
لم تكن فكرة ومفهوم العنصرية البنيوية قد انتشرت في العالم قبل أن شرع الغرب باستخدامها مبكراً بشكلٍ مفرط، فالعنصرية البنيوية في مدلولها وتعريفها الأولي تؤكد على أنها جملة مركّبة تتجاوز مفهوم العنصرية الفردية المفرطة التي يمارسها أشخاص في بيئة اجتماعية منغلقة على نفسها . وهذا المصطلح يشير بوضوح إلى الاستنساخ المستمر والتاريخي طويل الأمد لكل أشكال الهياكل العنصرية لمجتمع ما، من خلال مزيج من العنصريات المتعدّدة الأخرى التفاعلية والتمثيلية والخطابية والأيديولوجية والعلمية.
من هنا كان قادة الحقوق المدنية والمدافعون عنها يطالبون بوضع حد للعنصرية الممنهجة المؤسسية المتجذرة في أعماق المجتمع، وذلك لأنّ العنصرية التي تتم ممارستها بطريقةٍ تلقائية، أنشأتها الأنظمة السياسية القائمة والسلطات الحاكمة القمعية والدول الشمولية وما زالت ترعاها وتساهم في تكريِس عدم المساواة العرقية الموجهة أساساً ضد الملونين في شتى مناحي الحياة في العالم .
فقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية حالات عديدة من العنصرية المفرطة، وهي عنصرية بنيوية متأصلة في العقل والوجدان الأمريكي للرجل الأبيض. يقول السيد ديريك جونسون رئيس الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين (NAACP): إن الأمر لا يتعلق بحادث واحد أو قضية محلية واحدة، بل يتعلق في الطبيعة العنصرية الممنهجية الواسعة والتي لها الكثير من الااستطالات والاستحقاقات التي يجب معالجتها في الأمة الأمريكية.فالعنصرية الممنهجة والمؤسسية يعرِّفها السيد ديريك جونسون بأنها عنصرية بنيوية أو العنصرية المؤسسية بأنها مجموعة من الأنظمة والهياكل التي تضم في داخلها العديد من الإجراءات والعمليات التي من شأنها إلحاق الضرر بأبناء الشعب الأمريكي من الأصول الإفريقية.
أما جلين هاريس،أو "جلين ووكر هاريس جونيور" رئيس منظمة "Race Forward"، أي مجموعة المدرجات أو المصنفات ،وهي منظمة تقاوم العنصرية، إنّه يعرِّف العنصرية البنيوية بأنها "التفاعل المتين والمعقد بين الثقافة والسياسة والمؤسسات والإدارات والهيئات التي تأتي بالنتائج التي نراها في حياتنا".وهي أيضا العنصرية البنيوية الممنهجة التي تدعو إلى تفوق الأبيض على جميع الأعراق الأخرى. وهي بهذا تخلق تفاوتات وتفارقات في العديد من المؤشرات الناجحة التي تتضمن القوة والثروة والإسكان ونظام العدالة الاجتماعية والقضايا الجنائية والعمالة والتعليم،والرعاية الصحية والسياسة، وأنه على الرغم من أن مفهوم العنصرية البنيوية يعود إلى العمل الذي قام به الباحث ورائد الحقوق المدنية دو بوا W. E. B. Du Bois أو وليام إدوارد بورغاردت دو بويز وهو عالم اجتماع وناشط سياسي أميركي من أصول افريقية، يعتبر من أهم دعاة الحقوق المدنية، إلا أن مفهوم العنصرية الممنهجة ظهر لأول مرة أثناء حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي، وتم صقله بشكلٍ أكبر في الثمانينيات.
من القضايا الشائكة واللافتة في المجتمع الأمريكي أنّ العنصرية الهيكلية تمنع المواطنين الأمريكيين من غير البيض المشاركة الفاعلة في المجتمع والاقتصاد، فقد تجلت العنصرية الهيكلية في فصل الإدارات والهيئات والمؤسسات، وكان جلين هاريس Glenn Harri رئيس منظمة "Race Forward"، قد شدّد على أنَّ هناك العديد من العوامل تتمثل في وجود فجوة الثروة العرقية ،وانعدام الأمن السكني، والشرطة والتعليم التي ترتبط ارتباطًاً متيناً ووثيقاً بالعنصرية الهيكلية الممنهجة وهي عنصرية بنيوية مفرطة بكل المعايير. فعلى سبيل المثال لا الحصر يستخدم جيلين هاريس موضوع السكن، حيث يوضح أنَّ عدداً كبيراً وغير متناسب من الملونين اليوم أصبحوا بلا مأوى أو يفتقرون إلى الأمن السكني جزئياً بسبب قوانين الإرث الجائرة أو ما يسمى بقروض المعدمين، فالسود في الولايات المتحدة الأمريكية يشكلون ما يقرب من نصف المشردين فيها، على الرغم من أنهم يشكلون ثلاثة عشربالمائة فقط من عدد السكان، وفقاً للعديد من التقارير التي أصدرتها وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والتي قدمتها إلى الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب.
تشير بيانات قروض الفقراء والمعدمين إلى النظام الإداري والقانوني الذي استخدمته البنوك وصناعة العقارات في القرن العشرين إلى فكرة تحديد الأحياء السكنية التي ستحصل على قروض لشراء منازل، وما زالت تلك الأحياء الغير مؤهلة بشكلٍ جيد تفتقر لمعظم ضروريات البنية التحتية التي يعيش فيها الملونون -المحدَّدة بالحبرالأحمر- والتي تعتبر الأكثر اضطراباً وخطورة بالنسبة للاستثمار فيها. هذه السياسات وتلك الممارسات ساهمت بمنع عائلات الملونين وتحديداً الأمريكيين من أصل إفريقي من تكديس المال والثروة والحفاظ عليهما بالطريقة نفسها التي تمكن عائلات البيض من ذلك، وهذا بدوره أدّى ويؤدي إلى نمو فجوة كبيرة يمكن أن نطلق عليها اسم (الثروة العرقية)، التي ترافقت مع انعدام الأمن السكني بشكلٍ كبير وهو الذي لا يزال قائماً اليوم لأنه يرجع لأسباب تتعلق بالمال حيث تبلغ القيمة الصافية بعد حسم الضرائب لما تملكه العائلة النموذجية البيضاء من مال مائة وواحد وسبعين ألف دولار، وهذا يزيد عشر مرات عما تملكه العائلة الأمريكية السوداء النموذجية بسبعة عشر ألف دولار، وفقًا لمسح الاحتياطي الفيدرالي لتمويل المستهلك. وهذا ما حدا بـ (جيلين هارس) القول : (إن إعادة قروض الفقراء والمعدمين تعني بشكل أساسي أنه كان من المستحيل بشكل أساسي على الأمريكيين السود والملونين الحصول على القروض السكنية التي يحتاجونها، وقد كانت تلك طريقة نشطة بشكلٍ فاضح لفرض الفصل العنصري). وهذا ينعكس في حقيقة الأمر على المدارس وأنظمة الرعاية الصحية ووسائل النقل الضرورية ،مما أدى إلى تعقيد العديد من القضايا التي تتعلق بالسلامة العامة وبالإفراط في ممارسة العمل الأمني الاستخباراتي والشرطي.هذا النظام تمت منهجته وهيكلته بهذه الطريقة العنصرية لتحقيق نتيجة متواصلة من ضعف الاستثمار في العديد من المشاريع، وبالتالي جاءت النتائج غير متناسبة وغير مرضية، وهذه النتائج البشعة جداً من الإفراط في ممارسة الأعمال الشرطية القمعية هي التي تؤدي في نهاية المطاف إلى خسائر في الأرواح لا تعدّ ولا تحصى .
يجمع العديد من الباحثين والمتخصصين إنه لم يتم إحراز تقدم كافٍ ومناسب في مجال مكافحة العنصرية المؤسسية أو الممنهجة. لأنها مبنية على قوانين عنصرية بنيوية متينة ومسوّرة. والحل من أجل التخلص منها ضرورة الاعتراف بوجود العنصرية بشكلٍ صريح ،وأن يشترك معظم المواطنين الأمريكيين من كل الأعراق في المنظمات التي تحاربها، وأن يتم انتخاب القادة وصانعي السياسات فقط الذين لن يعززوا أو يدعموا السياسات العنصرية الهيكلية الممنهجة.لأنّ العنصرية أيضاً هي أفكار وافتراضات متعلقة بالفئات العرقية يتم استخدامها لتبرير وإعادة إنتاج تسلسل هرمي عرقي وينتج مجتمع منظم عنصري يحد بشكل غير إنساني وغيرعادل من الوصول إلى الموارد والحقوق والامتيازات الإنسانية على أساس العرق.
الجدير بالذكر أنّ هذه الأفكار وتلك الافتراضات تندس بطريقة سرية داخل بنية الدولة ومؤسساتها وإداراتها وهيئاتها، وتبدأ تأثيراتها السلبية من هناك من دون أن تطالها العقوبات غير الصارمة .وعلى الرغم من أن العنصرية البنيوية المتداخلة مع الدولة هي عملية تكتنفها صعوبات جمة، لأنها تتطلب قراءة دقيقة للبيانات بمرور الوقت لتحديد كيف تحافظ مجموعة الممارسات المؤسسية والتاريخية والثقافية والشخصية على عدم المساواة العرقية على مدى فترة من الزمن، إلا أن انتشارها في الولايات المتحدة الأمريكية، على وجه الخصوص، لا يخفى على أحد .