ما زالت جمهورية الصين الشعبية تتقافز بسرعة مثالية نحو قيادة العالم ومنافسة الولايات المتحدة الامريكية إقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً.وهذا تعبير عن القوة بمعناها الاستراتيجي.وهي تقوم على تجميع مواقف إيجابية ونقاط لصالح جمهورية الصين الشعبية. 
ومن خلال متابعة ما تقوم به جمهورية الصين الشعبية ،وما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية ،نرى أنَّ حاصل نقاط القوة الصينية يتعاظم بسرعة ،في حين أن حاصل نقاط قوة الولايات المتحدة الأمريكية يتضاءل بشكلٍ ملحوظ ،جراء مبالغة الولايات المتحدة في قوتها التي بدأت تمر في حالة الوهن ،ولأنها كانت وما زالت تعتمد بشكلٍ مفرط على جبروت القوة بمعناها المادي والموضوعي الملموس في إدارة سياساتها الخارجية، من دون أن تولي الاهتمام المناسب والكافي لقوتها الناعمة واستخدامها كرافعة لسياساتها المتبعة وعلاقاتها مع الدول الأخرى في معظم دول العالم .في حين أنَّ جمهورية الصين الشعبية تلتزم مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وتطلق المشاريع والمبادرات الاقتصادية التنموية والعالمية من دون شروط مسبقة ،أو فرض سياسات معينة لها اتجاهاتها ورؤاها ،مثل مبادرة (طريق واحد وحزام واحد) التي تربط جمهورية الصين الشعبية بالعالم من خلال مشاريع تنموية عملاقة، وهي مبادرة طموحة أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013م ،تهدف إلى تطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من ستين بلداً من بلدان العالم .  
تحاول جمهورية الصين الشعبية من خلال هذه المبادرة توثيق الروابط التجارية والاقتصادية بين قارة آسيا وقارة أوروبا وقارة إفريقيا.وتتضمن المبادرة تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز وإنترنت وبنى تحتية بحرية وخطوط طاقة كهربائية ،ما يعزز اتصال جمهورية الصين الشعبية بالقارة الأوروبية والإفريقية.وفيما يتعلق بالطريق البري تشمل المبادرة بناء ممر جديد يصل قارة آسيا بقارة أوروبا، ويترافق ذلك مع تطوير ممرات اقتصادية استراتيجية تربط الدول الآسيوية بأوروبا، ومن الممرات البرية المقترحة، ممر الشمال، من جمهورية الصين الشعبية إلى آسيا الوسطى، ثم إلى روسيا فأوروبا وصولا إلى بحر البلطيق.وممر بري من جمهورية الصين الشعبية إلى الخليج العربي والبحر المتوسط، عبر وسط وغرب آسيا.وممر ثالث من جمهورية الصين الشعبية إلى جنوب وشرق آسيا، ومن ثم جنوب آسيا، وصولا إلى المحيط الهندي.
وبالبحر تركز المبادرة على بناء روابط بين الموانئ البحرية الرئيسية، ومن الممرات البحرية المقترحة ممر يربط الموانئ البحرية الصينية بالمحيط الهادئ عبر بحر الصين الجنوبي. وممر أخر يربط الموانئ الصينية بالقارة الأوروبية .
وفي إطار (حزام واحد - طريق واحد) أسست جمهورية الصين الشعبية صندوقاً استثمارياً برأس مال يقدر بمئات المليارات من الدولارات لتمويل تلك المشاريع الضخمة جداً.كما تهدف المبادرة إلى تعزيز الحوار والتواصل مع الآخر،ومبادلات العملة والتواصل الشعبي. وتضخ هذه المبادرة دماء حيوية ونبضاً عصرياً جديداً لطريق الحرير،وللتعاون الآسيوي والأوراسي.ومن الواضح أنَّ الرئيس الصيني شي جين بينغ تعهّد بتمويل ضخم للمبادرة يشمل مائة مليار يوان إضافية (14.5 مليار دولار) للصندوق، و380 مليار يوان قروضاً من بنكين كبيرين، وستين مليار يوان مساعدات للدول النامية، والمؤسسات الدولية في دول طريق الحرير الجديد.كما شجَّع الرئيس الصيني شي جين بينغ ويشجع المؤسسات المالية الضخمة جداً على التوسع بأنشطة التمويل باليوان في الخارج بما يصل إلى 300 مليار يوان. (الدولار = 6.8972 يوان صيني).
ويشير (طريق واحد وحزام واحد) إلى مكان يعرف تاريخياً بطريق الحرير القديم عبر مئات السنين ،وهو عبارة عن شبكة طرق تجارية تمر عبر جنوب آسيا لتربط الصين بدول جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط وصولاً إلى بلاد القوقاز وتركيا ، إضافة إلى أن جمهورية الصين الشعبية لا تبالغ أبداً بقوتها العسكرية الضخمة ولا تستخدمها ضد الآخرين لفرض قيم وسياسات محددة، ولا تمارس سياسة العصا ولا سياسة العصا والجزرة كما تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال حصار ومعاقبة الدول التي ترفض الرضوخ لإملاءاتها وإراداتها ،ولم تخض حروباً دموية تكلفها آلاف الأرواح ومليارات الدولارات، أو تخرج منها مهزومة على الإطلاق . 
في إطار الواقع المترهل ،وفي إطار المنازلة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية لاعتلاء قمة النظام العالمي وهرمه الأعلى ،يعتبر الانسحاب العسكري الأمريكي السريع من أفغانستان بالشكل الذي تم فيه وترك خلفه فوضى عارمة ، وسط تخبط المسؤولين الأمريكيين الكبار،شكّل فشلاً ذريعاً للولايات المتحدة الأمريكية ، رافقها انهيار الجيش الأفغاني الذي كلّف تدريبه وتسليحه عشرات المليارات من الدولارات أمام حركة ( طالبان ) الدينية من دون طلقة واحدة، وهذه أيضاً نقطة مهمة تضاف إلى رصيد جمهورية الصين الشعبية، لأنها تمثل خطوة كبيرة وهامة نحو تراجع دور ومكانة الولايات المتحدة الأمريكية .
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد ( جوزيف ناي) والمسؤول السابق في إدارة الرئيس اللأسبق بيل كلينتون في أحد كتبه الهامة ،إن جمهورية الصين الشعبية تمثل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة الأمريكية من أجل الهيمنة والسيطرة على العالم ،ويقول أيضاً :(الولايات المتحدة لم تعد الوحيدة التي لا جدال فيها قوة عظمى في كل مجال)، ويضيف: (إنَّ التفكير بالقوة العسكرية الأمريكية وحدها لن يكون كافياً أبداً ،علينا أن نفكر بالقوة على أنها تحقيق لأهداف مشتركة تنطوى على قوة الآخرين، ففي كثير من الشؤون الهامة والقضايا الدولية يمكن أن يساعد تمكين الآخرين، الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق أهدافها ومراميها ) .المشكلة التي تتحكم بالعقل السياسي الأمريكي موجودة في رأس الهرم والكونغرس والبنتاغون ، وأيضاً المشكلة التي تتحكم بالعقل السياسي الأمريكي هي أنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في أواخر تسعينات القرن الماضي، أصيب بجنون العظمة الذي يرى في القوة العسكرية وجبروتها وسيلة وحيدة للإمساك بناصية النظام العالمي والتحكم به ، ورفض شراكة الآخرين فيه على الإطلاق . 
الفشل الأمريكي الذريع في أفغانستان .لا يمكن تبريره كما حصل، إلا الواقع الأمريكي الذي يصل إلى حد الكارثة الاستراتيجية، وحالة الضعف والوهن، وهو ما تجده جمهورية الصين الشعبية نقطة جديدة تضاف إلى رصيدها، وهي فرحة بذلك ، ولكن بصمت أو دون أدنى ضجيج.
calendar_month16/09/2021 08:35 am