مضى عام واستقبلنا عام جديد. وما نزال نتطلع بقدرٍ كبير من التفاؤلِ بالخير العميم، والأمن والأمان والسلم العالمي، لكن هذا التفاؤل ممزوج بالحذر، بل بالحذر الشديد لأنه ممزوج بالاختلاف، والتناقض،والتعقيد والتشابك، وإن كانت تبقى مختفية خلف المشهد، لكن صورته الأولى الظاهرة تؤكّد وجود قلق مشوب بالحذر والخوف معاً، يمتد لما يمكن أن يشكّل أزمات حقيقية مستحكمة منذ البدايات الأولى الجديدة المنشودة . 
ما نشهده اليوم يسير وفق عدم اليقين من الأزمات المتفاقمة التي لا تزال تمدّ إذرعها واستطالاتها على الساحةِ العالمية، بدايةً من الحربِ الساخنة في أوكرانيا التي قلبَت حياةَ الشعوبِ والدول والحكومات في العالم ، يضاف إليها حالة الركود الاقتصادي العالمي، وحالةَ التوترات الجيوسياسية بين الدول الغربية والصين، وعدم الأمن والأمان والاستقرار السياسي في دول متقدمة عديدة، يزيد من حالات التأزم والاختناق الدولي حالة المناخ وتغيّره وتأثيره السلبي على الحياة العامة في كرتنا الأرضية. وكل ما يمكن أن يساهم في صنع حلقات متشابكة في سلسلة من الاضطراب والقلق عما هو قادم في عام 2023م . 
الجدير بالذكر أنَّ الحرب الأوكرانية تحتل مركز الاهتمام الأول في العالم وتأثير هذه الحرب الطاحنة تثير العديد من التساؤلات لما يمكن أن يشهده العام الجديد 2023 م. فقد تقاعس العديد من الخبراء وصنّاع القرار في دول العالم ومن لهم خبرة عالية في مجال الحروب والمفاوضات والسلام على إيجاد حل للأزمة الأوكرانية. ويمكننا أن نقول أنّ ملكات هؤلاء الخبراء قد تعطّلت في هذه الأيام. فلم يقدِّم لنا أيّ منهم تقديراً للموقف الدولي مما يجري .ولما كانت الحرب الساخنة في أوكرانيا تمثِّل العمود الفقري فيما يشغل الذين ينتظرون الحلول في هذا العام الجديد 2023 م ، فإنَّ بدايات هذا العام تؤكّد ازدياد القلق وعدم الاطمئنان. فقد أعرب عن هذا القلق الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ستولتنبرغ حين قال : إنّ الظروف لتحقيق تسوية سلمية للحرب الدائرة في أوكرانيا غير متاحة في الوقت الحالي. هذه التصريحات التي أوردتها صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أكّدت على لسانه قوله أنه يجب على حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن يكون مستعداً لعلاقة متشابكة وصعبة مع روسيا لوقتٍ طويل . 
لم تكن أزمة أوكرانيا محدودة فقد كان لها تبعات واستحقاقات مثلت مشكلة كبرى في العالم وهي الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة، فقد تحدثت العديد من التقارير والتوقعات بشأنها وما يمكن أن تكون عليه في العام 2023 م، أنّ النشاط الاقتصادي سيكون بطيئاً ومصحوباً بارتفاع التضخم بأعلى مما كان عليه في السابق كما أعلنه صندوق النقد الدولي، مؤكداً ارتفاع تكاليف المعيشة لسكان العالم وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية يلهم بقية دول العالم .    

لقد رصدت العديد من مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة في مجال الفكر السياسي الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا توجهات أزمات سياسية خانقة مختلفة ومتنوعة، مؤكدة إنَّ الدخول إلى عام 2023 م بات متأثراً تأثيراً مباشراً بالعقوبات المتصاعدة لجمهورية روسيا الاتحادية وبقسوة فصل الشتاء البارد، وأنّ العديد من حكومات الدول الغربية ستواجه تحديات قاسية وصعبة، خاصةً تلك التي تمر بها القارة العجوز، وبشكلٍ خاص الانتخابات التي ستجري في العام 2023م . 
أما إذا نظرنا من ناحية أخرى لأزمات العالم المتفاقمة فنجد أنَّ جمهورية الصين الشعبية تشغل قدراً هاماً وأساسياً من اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة ما شهدته السنوات الماضية الأخيرة من تناقض في التوجهات والمواقف. ما بين تصعيد الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الصين باعتبارها منافساً استراتيجياً قوياً، وهناك اتجاه آخر يدعو للتهدئة بين البلدين وذلك لوجود علاقات ومصالح متبادلة ،مع أنَّ معظم التوقعات تؤكِّد على احتمال وجود تهدئة في المستقبل بين البلدين يمكن أن تنجز في هذا العام 2023م . 
لو تطرقنا لما يجري داخل الولايات المتحدة الأمريكية بعيداً عن الاحتمالات وقياسات التوقعات في عام 2023 م نجد أنّ البروفيسور ريتشارد هاس الأستاذ بجامعة كاليفورنيا قد كتب في صحيفة (نيويورك تايمز) تحت عنوان : هل سيكون عام 2024 م هو العام الذي ستفنى فيه ديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية؟ تضمنت مقالته أفكاراً توحي بالقلق وعدم التوازن من أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ستواجه خطراً في انتخابات الرئاسة للعام القادم 2024 م . وفي غيرها من الانتخابات التي ستجري في الولايات المتحدة مستقبلاً . 
هذا المشهد العالمي يذهب بنا إلى ما قد يكون عليه الحال في بلداننا العربية بشكلٍ خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام ،والقارة الإفريقية، حيث تفيد التوقعات أنه سيطرأ عليه هبوط بسيط في الصادرات في عام 2023 م ، مع زيادة الواردات. 
إنَّ سلسلة الأزمات المتتابعة والمتواصلة قد تشابكت وتعقّدت في العام الماضي 2022 م. وما زالت استطالاتها واستحقاقاتها تلقي بظلالها السلبية على الجميع ،راجين احتواء هذه الحرب وحدوث انفراجة لكل هذه الأزمات وأن يعم الأمن والأمان والسلام في العالم.
calendar_month05/01/2023 02:40 pm