
منذ مايقرب من ثلاثة اعوام كتبت اكثر من الفين مقال في السياسة والتاريخ والثقافة والاجتماع والادارة والاقتصاد والادب. متقاعد وقد بلغت السبعين من عمري، وأحس انني بحاجة الى ان اكتب ما أجده مفيداً للقارىء. وبالطبع فإن كتابة هذا العدد من المقالات كان قد أخذ مني مئات الساعات. كما كان قد نصحني كثيرون بتجميعها وتصنيفها في كتب. استسغت الفكرة لكن ولعي بالاستمرار في الكتابة لم يتح الوقت لذلك.
صباح اليوم، وكعادتي، وكنت على التو قد انتهيت من كتابة مقال ما، واذ بزوجتي ترمقني بنظرة وتردد علي المثل الفلسطيني الذي يقول:
عقبال مين، يا اللي بترقص بالعتمة؟!
اجبتها بسرعة بديهة ومناكفة: والله هذا المثل يصلح عنواناً لمقال جميل! فرحت مشرعاً بالكتابة.
هناك في وطننا العربي، مثلاً، الاف من الكتاب والمفكرين واصحب اعمال متميزة ممن غلفهم النسيان لكنهم ماضون في ما يعتقدون أنه عمل صالح ومفيد، ليس فقط لقناعات أو إرضاءً لحاجات نفسية ذاتية، وانما إحساساً منهم بأنها اعمال محتسبة عند من يثمنها. تراهم يجلسون في زوايا المقاهي يكتبون، أو في ورش صغيرة يرسمون أو ينحتون أو يؤلفون. ينشرون أعمالهم على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ليل نهار، ينتظرون اعجاباً أو جواباً أو تعليقاً، وكثيراً ما يحزنهم عدم الاهتمام، أو ربما هناك من يكتب ويحفظ دون نشر في مكان أو ارساله لأحد!! حتى ان من تأخذه الهمة وتستهويه فكرة نشر عمل له في كتاب، فكثير ما تثقله مفاوضات طبع الكتاب ونشره مكتفياً بعدد من نسخ مطبوعة أو مقابل مبلغ زهيد لحقوق الطبع والنشر.
أما حين يجد أو يسمع بأن مهتماً ما قد كتب عن ما قام بنشره، فإنه يحس بسعادة ورضا، حتى لو ان ذلك العرض لم يكن تماماً يرضيه. وهنا أتكلم بالطبع عن الغالبية الكبرى لمن يقوم بطبع كتاب ما.
ورغم ذلك، ومع المعرفة اليقينية لحالهم فإن كثيراً منهم يصروا أن يبقوا جنوداً مجهولين يحملون فوانيسهم الخافتة علها تنير فسحة في عتمة ليل.
انهم يرقصون عبال من سيراهم يوماً ما، وربما بعد ان يشعل أحدهم ضوءاً.
برلين، ٢٦/٨/٢٠٢٢