بدأت النهضة العربية، كما تُعرَف باسم حركة التنوير العربية أو اليقظة العربية، وهي الحالة الفكرية والاجتماعية التي سادت أساساً في مصر وسورية ولبنان، وامتدت لتشمل عواصم عربية أخرى. تلك الحركة التي برزت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ضد الاستعمار العثماني الاستبدادي أن تأخذ مكانها، وتشغل حيزاً واسعاً وعميقاً بالتاريخ، لولا تراجع سطوة الأستانة في كازاخستان وفقدانها لممتلكاتها في البلقان، وتحرر أجزاء كبيرة من العديد من دول أوروبا الشرقية، من سيطرتها وهيمنتها، وتكالب الدول الاستعمارية الجديدة الفتية على جغرافيتها وممتلكاتها.
انهيار الدولة العثمانية التي استمرت قائمة لأكثر من ستمائة سنة، وبالتحديد من (27 حزيران 1299 حتى 29 تشرين أول 1923) م، واكتساب سلطانها لقب (الرجل المريض) تعبيراً عن وهن وضعف الدولة العثمانية وبداية انهيارها، ورغبة الغرب في إطلاق رصاصة الرحمة على السلطنة العثمانية، مكنت مفكري وزعماء اليقظة العربية، من التحالف مع الفرنسيين والبريطانيين، والالتحاق بجيوشهما في الحرب العالمية الأولى التي بدأت بتاريخ 28 حزيران 1914م وانتهت يوم 11 تشرين الثاني 1918م. أملاً في تحقيق الاستقلال. وقد وضعت هذه البداية الخطط المدروسة وحجر الأساس، في التطورات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية اللاحقة، وصولاً إلى انبثاق حركات التحرر الوطني وظهورها بفاعلية ضد الاستعمار، وبشكلٍ خاص في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية عام 1945 م .
كانت الأمة العربية، دائماً تجد فرصتها في التحرر من الاستعمار والانعتاق الظلم والقهر والاستبداد، أثناء ضعف الامبراطوريات الكبرى التي أفلت فيما بعد. لكنها بسبب ضعف مقاومتها وهشاشة هياكلها الاجتماعية والسياسية، تعجز عن الاستفادة من حسم الصراعات والنزاعات التي كانت قائمة، فتقع ضحية التقسيم بين الدول الاستعمارية الكبيرة .
عندما بدأت معركة ألمانيا النازية التي كان من نتائجها احتلالها لفرنسا في 10 أيار 1940م والتي بدأت مع أيام جمهورية فايمار، التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 م نتيجة للحرب العالمية الأولى، وخسارة ألمانيا للحرب في ذلك الوقت، في نهاية الحرب العالمية الثانية، وأصاب الضعف قوة بريطانيا العظمى الاقتصادية، بفعل التكلفة الكبيرة للحربين العالميتين، اندلعت حركات التحرر الوطني العربية ضد الاستعمار واستطالاته، ليس في وطننا العربي وحده، بل وفي معظم دول العالم الثالث. وكانت حركات التحرر تلك من أهم معالم النصف الأول من القرن العشرين. في تلك الحقبة وفي زمن نشوء وتطور القطبين الجديدين في العالم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، لم يكونا في وارد تقديم أي دعم لحلفائهم بالحرب لا عسكرياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً. فقد كانا يطمحان لوراثتهما بما يملكان.
من جهتها طرحت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب الطاحنة مباشرةً سياسة الباب المفتوح على الجميع، الذي يتلخص في حق مستعمرات فرنسا وبريطانيا بالاستقلال وتقرير المصير. وشهدت بداية خمسينيات القرن الماضي، في أثناء عهد الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور (14 تشرين الأوّل حتى 28 آذار 1969) م، استراتيجية إزاحة الاستعمار التقليدي والحلول محله بكل مكوناته. وجاء ذلك واضحاً وصريحاً ودون مواربة، حين تحدث الرئيس الأمريكي أيزنهاور، عما أسماه بملء الفراغ، في مطالع الخمسينات من القرن الماضي، وعمل على إنشاء العديد من التكتلات السياسية لتحقيق ذلك. و تلك كانت مقدمة لنشوء التكتلات عسكرية والأحلاف، على مستوى العالم أجمع، بمسميات مختلفة ومتنوعة كحلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization)‏) الذي تأسس عام 1949م بناءً على معاهدة شمال الأطلسي، والتي تم التوقيع عليها في واشنطن في 4 نيسان 1949 م، و(حلف بغداد) الذي قدمت فكرته الأولى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أحد الأحلاف التي شهدتها حقبة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، تم تأسيسه بتاريخ 24 شباط 1955م للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط ، وكان يتكوّن إلى جانب المملكة المتحدة من العراق وإيران وتركيا وباكستان. وحلف (السنتو (CENTO، ويمكن تحديد بداية حلف بغداد أو ما يعرف باسم المعاهدة المركزية في الرابع والعشرين من شباط 1955م عندما عقدت تركيا والعراق ميثاقاً ينص على (تعاون الدولتين في مجالات الأمن والدفاع السنتو) (Central Treaty Organization) (CENTO). والحلف الإسلامي، هو حلف دعى إليه سراً الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور Dwight David Eisenhower)) في عام 1957م، وكانت أولى مهام هذا الحلف غزو سورية، وكان كل من الملك سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (15 كانون الثاني 1902 ـ23 شباط 1969) م، ملك المملكة العربية العربية السعودية والرئيس التركي محمود جلال الدين بايار (Mahmut Celal Bayar)‏ ناقشا تلك المهمة، إلا أنَّ انقشاع الأزمة السورية وارتداداتها حينذاك، وفشل حلف بغداد أبقت الفكرة طي الكتمان. ثم عاود الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (14 نيسان 1906 ـ 25آذار 1975) ملكُ المملكة العربية السعودية الثالث، قد تبنى الفكرة عام 1965م بشكل علني. ولم يوافق على الانضمام إليه سوى شاه إيران والأردن، فقد رؤي على أنه محاولة لتوسيع حلف بغداد الموالي للغرب الأوروبي ـ الأمريكي. ضد الحركات الوطنية وضد المد الثوري في عالمنا العربي الحديث. في خضم الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق، أي ضد المعسكر الشيوعي، بالرغم من قيام الحلف الإسلامي، إلا أنَّ نكسة عام 1967 وما تلاها من حريق للمسجد الأقصى عام 1969م، أديا إلى نشوء نسخة من ذلك الحلف تحت اسم منظمة العالم الإسلامي عام 1970م .  
أما الاتحاد السوفييتي السابق، فخاض كفاحاً أيديولوجياً طويلاً وعنيداً، من أجل نشر عقيدته السياسية الماركسية اللينينية، واعتبر ذلك سبيلاً لتعزيز حضوره النوعي على الساحة الدولية. ومن هذا المنطلق، اتخذ العديد من القرارات بهدف مساندة حركات التحرر الوطني بالعالم الثالث. وأمام هذا الانقسام الحاد بين المعسكرين الغربي والشرقي، أتيح للعرب إنجاز استقلالهم السياسي وتم إجلاء العديد من القوات الأجنبية من أراضيه، وكان لهم بعض الخيارات الممكنة التحقق، في أن يكونوا مع هذا الفريق أو ذاك، وقد تعدَّدت خياراتهم نوعاً ما، تجاه المعسكرين. وكان العصر الذهبي للحياد الإيجابي الذي يقوم على عدم الانحياز إلى كتلة من الكتل المتصارعة دوليّاَ، قد أخذ مكانه في الفترة التي أصبحت فيها العلاقات الدولية رصينة ومتزنة، وقبل وصول قوة الاتحاد السوفييتي إلى حالة الضعف والوهن والتراخي، وتغول الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. تلازمت هزيمة حزيران عام 1967، بتغير في المعادلة الدولية. وقد بدأ هذا التغيير بما عرف بالتعايش السلمي بين المعسكرين الغربي والشرقي، وتوقيع معاهدات حظر السلاح النووي (Treaty on prohibition of nuclear weapons)‏، وتُختصر إلى (TPNW)، بين السوفييت والأمريكيين مُررت هذه المعاهدة يوم 7 حزيران عام 2017 م، وصولاً إلى شيخوخة النظام في الاتحاد السوفييتي السابق. وكان تدخل الاتحاد السوفييتي عسكرياً في أفغانستان، بمثابة بداية النهاية، تمهيداً لتفككه بشكلٍ درامي في مطالع تسعينيات القرن الماضي.
تربع اليانكي الأمريكي (Yankee)أو (Yank) على عرش الهيمنة،واليانكي إشارة إلى سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وبشكلٍ عام يطلق على عموم أمريكا الشمالية. فقد كان تربّع اليانكي على سدّة الحكم حدثاً استثنائياً وليس له سابقة في التاريخ السياسي. فمثل هذا التربع على عرش السيطرة والهيمنة يلغي (مبدأ صراع الإراداتDas Prinzip des Willenskonflikts)، الذي هو قانون إنساني. ولذلك لم يكن له أن يطول بقائه. لم تتجاوز حقبته أكثر من عشر سنوات، عادت بعدها جمهورية روسيا الاتحادية مجدداً إلى المسرح الدولي تحاول أن يكون لها موطئ قدم في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، وبعد الحراكات الشعبية العارمة في العديد من الدول العربية إبّان ما عُرِفَ بــ (الربيع العربي) بدأت تتشكل محاور سياسية وعالمية من جديد بخاصة في العشر سنوات الماضية، وبعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن قيام شرق أوسط جديد. لكن النظام العالمي الجديد الذي بدأ يتبلور لم يتشكل بعد ولم يكن مستعداً للانبثاق بالسرعة المطلوبة .  
 هذه الرؤية السريعة لما جرى تعيدنا إلى ما بات يُعرف في الشأن السياسي بــ (ملء الفراغ ) أي أنّ الوجود لا يقبل الفراغ، ففي ظل غياب العلاقات الدولية المتزنة والرصينة، وعدم التوافق واتفاق الدول الكبيرة على القسمة، تنتشر الفوضى، كما نشرتها الولايات المتحدة الأمريكية (الفوضى الخلّاقة) وتنتشر حالات القتل والنهب والسرقة، ويستهان بالكرامة الإنسانية. وتفقد الدولة هيبتها، ولكن بؤس هذه المرحلة القاسية والمُرّة لا يدفع إلى التشاؤم وفقدان الأمل، فهي حقبة قصيرة في تاريخ الشعوب والدول، لن تطول أبداً، والعالم بأسره ومن ضمنه وطننا العربي، يتهيأ لاستقبال مرحلة جديدة قادمة، ربما لا تكون بنفس الخطط والمشاريع والخرائط والأعراف السابقة، ولكنها ستشهد مزيداً من الوضوح والاتزان والرصانة، ووضوحاً أكثر بالعلاقات الدولية.
calendar_month26/09/2023 10:30 pm