
عقدت اللجنة الخاصة بالقضاء على التمييز العنصري ضد المرأة اجتماعها السنوي في قصر الأمم المتحدة في العاصمة السويسرية جنيف اجتماعاً حضره معظم الدول الأطراف بموجب المادة 18 من الاتفاقية التابع للتقرير الدوري السادس لألمانيا بحضور السيدة ولسكوب ـ ديفا Wolscope-Diva (ألمانيا)، من الوزارة الاتحادية لشؤون الأسرة وكبار السن والمرأة والشباب جرى خلاله الحديث عن إن الاقتصاد الألماني يـشعر بالفعـل بتأثير الأزمـة المالية والاقتصادية العالمية. فالبطالة آخـذة في الارتفـاع، بخاصة بـين الرجال، وازدادت نسبة النساء المتكـسبات في صـفوف الأُســرة. لكن المهم في الأمر أنه خلال فترة اضطراب الأحوال المالية أن يستمر ضمان تمويــل العناصـر الهيكلية الأساسية اللازمة لسياسة المرأة. وزيـادة التوعية بالاتفاقية وبروتوكولها الاختياري، وبالتوصيات العامة للجنة الخاصة بالقضاء على التمييز العنصري ضد المرأة.
الجدير بالذكر أنّ اللجنة البرلمانية المعنية بحقـوق الإنـسان قد ناقشت الاتفاقية بمناسـبة اليوم العالمي للمرأة. وأهمية التقارير البديلة وستواصل حوارها البنَّاء بشكلٍ مستمر مع ممثلي المنظمات غير الحكومية كي تكون مدخلاً هاماً لصياغة السياسات في العديد من المجالات من بينها مـشاركة المرأة في الحياة السياسية وإجازة الوالدية للآباء وبرامج مكافحة العنـف ضـد المـرأة وغيرهـا. وفيما يتعلق بالجهود المبذولة من الجهات المعنية للتغلب على القوالب النمطية القائمة على أساس نوع الجـنس، فإنَّ استبدال بدل تنشئة الأطفال ببدل الوالدية حقق نجاحاً كبيراً في زيادة نسبة الآباء الحاصلين على إجازة الوالدية. كمـا تم تشـجيع العـروض التفاعلية التي تم تصميمها بالتعـاون مـع الوكالـة الاتحاديـة الألمانية لتوظيف الشبان والفتيات على التفكير في كيفية تصوّر المهام والأدوار المنوطة بهم.
إنّ وجود موقع جديد للشبان على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) يساهم بقوة في معالجة الأدوار والمهام المتغيرة المترافقة مع إعداد مواد تعليمية ممنهجة لتدريسها في المدارس عن دور القوالب النمطية الجاهزة. بحيث يتطلب المضي قُدًماً مع منظمات الرجال التي تدعم المساواة بين الجنسين، هدفها تشجيع الشبان على النظر في نماذج لمهام وأدوار جديدة. كما أنّ الخدمة المدنية الاجتماعية والإنسانية كبديل للخدمة العسكرية. هذا البديل يتيح للشبان فرصة النظر في العديد من الخيارات غير النمطية لمستقبلهم الوظيفي والإداري. لقد شرعت ألمانيا الاتحادية منذ العام 2007م مشروع بحث دولي ضخم لمعالجة القضايا المتعلّقة بدور النماذج السائدة للرجل والمرأة داخل الأسرة، وفي القوانين والتشريعات الاجتماعية الناظمة .
لقد تمكنا من خلال المتابعة الدقيقة لمعرفة بنية التفكير والمنهج المتبع في التوصيات التي أصدرتها اللجنة الخاصة بالقضاء على التمييز العنصري ضد المرأة فقد كانت التوصية العامة قد حملت الرقــم (٢٣) الصادرة عن اللجنة اسـتُخدمت في الإعداد للذكرى السنوية لمرور تسعين عاماً على منح المرأة حق الانتخاب في ألمانيا في عـام ٢٠٠٩م. وفي عام ١٩٩٨م، تجاوزت ألمانيا نسبة الـ30% لتمثيل المـرأة في البرلمان الألماني (البوندستاغBundestag) وكان لـديها مجلس وزراء اتحادي أو الحكومة الاتحادية الألمانية Bundeskabinett أو Bundesregierung) ومستـشارة التي هي أنجيلا ميركل التي انتهت ولايتها مؤخراً و ٦ وزيـرات مـن مجمـوع ١٤ وزيراً. وعلى مستوى البلـديات في كل ولاية، تمثـل المـرأة 25% فقـط مـن أعـضاء الهيئات الإدارية في كل ولاية، بينما الأعداد أقل علـى مستوى العُمَد Bürgermeister ومديري الأحيـاء. وانطلقـت حملـة كبيرة وواسعة آنذاك لتـشجيع المرأة على المشاركة في رسم سياسات المجالس البلدية. ولما كان 86 % مـن النساء المشاركات وقتذاك في صنع سياسات المجالس البلدية Gemeinderäte كنَّ يضطلعن بـدور هام ونـشط في التجمع المدني في السابق، كون الحملة اسـتهدفت الجمعيات والاتحادات التطوعية، وشكَّلت تحالفات عمل محلية داخلية. ومع بلوغ معدّل تشغيل المرأة نسبة 64%، تكـون ألمانيا قـد تجاوزت أهـداف اسـتراتيجية لـشبونه، وتعرف (استراتيجية لشبونة) أيضا باسم جدول عملية لشبونة، أو أعمال لشبونة، وهي خطة عمل وتطوير لتنمية الاتحاد الأوروبي بين عام2000 وعام2010م . الهدف منها جعل الاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية تملك القدرة الكبيرة والعالية على التنافس والديناميكية، والقائمة على المعرفة العميقة في العالم، والقادرة على تحقيق نمو اقتصادي كبير ومستدام والتماسك الاجتماعي ووظائف أكثر وأفضل بحلول عام2010م. أقرّه (المجلس الأوروبي europäischer Rat) في العاصمة البرتغالية لشبونة في شهر آذار عام2000م، وبحلول عام2010م لم تتحقق أكثر أهدافه.
الجدير بالذكر أنَّ الجمعية العامة للأمم المتحدة قد صادقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بتاريخ 18 كانون الأوّل عام 1979م. والمشاركة في تلك الاتفاقية الدول الأطراف حيث لحظت أنّ ميثاق الأمم المتحدة يؤكّد من جديد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الفرد وقدره ووجوده، وبتساوي الرجل والمرأة في الحقوق، وأنَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكّد مبدأ عدم جواز التمييز، ويعلن أن جميع الناس دون تمييز يولدون أحراراً، ومتساوين في الكرامة والحقوق الإنسانية، وأنَّ لكل إنسان حق التمتع بجميع الحريات والحقوق الواردة في الإعلان المذكور، دون أي تمييز، بما في ذلك التمييز القائم على الجنس، كما تؤكد الاتفاقية أنّ الدول الأطراف في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان يؤكدون على واجب ضمان مساواة المرأة والرجل في حق التمتع بجميع الحقوق الاجتماعية والثقافية، والاقتصادية والسياسية، والمدنية. وأن تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات والمواثيق الدولية المعقودة برعاية هيئة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، التي تشجع مساواة المرأة والرجل في الحقوق، ومع كل ذلك لا يزال هناك على الرغم من تلك الصكوك، وتلك الاتفاقيات المختلفة، تمييز واسع النطاق ضد المرأة.
لقد أشارت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أنَّ التمييز ضد المرأة يشكِّل انتهاكاً صارخاً لمبدأي المساواة في الحقوق العامة، واحترام كرامة الإنسان. ويعتبر عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ويعوق نمو ورخاء الأسرة والمجتمع، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة والمستدامة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية جمعاء.
إنّ القلق ما زال يساور جميع الدول الأطراف بخاصة أننا ما زلنا نرى النساء يعشنّ حالات الفقر والحاجة، ولا ينلن إلّا الأدنى نصيب من الحقوق، وبخاصة الصحة والدواء والغذاء، والتدريب والتعليم، ونصيب أقل في فرص العمل والحاجات الأخرى. كل النفوس والعقول تتطلّع لأن يكون النظام العالمي الجديد وما يرافقه من نظام اقتصادي دولي، أن يقوم على العدل والإنصاف، وهذا سيسهم إسهاماً كبيراً في النهوض بالمساواة بين المرأة والرجل. وهذا يدعو لإيجاد كافة الوسائل والسبل لاستئصال شأفة الفصل العنصري وجميع أشكال التمييز العنصري والعنصرية والاستعمار القديم وآثاره السلبية على المرأة والرجل معاً. والاستعمار الجديد ومساوئه ومات خلّفه من جهل وفقر وحرمان وفقدان للحقوق والكرامة الإنسانية، وكذلك العدون والاحتلال الأجنبي الظالم، والسيطرة الأجنبية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول إذا أريد للنساء والرجال أن يتمتعوا بحقوقهم الكاملة تمتعاً كاملاً غير منقوص.
لقد دعت اللجنة الخاصة بالقضاء على التمييز العنصري ضد المرأة المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تعزيز الأمن والسلم الدوليين، والعمل بشكلٍ جاد في تخفيف حدّة التوتر الدولي، وتبادل التعاون المشترك فيما بين جميع الدول بغض النظر عن نظمها واستراتيجيتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ونزع السلاح بشكلٍ عام وبخاصة السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل. في ظل رقابة دولية فعَّالة وصارمة، وتثبيت مبادئ المساواة والعدل والمنفعة المتبادلة بين الدول في العلاقات بين البلدان، وإحقاق حق الشعوب بكافة تشكيلاتها الاجتماعية الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية الأجنبية والاحتلال الأجنبي في الاستقلال الكامل وتقرير المصير، وكذلك من شأن احترام السيادة الوطنية للدولة والسلامة الإقليمية المحيطة، والنهوض بالتنمية والتقدم الاجتماعي، والإسهام بشكلٍ فعّال نتيجة لذلك في تحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وجميع تلك القضايا تؤكد على ضرورة تحقيق التنمية الكاملة والتامة لأي بلد، بالإضافة إلى قضية السلم، ورفاهية العالم. جميعها تتطلب مشاركة المرأة الحقيقية والفاعلة، على قدم المساواة مع الرجل في جميع الميادين.
من هنا ندعو العالم الحر لأن يضع في أولوياته المرأة ودورها العظيم في رفاه الأسرة والمجتمع وتنميته، وأن يعترف العالم بهذا الدور على نحوٍ كامل، لما تقوم به من مسؤوليات جليلة بخاصة في مجال الأمومة وتنشئة الأطفال، ولما لها دور في الإنجاب، وهذه العملية لا يجب أن تكون أساساً للتمييز، بل إنّ ذلك يتطلب تقاسم المسؤولية بين المرأة والرجل والمجتمع ككل، وما لما للوالدين من دور كبير تكاملي في تحقيق الحياة الإنسانية وبناء المجتمع.
في الختام تدرك اللجنة الخاصة بالقضاء على التمييز العنصري ضد المرأة التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة أنَّ تحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل يتطلّب تغيير في الدور التقليدي للرجل والمرأة في الأسرة والمجتمع. وعلى أن تتخذ، لهذا الغرض، التدابير التي يتطلبها القضاء على هذا التمييز الظالم بجميع أشكاله ومظاهره.