بقلم الإعلامي: سليم ناصر 
زلازل تهز الأرض، فيضانات تجتاح اليابسة، أعاصير تعصف بما تبقّى من الأمان، وبراكين تثور كأنها تنتقم...
هكذا تُفتتح رواية جديدة من نظريات المؤامرة التي تُحبك خيوطها في الظلام، وتُروى بتفاصيل لا تخلو من الدهشة والتضليل.
يخرج علينا بين الفينة والأخرى من يزعم أن الكوارث التي يشهدها كوكبنا ليست محض ظواهر طبيعية، بل هي أفعال مُدبّرة، تقف وراءها قوى خفيّة، لا هدف لها إلا إيذاء العالم العربي تحديدًا، وكأنّ هذا العالم هو مركز الكون، وكأنّ العرب وحدهم يملكون مفاتيح المجد فتتهافت الأمم للتآمر عليهم.
آخر هذه الروايات بدأها شاب مصري، ادّعى أنه قبطان، رغم أن ملامحه وعمره الذي لا يتجاوز الخامسة والعشرين بالكاد يسمح له بقيادة قارب صغير، فضلاً عن سفينة. زعم هذا الشاب أن بحار العالم تشهد "نشاطات غير طبيعية"، ليست بفعل الطبيعة، بل نتيجة تدخل الإنسان، وقد رصدها هو نفسه—لا عبر أقمار صناعية ولا محطات رصد حديثة—بل باستخدام أدوات بدائية على متن قاربه المتواضع!
ولعلّ ما يثير الدهشة أكثر من الزعم ذاته، هو حجم التصديق الذي حظي به، والتعليقات التي انهالت كالسيل، تارة تتحدث عن الدجال، وتارة عن علامات الساعة، وتارة أخرى عن الشيطان الذي بدأ يخرج من مكامنه، وكأننا في أحد فصول نهاية الزمان كما تصوّرها أفلام الخيال المظلم.
لكن لنتوقف لحظة ونناقش بهدوء وعقلانية:
هل يُعقل أن يكون البحر الأبيض المتوسط، وهو بحر شبه مغلق، مسرحًا لموجات تسونامي عاتية؟
التسونامي، في أبسط تعاريفه العلمية، ظاهرة بحرية تتولد في المحيطات المفتوحة، لا في البحار الداخلية المحدودة.
وإذا كان ثمة جهة "تتحكم" بالمناخ وتفتعل الكوارث، فلماذا تُوجّه هذه الهجمات نحو البلدان العربية فقط؟
ألا يجدر بها، من منطق مصلحة الأذى، أن تستهدف مراكز القوى العالمية، أي الدول الأوروبية التي تملك ما يستحق الإضرار به من ثروات وبنى تحتية ومكانة حضارية؟
الحقيقة أن هذه النظريات لا تستند إلى عقل، ولا تقوم على منطق. إنها محض خيال يُغذيه الشعور بالعجز، ويُضخّمه الفراغ العلمي، ويجد صداه في أوساط اعتادت تعليق خيباتها على شماعة الآخر.
نحن في زمنٍ صارت فيه الكلمة أسرع من الرصاصة، والإشاعة أقوى من الحقيقة. عصرٌ يُمكن فيه لأي شخص أن يصعد على منصة رقمية ويعلن نهاية العالم، فيجذب آلاف المتابعين والمصدّقين.
إن أخطر ما في هذه الظاهرة ليس التضليل فحسب، بل ترويج ثقافة الاستسلام، إذ تجعلنا نرى أنفسنا ضحايا أبديين، وتُبعدنا عن مسؤوليتنا الحقيقية في الإصلاح، والبحث، والعلم، والعمل.
فما أحوجنا، اليوم، إلى عقلانية تنقذنا من فوضى التأويل، وعلمٍ يُضيء عتمة الجهل، وإيمانٍ حقيقي بأن ما يُغيّر مصير الأمم ليس المؤامرات، بل العقول الواعية والقلوب المؤمنة بالفعل لا بالكلام.
calendar_month06/07/2025 01:04 pm