تأسست اللِّيبرالية على أفكار ومفاهيم الحرية والمساواة كونها فلسفة سياسية أو رأي سائد في المجتمع ، وهي منقسمة إلى قسمين قسم الليبرالية الكلاسيكية التي تشدد على الحرية. والليبرالية الاجتماعية التي تتبنى المساواة. وفي حقيقة الأمر نجد أنّ الليبراليون بصفةٍ عامة يدعمون الكثير من الأفكار مثل حرية الرأي وحرية التعبير، وحرية الصحافة ،والسوق الحر، والمجتمعات الديمقراطية، والحرية الدينية، والحكومات العلمانية ،ومبدأ الأممية. 
الواضح في الأمر أنّ الثروة في المجتمعات والدول الغربية تحكمها منظومة المبادئ الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية، خارج إطار العدل والمساواة واحكامهما، وهي ليست موضوع تدبير سياسي له سياق المساواة بين المواطنين، بل هي حاجة وضرورة وموضع تنافس بين أفراد تلك المجتمعات، وبالتالي لا يمكن إغفال حالة التفاوت في الفوز بالحصص الكبيرة منها لصالح القانون الحاكم .وعلى وجه الدقة فإنّ القانون العادل هو القانون الوحيد عند الليبراليين ،الذي يفرضه السباق والتنافس والحرية الاقتصادية وحق التملك والسيطرة. وعليه، ليس للدولة في منطق الليبرالية أن تتدخل أبداً في أي عملية اقتصادية تسير وفق منظومة الحرية التي تجري بمقتضى تشريعاتها وقوانينها الناظمة. ووفق ذلك المنطق يعدّ كل تدخل من قبل الدولة تحت مظلة كفالة الحقوق الاجتماعية انتهاك واضح وصريح منها لحرية السوق وحرية رأس المال .

هذا هو مسار ومنهج الليبرالية الاقتصادية في أطوارها الثلاثة الكبرى التي سارت وفقها عبر سيرورة ثلاثمائة عام الأخيرة، وهي طور المزاحمة التي عرفت فيما بعد بطور المنافسة، وطور الاحتكار التي تتبعها النظم الإمبريالية، ثم طور الليبرالية التي تجلت بصيغة العولمة. تلك المسيرة الطويلة لم يشذ عنها سوى طور انتقالي واحد امتد لعقودٍ ثلاثة صحّحت فيه الليبرالية منهجها ومنطقها الدارويني، واعتمدت في عملية البناء الأخذ بفكرة الحاجة الضرورية والماسة إلى استدخال الوضع الاجتماعي في منظومتها وآليات عملها، وتحقيق مطالب بعض الحقوق الاجتماعية للمواطنين الذين يعيشون في كنف الدولة الليبرالية. هذه العملية المكثفة كانت كجرعة كبيرة بطيفها الواسع في بلدان أوروبا الشمالية مع بقية دول أوروبا الغربية بشكلٍ عام. فقد سارت مساراً مختلفاً ضمن النهج التصحيحي المستند إلى الرؤية الكينزية، للتنمية،وهي نظرية أسسها الاقتصادي البريطاني جون ميتارد كينز حيث تركز النظرية الكينزية على دور كلا القطاعين العام والخاص في الاقتصاد الذي يطلق عليه الاقتصاد المختلط حيث يختلف المنظر الاقتصادي جون ميتارد كينز مع السوق الحر (دون تدخل الدولة) أي انه مع تدخل الدولة في بعض المجالات الهامة .من هنا فقد أقامت الدولة الليبرالية نموذجاً جديداً لهيئات وإدارات ومؤسسات الدولة وحققت التنمية عبر نموذج دولة الرعاية الاجتماعية المعتمدة على الليبرالية الاجتماعية في محاولة منها لكسر الهوة، لأول مرة، بين العدالة والمساواة.
 لقد حققت الفكرة الاشتراكية حضورها القوي بعد الحرب العالمية الثانية .فقد تغلغلت بشكلٍ كبير في بنية النظم السياسية والاقتصادية في أوروبا والعديد من دول الجنوب، وصعدت الفكرة الاشتراكية بشكلٍ واضح لا لبس فيه، كما صعدت القوى اليسارية والشيوعية داخل دول الغرب الأوروبي وكان لهذا الاستقطاب جاذبية خاصة باتجاه المسألة الاجتماعية التي ساهمت بقوة في حشد الفكرة الاشتراكية داخل العديد من الدول الغربية ودول العالم .وجميعها أسهمت بشكلٍ فعّال في رفع درجة انتباه الليبرالية لأهمية هذا الرأسمال الاجتماعي في تنمية عوامل القوة الذاتية التي تؤهلها لأن تكون صاحبة قرار. وهذا أدى إلى محاولة ملء الفراغ الكبير للاجتماعي في منظومتها، وبالتالي التساوق مع الدول الاشتراكية في الاهتمام بالحقوق الاجتماعية أسوة بالحقوق السياسية. ولكن الليبرالية بقسميها الكلاسيكية والاجتماعية لم تتراجع، فقط، لأن هناك تحديات كبيرة اشتراكية وشيوعية، لها في محيطها وفي داخلها الاجتماعي، يفرض نفسَه عليها بقوة، ولكنها أقدمت على ذلك بقناعة تامة لما فيه من مصلحة ومنفعة عامة. وما فعلته كان بقصد استيعاب أزماتها الاجتماعية الخانقة، واستيعاب طبقاتها العاملة ونقاباتها وجمعياتها وأحزابها الشيوعية والاشتراكية وجميع القوى اليسارية. وتفهم أسباب احتمالات قيام الثورة الاجتماعية فيها واستيعابها وفي حقيقة الأمر فقد حققت نجاحات هائلة جداً على مستوى الاستيعاب الاستراتيجي من خلال اتباعها نموذج دولة الرعاية الاجتماعية وما نجم عن ذلك من استقرار سياسي. ونتيجة ذلك، فإن حركات اليسار وفورته ومعه الحركة النقابية في الغرب شرعت في التلاشي والاضمحلال التدريجي منذ ذلك الوقت، على نحو ما أكّد عليه عدد كبير من المفكرين النقديين الذين ينظرون لليسار الراديكالي وحركات اليسار الجديد وكان الفيلسوف والمفكر الألماني هربرت ماركوزه قد قام بتقديم العديد من الدراسات النقدية الحادة للأنظمة بخاصة وأنه مرتبط بمدرسة فرانكفورت للنظرية النقدية . بخاصة كتاب العقل والثورة عام 1941 م وهو عبارة عن دراسة جدلية في النظريات الاجتماعية للفيلسوف الألماني هيغل مع إعادة تفسيرها وتتبعها عبر كارل ماركس وفيورباخ وكيركغور وتبيّن أثر الفيلسوف الألماني هيغل في النظريات الاجتماعية خلال ثلاثينات القرن العشرين الماضي وربطها بنشوء النظريات الفاشية.

الجدير بالذكر أن منظومة الدول الاشتراكية لم تستطع أن تعوّض شعوبها المحرومة من حقوقها السياسية كي تتمتع بالحد الأدنى من حقوقها الاجتماعية التي هي مطلب أساسي وهام .ولم تتمكن من التعويض عن غياب مبدأ المساواة الاجتماعية ، فهي لم تتمكن من سد غياب وفقدان المساواة الاجتماعية ضمن منظومة اجتماعها السياسي ببعض قليل من أحكام أساس ومبدأ العدالة الاجتماعية، حتى كانت منظوماتها قد بدأت تتعرض للتفتت والتشقق، في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي، وصولاً إلى حالة التدحرج ومن ثم السقوط المدوي ونهاية النموذج الاجتماعي الذي عملت على بنائه لسنوات طويلة، لتشرع في الانضمام إلى النموذج الليبرالي الاقتصادي المنتشر في الغرب .هكذا فقدت قواها وامتيازها الاجتماعي وفقدت شعوبها ما كان لها من حقوق اجتماعية أُسوة بشعوب الغرب الأوروبي التي فقدتها بتفكيك وتمزيق نموذج دولة الرعاية الاجتماعية ولكن من غير أن تكون قد حظيت بمكتسبات سياسية تذكر نظير التي حصلت عليها الشعوب الغربية .
calendar_month23/09/2022 10:08 am