
ما زالت الزلال تضرب العديد من الدول في العالم ، فبعد الزلزال المدمّر الذي ضرب مدينة أغادير المغربية يوم 29 شباط 1960 ، والذي أدى إلى وقوع خسائر بشرية ومادية ضخمة وخلفت آلاف القتلى من البشر حيث قتل حوالي 15،000 شخص (حوالي ثلث سكان المدينة في ذلك الوقت) وجرح 12،000 آخرين. وترك مالا يقل عن 35،000 شخصا بلا مأوى وبلغت خسائره أكثر من 290 مليون دولار. وتضررت معظم الأحياء الرئيسية للمدينة: تالبورجت، إحشاش، فونتي، وأنزا وبعض المدن مثل إنزكان. كما دمرت أجزاء كبيرة من هذه المدينة المغربية الواقعة على ضفاف المحيط الأطلسي ما استدعى إعادة بناء المدينة وإعمارها من جديد بسبب ما تعرضت له من دمار هائل استغرق عدّة سنوات ، من جديد تعرضت المملكة المغربية الشقيقة إلى زلزال آخر مدمِّر يوم 8 أيلول 2023 م ولكنه ضرب هذه المرة مدينة مراكش وضواحيها وكان مركزه جبال أطلس
وكان قد أطلق عليه اسم زلزال إغيل، أو زلزال الحوز، أو زلزال مراكش آسفي الذي حدث نتيجةً لصدعٍ مائل ضحل تحت سلسلة جبال الأطلس. وكان الزلزال قد خلّف أكثر من 3900 قتيل و5500 جريح معظمهم من إقليم تارودانت والحوز وشيشاوة، كما تضرّرت العديد من المباني الهامة والمعالم التاريخية. لقد تم اعتبار هذا الزلزال أقل خطراً من زلزال أغادير على الرغم من الخسائر الكبيرة، وفقدان مساكن المواطنين وبقوا بلا مأوى. لقد أكّد العديد من الخبراء والمختصين أنّ هذا الزلزال يعتبر الأكثر دموية والأكثر قوة في تاريخ المملكة المغربية ، وهوثاني أكثر الزلازل فتكاً ودماراً على مستوى العالم في عام 2023 م بعد زلزال تركيا وسورية، وكانت منظمة الصحة العالمية قد قدّرت أنّ حوالي ثلاثمائة ألف شخص تضرّروا جراء الكارثة .
لقد كان الزلزال الذي أدى إلى خسائر فادحة أكبر من طاقة المملكة المغربية ولذلك سارعت العديد من الدول العربية والدول الصديقة إلى تقديم كل أشكال الدعم الممكنة والمساعدات الإنسانية المستعجلة وتوفير المواد الغذائية الطارئة والأدوية ، وإرسال فرق الإنقاذ مع الكلاب البوليسية المدرّبة للبحث عن ناجين من تحت الأرض وتحت الركام والأنقاض. كما احتاج المغرب لمساعدة فرق الإنقاذ والجرفات الضخمة والنوعية في سباق مع الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المحتاجين في تلك الأوقات الصعبة والعصيبة التي تمر بها المملكة المغربية في إطار التضامن الإنساني على الرغم من الصعوبات الكبيرة جداً التي واجهوها للوصول إلى المناطق النائية والجبلية، والوصول إلى المتضررين بسبب ظروف وحالة منطقة جبال الأطلسي والطرق الوعرة والمتعرجة التي انقطع معظمها. مما لا شك فيه أنَّ الدمار الذي تسبب فيه زلزال إغيل أو زلزال الحوز كبير جداً والخسائر جسيمة وإعادة الإعمار تحتاج إلى أموالٍ هائلة كون التكلفة باهظة، ما يتطلّب وقتاً طويلاً وميزانيات ضخمة، وإمكانيات مادية هائلة، قد تفوق إمكانيات المغرب. ولذلك فإننا نرى إنَّ المساعدات يجب ألا تقتصر على تقديم المساعدات المستعجلة على الرغم من أهميتها لأنها غير كافية لتجاوز هذه الظروف الصعبة والمحنة الإنسانية القاسية، وعليه يجب تقديم مساعدات خاصة ونوعية، وهي مساعدات تعرفها الدول والحكومات تعرف بمساعدات ما بعد الزلزال لإعادة البناء وإصلاح الدمار الهائل الذي أصاب البنية التحتية وإعادة المواطنين المتضررين الذين بقوا دون سكن أو مأوى إلى ديارهم وهذا يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً حتى لا يشعر المغرب حكومةً وشعباً بأنّه وحيد في هذه الكارثة يواجه هذه المحنة الصعبة والقاسية التي ألمّت به ذات ليلة والناس نيام مطمئنين في بيوتهم وفجأة وجدوا أنفسهم في العراء من دون مأوى .
لقد أكّد أصحاب الاختصاص في شؤون المناخ والقضايا الجيولوجية أنّ وراء هذه الزلازل عدة أسباب منها جيولوجية ترتبط بتكيبة طبقات الأرض وتكوينها وتضاريسها ، وتغيّر المناخ وزيادة الاحترار المناخي، ومنها أيضاً أسباب سياسية استراتيجية مرتبطة بشكلٍ مباشر بمصالح الدول الساعية لامتلاك الأسلحة النووية من خلال إقدامها على عمل العديد من التجارب النووية في أعماق الأرض وتحت سطح البحار وما يسببه ذلك من مصائب وكوارث للبشرية جمعاء.
أما ليبيا الشقيقة فقد تعرَّضت هي الأخرى لموجة فيضانات هائلة غير مسبوقة لم تعرف ليبيا مثيلاً لها من قبل راح ضحيتها أكثر من أحد عشر ألف شخص حسب بعض التقديرات الأولية المتوفرة وأصبحت مدينة درنة أكثر المناطق تأثرا بالفيضانات مدينةً منكوبةً يعمها الخراب والدمار و تدمير البنية التحتية للمدينة واختفت ملامح المدينة بسبب إعصار (دانيال). الذي استمر من يوم 4 حتى 12 أيلول 2023 حيث حدثت فيضاناتٍ غزيرة بسبب الأمطار الغزيرة جداً ، حيث ضرب الإعصار ( دانيال) جنوب شرق أوروبا وأجزاء من شمال إفريقيا بما في ذلك باغاريا وتركيا وليبيا واليونان وتسببت الفيضانات في مقتل أكثر من أحد عشر ألف شخص .فقد هبّت العاصفة أولا على مدينة بنغازي واتجهت شرقاً باتجاه الجبل الأخضر بالكامل بسبب الفيضانات ، بخاصة في منطقة شحات، والبيضاء، والمرج ، وسوسة ، كما حدثت فيضانات أخرى في تاكنس، والبياضة، وطبرق، والمخيبي. ومثلما قدمت الدول العربية والصديقة الدعم والمساعدة للمغرب فقد قامت العديد من الدول بتقديم المساعدة لليبيا لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية.
في الختام :دعواتنا إلى المغرب وليبيا الشقيقتين حكومة وشعباً بتجاوز تداعيات هاتين الكارثتين المأساويتين الكبيرتين اللتين حلّتا بهما وإصلاح الأضرار وتجاوز حالات الخراب اللذين خلفهما الزلزال والفيضان المدمران في أسرع وقت ممكن لتعود الحياة في البلدين إلى طبيعتها في المدن والقرى والبلدات المنكوبة وأن يتغمد الله جميع الضحايا بواسع رحمته وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان وأن يعود المشردين والمتضررين إلى بيوتهم وأعمالهم.