لم يخلوا التاريخ الإنساني من حالات المراوغة والتحايل واتباع سياسة المؤامرة لتنفيذ مشاريع وسياسات وأهداف محدّدة. وكان المفكر والفيلسوف والسياسي الإيطالي نيكولو دي برناردو دي ماكيافيلّي أحد كبار الشخصيات في عصر النهضةالأوروبية، والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي من خلال كتابه الشهير (الأمير) الذي قدّم النصائح للحاكم، حيث كانت أفكاره عبارة عن صورة مبكرة للواقعية السياسية والنفعية. وأخذ تلك الصورة العديد من الفلاسفة أمال : الفيلسوف وعالم المنطق وعالم الرياضيات الأمريكي تشارلز ساندرز بيرس، والفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليام جيمس 
والفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وزعيم من زعماء الفلسفة البراغماتية وهو مربٍ جون ديوي. ويعتبر من أوائل المؤسسين لها.وجميعها صورة عن فلسفة الذرائع ، أو المذهب العملي أو العَمَلانِيَّة أو البراغماتية .
الجدير بالذكر أنَّ نيكولو ماكيافيلّي قد تأثر بكتابي مقدمة ابن خلدون وكليلة ودمنه لابن المقفّع، واقتبس منهما. وهذا واضح من خلال المقاربة العلمية والبحثية التي أجراها الكاتب العراقي جمال الدين فالح الكيلاني وفق منهج البحث التاريخي. لقد كانت المقولات التآمرية هي المبتدأ والأساس للحكام والسلاطين الذين بمارسون العنف والقهر ضد شعوبهم ومن يقف في وجههم.متبعين مقولة : (حبي لنفسي قبل حبي لبلادي). فمقولة (الغاية تبرر الوسيلة) التي كتبها ماكيافيلّي عام 1518م تتساوق مع قوله: (إنها متعة مضاعفة عندما تخدع المخادع).كما تفيد المعلومات الواردة عند أتباع ماكيافيلّي انّ الحكّام المستبدّون يسيرون وفق تعاليم أستاذهم الذي يقول: (إنَّ الدينَ ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة والتقديس، ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس، ووضع يدها على رقابهم. كان المواطن الروماني يخشى حنث اليمين أكثر من القوانين والتشريعات الناظمة، لأنه يخشى أولئك الذين يمثلون سلطات الرب أكثر من الرجال المدججون بالسيوف والخناجر والرماح والسلاسل).
ولأنَّ جميع الأمراء والسلاطين يريدون الظهور بمظهر الرحمة والمشفقين على الغير، ولا يريدون ظهور القسوة، ولكن عليهم التأكَّد ألا يسيء استخدام هذه الرحمة مهما يكن. ولا ينبغي على الأمير أو السلطان التردَّد في إظهار القسوة للإبقاء على رعاياه متحدين وخاضعين له، لأنَّه بقسوته هذه هو أكثر شفقةً ورحمةً من أولئك الذين يسمحون بظهور الفوضى والعنف بسبب لينهم وتساهلهم. ولكن عليه أن يكون حذراً ورقيباً على تصرفاتهم، لن يستطيع تجنّب سمعة القسوة والعنف فجميع الدول الجديدة محاطة بالأعداء والمخاطر. لكن بامكانه المضي قدماً بكثيرٍ من العقلانية والتروّي والحكمة والإنسانية. فالثقة المفرطة ستكسبه سمعة الغبي المغفل، وعدم الثقة بالآخرين ستظهره بمظهر الحاكم غير العنيف والشرس وغير المتسامح. من هنا تأتي الأسئلة المثيرة للجدل والتي منها : هل من الأفضل أن تكون مهاباً ممن حواليك أم محبوباً ؟
لقد حفل التاريخ العربي أيضاً بالكثير من الحكايات والقصص الشعبية، من تلك القصص قصة عنْتَرَةٌ بْنُ شَدَّادِ بْنُ قُرَادِ الْعَبَسِيّ (525م - 608) م، الفارِس العَربي الشجاع المولود في نجد الحجاز، يُعَد من أشهر شُعراء فَترة ما قبل الإسلام. أشتهرَ بِشعر الفُروسية، وبِغَزلهِ العَفيف مَع مَعشوقَته عبلة وله معلّقة مشهورة فيها. تلك القصص والحكايات الشعبية تم تأليفها في فترةٍ حرجةٍ من التاريخ العربي قبل الإسلام وبعده،ومصدر تلك القصص (أنّ عنترة تقدّم إلى عمه مالك يخطب ابنته عبلة، ولكنه رفض أن يزوج ابنته من رجلٍ أسود. ويقال: إنه طلب منه تعجيزاً له وسداً للسبل في وجهه ألف ناقةٍ من نوق النعمان المعروفة بالعصافير مهراً لإبنته، ويقال: أن عنترة خرج في طلب عصافير النعمان حتى يظفر بعبلة، وإنه لقي في سبيلها أهوالاً جساماً، ووقع في الأسر)، هذه القصة تؤكد أنّ جولات الصراع الفروسية كانت تحتاج لإثارة الغبار كي يتمكن من الكرِّ أو الفر .هذه الاستراتيجية تهدف إلى تغطية الأفق بالغبار والدخان مترافقاً مع كَثِيرُ الصِّيَاحِ، أَوْ مُثِيرُ الْعَجَاجِ كي لا يرى الفرسان ما يحدث لهم ومن حولهم. وما يقوله ميشيل غريب كاتب سيرة أبو الْمُغِيث الحُسِّين بن مَنْصُور الحَلاَّج (858 ـ 922 م) (244 هـ 309 هـ ) الشاعر الصوفي من شعراء الدولة العباسية، يُعد من روّاد أعلام التصوف في العالم ضمن كتاب (الحلاج أو وضوء الدم ،قصة صوفية تاريخية) الصادر عام 1988 م ،يُعد أمثولة في هذا السياق، ففي ليلة صَلْبِ الحلّاج وهو رمز الروح الثائرة المتمرِّدة، ووصوله لوزير المقتدر بالله الخليفة العباسي. فعندما قرروا حرق جثته شاع بين الناس ما نسميه (الطابور الخامس) أنَّ هناك طائراً اسمه الزبزب هذا الطائر يخطف الأطفال تحديداً ولا يُقاوَم إلا بِطَرْق الأواني النحاسية، ورنين الأجراس على أسطح البيوت وساحاتها.وما نشاهده هذه الأيام على مدار الساعة عبر بعض الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي لا يخرج عن هذا السياق، فثمة افتعال لقصص وحكايات وقضايا جانبية تم تضخيمها والنفخ فيها كي تنتشر وتطفو على السطح وتكون البديل الوهمي المصنوع لأهم قضايانا المصيرية.ومن هذه القضايا المصنوعة بعناية إعلامية موجهة بعقل (كوبلزي) ـ نسبةً إلى السياسي النازي ووزير الدعاية في ألمانيا النازية بول يوزِف غوبلز (29 تشرين أوّل 1897 -1 أيار 1945). تلك هي صناعة ما هو عابر وغير أصيل ويزول فور زوال أسبابه ومسبباته، لكن الإصرار والإلحاح عليه وعلى نحو درامي يعطيه الأولوية في الطرح والانتشار ،وهو مركز الصدارة مستخدماً (البروبوغندا)، فيما تبقى القضايا الجادَّة والمصيرية تحت السطح وبعيداً عن أي رصد أو تعيين. 
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل كل ما يحدث مصادفةً؟ أم أنَّ وراء أكماته وكواليسه من يتآمرون ويخططون لتغريب الإنسان عن عصره وتاريخه ودينه وتراثه ووطنه وهويته؟
الواضح تماماً أنّ جميع القرائن والمقاربات تؤكد بأنَّ الأمر ليس مصادفة أبداً، لأن المصادفة لا تتكرر في التاريخ بهذا الانتظام المبرمج والمدروس بدقة، وحين يتدنّى منسوب الوعي والفهم بالأمور الاستراتيجية لدى الرأي العام في أي مكانٍ في العالم لا يكون السبب بالضرورة هو عدم المعرفة أو الجهل أو تفشي الأمية، بل هناك أسباب أخرى كثيرة مسكوتٌ عنها هدفها الأساسي حجب الواقع، وتغييب الحقيقة مع سبق الإصرار والتصميم، كي تصبح الأبقار كلها سوداء عندما يعمّ الظلام كما يقول الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل. وإذا كان الضوء والنور والسطوع عدواً تقليدياً للصوص وقاطعي الطرق وخفافيش الظلام وأعداء الدين والوطن، فهو أشد عداءً لمن يريدون لهذا الليل الدامس أن يستطيل إلى ما لا نهاية وأن لا يرى النور ، بالتأكيد هم الخاسئون .
calendar_month22/12/2022 03:08 pm