
هناك علاقة تاريخية لا انفصال فيها هو ارتباط المواطن مع مفهوم حقوق الإنسان. هذه الفكرة تبلورت وتداخلت بشكلٍ كبير. وهذا التدامج والتداخل هو نتيجة اهتمام الإنسان بأن يكون له هوية في مجتمعه. بمعنى آخر أن يكون مواطناً وليس فرداً، وهو تعبير عن انتمائه إلى كيان اجتماعي أكبر، لأنَّ الاهتمام بعضوية الفرد إلى مجتمعه كمواطن هو اهتمام بشكلٍ مباشر بحقوق هذا المواطن بوصفه إنساناً ويملك كل العناصر الإنسانية .له حقوق وعليه واجبات يتم تأديتها في إطار عام من المسؤولية الاجتماعية .
الجدير بالذكر أنه من الممكن الالتقاء بين حقوق الإنسان والمواطنة في أي معنى معاني المواطنة المجتمعية ،فإذا تم فهم المواطنة فهماً قانونياً فإننا نفهمها على أنها عضوية قانونية داخل الدولة ومؤسساتها وإدداراتها وهيئاتها وتشريعاتها. حيث يكتسب الفرد وضعاً حقوقياً وقانونياً يرتبط بقوة بحمل الجنسية وجميع الوثائق التي تثبت الهوية القانونية وغيرها. من هنا جاءت فكرة أنّ المواطنة إذا فهمت بهذا المعنى القانوني فإنها ترتبط بشكل كبير بالحقوق ، فلا َمكانة قانونية إلا فيها حقوق مكتسبة ومن أهم تلك المكتسبات الحصول على الوثائق اللازمة والضرورية لتأكيد الهوية القانونية .هذه المشاركة ترتبط بشكلٍ ويثيق بالمشاركة الفاعلة في القضايا السياسية والمشاركة في كل ما يوفره المجتمع من حقوق التي تأتي في صدارة المكتسبات. فعضوية المجتمع تعرف عبر الاستحقاقات التي تعمل على تحويل الأفراد إلى مواطنين ومن خلال ما يقومون به من تأديتهم للواجبات المترتبة عليهم . كما أنه إذا ما فهمت المواطنة على أنها القاعدة الرئيسية التي تتأسس عليها الدولة الوطنية، وهي التي تشكل الفضاء الأوسع والوعاء الأكبر للانتماء الوطني، فإن الدولة الوطنية لا يمكنها أن تستمر في الوجود إلا إذاعملت على رعاية الحقوق الإنسانية لمواطنيها.
هنا لا يمكننا إغفال أنَّ المواطنة تعبير واضح وصريح على أنها انتماء تجعل الفرد قادراً على العطاء والإبداع والمشاركة الفاعلة والنشطة في حياة مجتمعه حيث لا يمكن أن يكون عطاء دون حصاد الثمار وهي المترافقة مع الحقوق المدنية للمواطنين . فالفرد الذي تسلب حقوقه المدنية يتحول إلى فرد فاقد الانتماء، غير قادر على أن يقدم شيئاً من أجل بناء وحماية الوطن. وبهذه الطريقة من الفهم نجد أن المفهومين المواطنة وحقوق الإنسان يؤدي كل منهما إلى الآخر، فلا حقوق بغير مواطنة ولا مواطنة بغير حقوق.ليس هذا فحسب بل يرتبط المفهومان عبر مستوى تاريخي في الفكر السياسي الليبرالي. فقد سعت الثورات التي قامت في القرن الثامن عشر مثل : (الثورة الأمريكية عام 1765م والثورة الفرنسية عام 1789م) ،بالمساواة بين البشر، وتم الإعلان عن أن الناس قد خلقوا متساويين لا فرق بينهم ، وأنهم ولدوا ولهم حقوق طبيعية. تلك الثورات كانت قد دعت في ذات الوقت إلى حرية المواطنين، وإلى أن المواطنين يتمتعون بحقوق إنسانية متساوية في دولة وطنية موحدة. وعلى هذه الأسس وتلك القواعد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن هيئة الأمم المتحدة عام 1948م، وأكد في متنه وبنوده على مبادئ العدالة والمساواة في الحقوق، من هنا تمكّن الفكر الليبرالي الحر أن يبلور علاقة متينة بين المواطنة وحقوق الإنسان. ليس هذا فحسب بل أن التوسع في مفهوم حقوق الإنسان بشكلٍ عام ، والنظر إليه على أنه حق عام، يطول الأشخاص في كل أنحاء العالم، قد أدى إلى التوسع بشكلٍ ملحوظ في مفهوم المواطنة بحيث نتحدث الآن عن المواطنة العالمية أي سكان المعمورة ، والتي تشير في أحد معانيها إلى التمتع بالمواطنة - ومن ثم الحقوق- في أي مكان في العالم. ويعد هذا أحد القواعد التي تحمي حقوق المهاجرين واللاجئين، الذين يشكلون أقليات في بعض بلدان العالم. لقد أصبحت الحقوق وهي حقوق إنسانية بالمعنى العام تقرر بالعقل وليس بالقرار السياسي. فأينما يوجد الأشخاص وتحت أي ظروف كانت، فلابد لهم من حقوق قانونية وإنسانية.
في سياق هذا الموضوع يتبادر إلى أذهاننا هذا التساؤل وهو : إلى أي مدى تتوافق دساتيرنا العربية مع المواثيق الدولية الناظمة لحقوق الإنسان. وهل تتضمن على مبادئ لحماية حقوق الإنسان وخصوصيته، وعلى المبادئ المنظمة لهذه الحقوق مثل الحرية والعدل والمساواة، وهذه قضية مهمة في مسألة حقوق الإنسان والمواطنة، فحقوق المواطنين يجب أن تنظم وتتأكد من خلال الدساتير، كما أن هذه الدساتير العربية والأجنبية يجب أن تتوافق مع المتطلبات التي تفرضها المواطنة العالمية بشكلٍ عام، التي تتكشف من خلال التوافق بين القوانين والتشريعات والنصوص الدستورية المحلية وبين المواثيق الدولية. هذه الرؤية تكتمل من خلال ما يتم اتخاذه من إجراءات وتوقعات داخل المجتمع لحماية حقوق الإنسان، أو السعي المستمر نحو تأكيد إنسانية الإنسان بصرف النظر عن انتمائه الديني أو اللغوي أو الإقليمي أو العرقي.
ومن الأسس التي تعزِّز فكرة المواطنة هو العملية الرئيسة في البناء الإنساني من خلال التربية والتعليم كونهما مرتبطتان بالحقوق المدنية وبالمواطنة ، فمن خلال عمليات التربية والتعليم، يتم غرس ثقافة المواطنة بشكلٍ علمي، وتزدهر ثقافة حقوق الإنسان، فالتعليم لا يجب أن يتجه نحو التكوين المعرفي والمهاري فحسب، بل يجب أن يتجه نحو بناء الإنسان على المستوى العقلي والنفسي والوجداني والإنساني، ومن ثم فإنه بالتعاون مع الأسرة ومؤسسات الاتصال الجماهيري يتجه في كثير من بلدان العالم نحو تكوين منظومة القيم الاجتماعية والإنسانية وعلى رأسها قيم المواطنة التي تتمحور حول قيمة الإيمان بمبدأ الاختلاف وحرية الرأي والرأي الآخر، الذي يؤدي في حال توفره إلى تكوين قيم الاحترام والتسامح والتعاطف والثقة. والحق أن دعم هذا النوع من التعليم كفيل بأن يخلق ثقافة عالية محملة بالروح المدنية والروح الإنسانية، تلك الروح التي يتأسس عليها الاجتماع البشري أصلاً على كامل مساحة كرتنا الأرضية .وهذا المشهد يؤكد على تجاوز مفهوم حقوق الإنسان الحقوق المادية المعاشة إلى الحقوق المعنوية كالحق في الكرامة والأمن والأمان والعيش الآمن والمشاركة بفاعلية في بناء الأوطان .