يعد ياسر عرفات أحد أبرز الشخصيات السياسية والتاريخية في العالم العربي وفلسطين، ورمزًا لنضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال. وُلد ياسر عرفات في 24 أغسطس 1929 في القاهرة، مصر، وكان ينحدر من عائلة فلسطينية من مدينة القدس. نشأ في مصر بعد أن انتقل مع عائلته إلى هناك بسبب الظروف الصعبة التي مرت بها فلسطين آنذاك.

 نشأته ودراسته

نمو ياسر عرفات في مدينة القاهرة كان في بيئة أكاديمية حيث درس الهندسة المدنية في جامعة القاهرة، لكنه كان في الوقت نفسه يتأثر بالأحداث السياسية التي كانت تمر بها المنطقة، وبالتحديد القضية الفلسطينية. كان منذ شبابه مهتمًا بالقضية الفلسطينية، وشهدت فترة دراسته في مصر تفاعلاً قويًا مع الحركات الطلابية العربية التي كانت تنادي بالوحدة العربية وتحقيق استقلال الدول العربية من الاستعمار.

 تأسيس حركة فتح

في أوائل الخمسينات، بدأ ياسر عرفات بتكوين علاقات مع نشطاء فلسطينيين في الخارج، وشارك في تأسيس حركة "فتح" في عام 1959، وهي حركة مقاومة تهدف إلى تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي. كانت حركة فتح تمثل جيلًا جديدًا من النضال الفلسطيني، حيث رفضت الحلول السلمية أو التفاوضية في ذلك الوقت، وتبنت الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير الأرض الفلسطينية.

 قيادته لقوات الثورة الفلسطينية

في بداية الستينات، أصبح ياسر عرفات قائدًا لجماعة فتح، ومن ثم رئيسًا للقيادة الفلسطينية في المنفى. كان يؤمن بضرورة تحقيق الوحدة الفلسطينية، فبدأ بتشكيل قوات الثورة الفلسطينية التي انتشرت في العديد من الدول العربية، خاصة في لبنان وسوريا. وفي عام 1969، أصبح ياسر عرفات رئيسًا للمجلس الوطني الفلسطيني، ومن ثم زعيمًا لمنظمة التحرير الفلسطينية (PLO) التي كانت تمثل الشعب الفلسطيني في كافة المحافل الدولية.

 قيادته لمنظمة التحرير الفلسطينية

من خلال قيادته لمنظمة التحرير الفلسطينية، أصبح ياسر عرفات رمزًا للنضال الفلسطيني في العالم. عمل على تشكيل تحالفات مع مختلف الدول العربية والدول التي تتبنى قضايا التحرر في العالم، وبدأ في السبعينات والثمانينات بتنظيم حملات سياسية ودبلوماسية للحصول على الدعم الدولي للقضية الفلسطينية. في عام 1974، كان ياسر عرفات أول زعيم فلسطيني يتمتع بشرعية دولية عندما ألقى خطابًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة وطلب الدعم لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

 اتفاقات أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية

في عام 1993، حقق ياسر عرفات إنجازًا سياسيًا تاريخيًا من خلال توقيع اتفاق اطار أوسلو المؤقت مع الحكومة الإسرائيلية، التي تم بموجبها الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. 
نصت الاتفاقات على إقامة سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما أتاح قيام السلطة الفلسطينية بشكل فعلي. تم انتخاب ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الفلسطينية في عام 1996، ليكون أول رئيس منتخب للشعب الفلسطيني، وكان الاتفاق ينص على أن يحدث بعد خمس سنوات الاتفاق الشامل واقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ولكن الجانب الاسرائيلي لم يفي بالتزاماته.

 اندلاع الانتفاضة الثانية ودعمه لها

في عام 2000، اندلعت الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما أعقبها من زيارة أرييل شارون للأقصى. وقاد ياسر عرفات الانتفاضة، وأصبح رمزًا للمقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأسس كتائب شهداء الأقصى ودعمها ودعم فصائل فلسطينية أخرى لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال رغم المحاولات المتكررة من قبل إسرائيل لوقفه أو عزله سياسيًا.

 حصاره وتسميمه

في عام 2002، خلال انتفاضة الأقصى، فرضت إسرائيل حصارًا مشددًا على مقر ياسر عرفات في رام الله، حيث كان محاصرًا في المقاطعة من قبل القوات الإسرائيلية لعدة أشهر. في تلك الأثناء، كانت الظروف الصحية لعرفات تتدهور بسرعة، ما أثار شكوكا حول تعرضه للتسميم. في نهاية عام 2004، أُعلن عن وفاته في مستشفى في باريس، بعد تدهور مفاجئ في حالته الصحية.

 استشهاده وتكريمه

توفي ياسر عرفات في 11 نوفمبر 2004، وترك وراءه إرثًا كبيرًا في تاريخ النضال الفلسطيني. تم تكريمه في مختلف أنحاء العالم، وأصبح رمزًا للقضية الفلسطينية وتضحيات الشعب الفلسطيني. لا يزال ياسر عرفات في ذاكرة الفلسطينيين والعالم كرمز للوحدة الوطنية والنضال المستمر من أجل الحرية والاستقلال.
إن ياسر عرفات "أبو عمار" لم يكن فقط قائدًا سياسيًا، بل كان رمزًا للثورة الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وشخصية تاريخية لا يمكن أن تُنسى في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
calendar_month10/11/2024 05:37 pm