقت تشهد فيه الحدود الطويلة بين الولايات المتحدة مع المكسيك التي تصل إلى نحو 3145 كم أي نحو 1954 ميل بالإضافة إلى الحدود البحرية التي تبلغ 29 كيلومتراً (18 ميل) في المحيط الهادئ و19 كيلومتراً (12 ميل) في خليج المكسيك.تلك الحدود الطويلة تشهد فظاعات بحق عشرات آلاف المهاجرين، الذين أغلبهم مستضعفون من نساءٍ وأطفال، يتم احتجازهم في مراكز تعج بالممارسات الخاطئة،والظروف الصعبة القاسية التي تفتقد في الكثير منها إلى الحس الإنساني وفق الأمم المتحدة.
إنقاذ المهاجرين واللاجئين من الموت المحتّم ،والانتهاكات الجسيمة التي يتعرضون لها يتطلب صحوة ضمير عالمية، وتعاملاً إنسانياً أكثر رأفة ومروءة، تلك الحالات تتهم فيها بعض الدول الأوروبية وبخاصة إيطاليا. مع اليقين بأن هذه المحنة وتلك المأساة المستمرة تحتاج الى عمل دولي جماعي تتضافر فيه الجهود الحقيقية والعملية لوضع حلول تحدّ من التدفقات البشرية الكبيرة عبر البحار والمنافذ البرية غير الشرعية. وعلى الرغم من أنَّ هذا النهج شاق وصعب جداً ويستدعي إمكانيات كبيرة من مختلف الأطراف المشاركة، إلا أنه ضروري لوقف النزيف البشري الهائل وتطويق تداعياته واستطالاته، فكل المؤشرات والدلائل تؤكد أن الظاهرة تتسع باستمرار وتأخذ أبعاداً خطيرة جداً، في ضوء ما يشهده العالم المضطرب من أزمات حادّة واختلال في التوازنات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية العامة .
المهاجرون واللاجئون غير الشرعيين بشر كأي إنسان في هذا الكون، وعلى هذا الأساس يجب التعامل الجاد معهم إنسانياً وإنقاذ من تقطعت بهم السبل وعبثت بهم الأقدار، حتى لا يلحق العار بالإنسانية، وحتى لا يكون الموت في قوارب للمهاجرين واللاجئين أرخص من الموت الزؤام في كارثة أخرى.