تعرّضت المرأة للعنف والاضطهاد منذ وقتٍ مبكر من التاريخ الإنساني. فقد تم ممارسة العنف ضد المرأة بأقسى صوره،حتى باتت القواميس والمعاجم تبحث عن معنى ومدلول العنف ضد المرأة التي أجمع معظمها أنّ العنف هو القائم على نوع الجنس، والعنف الجنساني والجنسي (SGBV). وهو مصطلح يتم استخدامة للإشارة إلى أعمال العنف والقسوة التي يتم ممارستها بشكلٍ متعمّد تجاه النساء، أو بشكلٍ استثنائي، والمتماثل بجرائم الكراهية. وهذا النوع من التعسف والعنف يستند إلى جنس الضحية كدافع أساسي، وقد يكون نفسي أو جسمي. لقد تباينت حالات انتهاك حقوق الإنسان ضد الرجل والمرأة معاً في ظل حكم السلطات الجائرة والقوانين الظالمة والحكم الذكوري، تلك الانتهاكات استمرت بالانتشار طويلاً على الرغم من أنّ حوادث وشدة هذه القسوة وذلك العنف قد تفاوتت مع مرور الزمن وحتى اليوم، فهي تختلف باختلاف المشارب الثقافية والسلطوية في المجتمعات. وغالباً ما يتم تفسير هذا العنف على أنه وسيلة وطريقة لإخضاع النساء، سواء في المجتمع بشكلٍ عام أو في العلاقات الإنسانية الشخصية .
العنف ينشأ بشكلٍ عام من شعور بالتفوق، أو بالاستحقاق، أو كره المرأة، أو العديد من المواقف المماثلة في الجاني، أو بسبب طبيعته القاسية والعنفية، وبخاصة تجاه المرأة. ونتيجة لانتشار وتزايد العنف ضد المرأة اعتبرت الأمم المتحدة أن هذا العنف هو من تجليات مظاهر القوة غير المتناظرة وغير المتكافئة تاريخياً، وهذه الفكرة تضمنها إعلان الأمم المتحدة من أجل القضاء على هذا العنف. بخاصة وأنّ العنف ضد المرأة هو إحدى الوسائل والآليات الاجتماعية التي تجبر المرأة الخضوع بالمقارنة مع الرجل. وهي مشكلة ذات أبعاد جائحة، وكانت المرأة قد تعرّضت لهذا العنف حيث أفادت المعطيات أنّ كل إمرأة واحدة على الأقل قد تعرضت للعنف من كل ثلاث نساء في جميع أنحاء العالم للضرب، أو إساءة المعاملة في أثناء حياتها مع المعتدي، وفي معظم الأحيان يكون شخص معروفٌ لها، أو تعرّضت للإكراه على ممارسة الجنس .
لقد تعرّضت المرأة لعنف تاريخي مما دفع الأمم المتحدة للتعريف بـ (العنف ضد المرأة) على أنه أي اعتداء مبنى على أساس الجنس، والذي يتسبب بإحداث الألم الجسدي والإيذاء، وهذا الألم يتجسد بألم جنسي أو نفسي، ويشمل التهديد بهذا الضغط، أو الاعتداء، أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث العنف في إطار الحياة الخاصة أو العامة. لقد تضمن الإعلان العالمي لمناهضة كل أشكال العنف ضد النساء الصادر عام 1993م بأنَّ هذا العنف قد يكون نتيجة اعتداء من قبل مهاجمين من كلا الجنسين أو أعضاء في الأسرة أو حتى العائلة الكبرى، أو حتى الدولة. ويتناسب العنف ضد المرأة مع ما يقوم به الأفراد مثل العنف الأسري، والتحرّش الجنسي، والاغتصاب، والإكراه الإنجابي، والاجهاض الانتقائي بسبب الجنس، ووأد البنات، واعتداءات رش الحمض، فضلاً عن الممارسات التي يفرضها المجتمع من خلال القوانين العرفية أو التقليدية التي تلحق الضرر الكبير بالمرأة مثل ختان الإناث، والزواج بالإكراه، واختطاف العروس، والقتل بسبب المهور المرتفعة، وهناك العديد من أنواع العنف التي يتم ارتكابها أو يتم التغاضي عنها من قبل الحكومات مثل الاغتصاب في أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، والعنف الجنسي، والاستبعاد الجنسي في أثناء الصراعات، والاجهاض بالإكراه والتعقيم الإجباري .
هناك قضية غاية في الأهمية يمكن طرحها في هذا السياق، وهي أنّ الدولة وحدها تملك حق استخدام العنف بموجب الدستور. لذلك نجد في بعض الدول التي تتحكم فيها منظومات دينية تمارس الشرطة ضد المرأة حد الجلد والرجم. غير متناسين ما تقوم به العديد من شبكات المنظمات الإجرامية التي تنفذ العديد من أشكال العنف والقهر ضد المرأة مثل البغاء القسري، والاتجار بالبشر . كما شهد العالم أنواع منظمة من العنف والقسوة ضد المرأة منذ صيرورة التاريخ وعبر سيرورته الطويلة مثل محاكمات السحرة والمشعوذين في بدايات العصر، وتبلور ظاهرة نساء المتعة التي تم التشريع لها في بعض دول منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في إيران .
لم يتوقف العنف ضد المرأة فقط كما ذكرنا سابقاً، بل هناك عنف معنوي يشمل حرمانها من العمل، وحرمانها من التعليم، ويمارس ضدها العنف اللفظي، والعنف النفسي الذي يهدف للحط من قيمة وقدر المرأة، ويحط من قدرها وقيمتها من خلال إشعارها بشتمها أو لعنها، أو مناداتها بأسماء حقيرة، أو الصراخ عليها، أو نعتها بألفاظ بذيئة، أو السخرية منها أمام الآخرين، والحط من قدرها وقيمتها الإنسانية .أو تعييرها بصفة أو سمة فيها، أو بأهلها، أو التعرّض لها بالمساومة مما يؤدي إلى زعزعة ثقة المرأة بنفسها ويشعرها بأنها منبوذة، وهذا العنف يعتبر من أشد أنواع العنف خطراً على الصحة النفسية والمعنوية للمرأة .
لقد عملت العديد من الحكومات والمنظمات الدولية المنتشرة حول العالم من أجل مكافحة العنف ضد المرأة، كل ذلك يتم عبر مجموعة كبيرة ومختلفة من البرامج والمشاريع، منها قرار أممي تم اتخاذه يوم 25 تشرين الثاني من كل عام يحتفل فيه العالم كيوم عالمي للقضاء على العنف ضد المرأة. حيث يتم تنظيم أنشطة في هذا اليوم تهدف إلى زيادة الوعي بهذه القضية الإنسانية الهامة الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1999م .
لقد شغلت قضية العنف ضد المرأة العديد من دولنا العربية بشكلٍ خاص، ودول الشرق الأوسط بشكلٍ عام، وتم اعتبارها كقضية عالمية. كون المرأة العربية تعاني من العنف والقسوة في شتى الصور. بخاصة وأنّ المرأة العربية تأثّرت بشكلٍ كبير نتيجة الاحتجاجات والحراكات الشعبية العارمة والعمليات العسكرية الشرسة والعنيفة ابتداءاً من عام 2011 م، وكان العنف قد انتقل داخل الأسرة حتى وصل في بعض الحالات إلى القتل والذي نعرفه نحن العرب بجرائم الشرف .
لقد أصدرت هيئة الأمم المتحدة العديد من المعطيات والأرقام التي تثبت تعرّض المرأة العربية لأحد أنواع العنف الجسدي والنفسي والجنسي حيث وصلت نسبة العنف التي تعرّضت لها المرأة العربية إلى نحو 37% ، في حين أن العديد من المتزوجات تعرّضن للعنف الجسدي أو العنف الجنسي من الزوج. في معظم مراحل حياتهن فقد وصلت نسبتهنَّ إلى 35،4% من المتزوجات. وهو معدَّل يعتبر أعلى بقليل من المعدل العالمي .كما تُبين المعطيات أنّ نحو 14% من الفتيات القاصرات تزوجن دون سن الثامنة عشرة .
لقد بينت المعطيات التي قدمتها مؤسسة تومسون رويترز وهي وكالة أنباء عالمية حول العنف ضد المرأة في بلداننا العربية، فقد بلغت حالات العنف ضد المرأة في جمهورية مصر العربية وتحديداً في مجال تعرّض الفتيات لعملية الختان التي وصلت إلى نحو سبع وعشرون مليون ومئتان ألف فتاة، كما بلغت معدلات التحرش الجنسي نسبة 99,3% فقد كانت مصر قد تصدرت قائمة الدول العشرة في ممارسة العنف ضد المرأة، وفي العراق يوجد فيها قوانين وتشريعات ناظمة تعمل على الحد من ارتكاب الجرائم ضد المرأة، فالقانون العراقي يسمح بتخفيض عقوبة القتل الخاصة بجرائم الشرف. أما في المملكة العربية السعودية فقد تعرضت المرأة فيها للكثير من التضييق والحد من اندماجها في الحياة العامة مع الرجال. في اليمن لا يوجد قانون يحدد سن الزواج. أما في السودان فقد وصل عدد الفتيات اللواتي تعرضن لعملية الختان نحو 12مليون فتاة. وهكذا في بقية معظم الدول العربية .
مع تطور الوعي القانوني والاجتماعي والعلمي والمعرفي تمكنت المرأة العربية من تخطي الكثير من العقبات، وسارت بخطوات متسارعة نحو تحقيق دعم حقوقها من خلال تشريع حزمة من القوانين والتشريعات التي تحافظ على كرامة المرأة وتقضي بنسبة لا بأس بها على مظاهر التمييز، فاعتلت المناصب العليا السياسية والاجتماعية والتعليمية وساهمت بنجاح كبير في قيادة بعض الحكومات والوزارات وبعض مؤسسات القطاع الخاص، فعلى سبيل المثال لا الحصر ألغى البرلمان التونسي المادة 227 لعام 2017 م القاضي بشأن القضاء التام على العنف ضد المرأة، ويسمح القانون في الآن ذاته بحصول النساء على على أوامر حماية في حالات تعرضهن للاعتداء أو العنف .
في الختام نطالب كل الجهات المعنية من دول وحكومات ومنظمات دولية معنية، بتوفير بيئة مناسبة للمرأة العربية من أجل المضي قدماً بمشاركة الرجل في عملية البناء والتنمية بخاصة وأنها أثبتت قدرات فائقة في العديد من مراكز القيادة والإدارة . ومشاركة الرجل جنباً إلى جنب لبناء الأوطان ومستقبل الأجيال .