
لقد مضت قدماً حكومة يمين اليمين الصهيوني، بزعامتي نفتالي بينت ولابيد، في تنفيذ خططها الإستيطانية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي لن يكون آخرها ما أعلنت عنه وأقرته مؤخرا هذه الحكومة الموغلة في اليمين والتطرف، والذي يتم بموجبه الآن (بناء 3000 مسكن للمستوطنين) في عمق أراضي الضفة الغربية المحتلة، دون أي اكتراث من هذه الحكومة لكافة المناشدات والإنتقادات والتحذيرات، التي وجهت إليها سواء من السلطة الفلسطينية، أو من الأطراف العربية والدولية، وفي مقدمتها من قبل الإتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية، ومن قبل وزير الخارجية الأمريكية بلنكين مباشرة عبر إتصال هاتفي شديد اللهجة، كما وصفته المصادر الإسرائيلية، والذي حمل صفة الإنذار لهذه الحكومة، مؤكدا على موقف إدارته التي تعتبر الإستيطان عقبة في طريق السلام، وخاصة منها مشروع حل الدولتين، التي لازالت الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جوبايدن تعتبره الحل الأنسب للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يبدو أن بعضنا، وبعض الأشقاء، وكذلك كافة الدول الإقليمية، والقوى الدولية الوازنة، وفي مقدمتها الدائمة العضوية في مجلس وخاصة الولايات المتحدة، تجهلُ أو تتجاهلُ حقيقة الكيان الصهيوني، سواء كانت تحكمه حكومة يسارية أو يمينية، فإن الإستيطان بالنسبة لها يمثلُ ركنا اساسيا دائما في فكرها، وفي برامجها وفي سياساتها، إن لم تكن كذلك فإنها لن تكون صهيونية، والصهيونية هي الاساس الأيديولوجي والفكراني، لكافة النخب المؤسسة والحاكمة من بعد للكيان الصهيوني، فلا يمكن تصور الصهيونية بدون استيطان أرض الغير، أرض الفلسطينيين واستمرار التوسع فيها، ومن بعد وعلى المدى الطويل لا قدر الله، في أي أرض عربية قد تتمكن من احتلالها، كما هو جارٍ في استيطان الجولان العربي السوري المحتل.
كافة الحكومات التي تعاقبت على حكم الكيان الصهيوني، سواء كانت يسارية أو يمينية، حكومات حزب العمل والماباي اليساري وحكومات حيروت والليكود اليمينيين، قد مارست جميعها سياسات الإستيطان والتوسع الإستيطاني في الأراضي الفلسطينية والعربية.
عند إقامة الكيان الصهيوني سنة 1948 م، لم يكن يملك اليهود من الأرض التي سيطرت عليها العصابات الصهيونية أكثر من 6% من مساحتها، وماعدا ذلك كان ملكية فلسطينية خالصة، مما اضطر الحكومات المتعاقبة، على العمل على نزع الملكيات الخاصة للفلسطينيين سواء من المهجرين منهم، أو حتى من المقيمين المواطنين الفلسطينيين الصامدين داخل الكيان الصهيوني، بذرائع شتى، والنتيجة هي بناء المستوطنات اليهودية المختلفة عليها، يضاف إلى ذلك استمرار سياسات التهجير الداخلي للعديد من القرى والمدن الفلسطينية في الجليل والكرمل والمثلث والنقب، والعمل على تهويدها ديمغرافيا ببناء المستوطنات عليها، كما تسعى اليوم لتهويد مدينة القدس منذ احتلالها عام 1967م وتغيير طبيعتها السكانية، وأيضا تسعى إلى تهويد مدينة الخليل، من خلال نشر المستوطنات فيهما وفيما يجاورهما من أراضي تعود ملكيتها الخاصة للفلسطينيين، والسيطرة على الحرم الإبراهيمي في الخليل وعلى المسجد الأقصى في القدس، كل ذلك يأتي في سياق هذه السياسات الإستيطانية الإحلالية التوسعية العنصرية.
إن الإستيطان في أرض فلسطين عقيدة صهيونية، فلا يوجد صهيونية بدون استيطان وعنصرية، واخلاء الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم، هي أيضا عقيدة وسياسة صهيونية، وممارسة سياسات التفوق والقمع والإجرام، في حق الفلسطينيين شعبا وأرضا أيضا هي عقيدة صهيونية ..، ملزمة لكافة النخب السياسية التي تتولى دفة الحكم في الكيان الصهيوني، وممارستها ومزاولتها بالطرق التي تراها مناسبة، وتحقق غايات وأهداف الحركة الإستعمارية الصهيونية العنصرية التوسعية الإحلالية ....!
الصهيونية هي حركة استعمارية إحلالية توسعية عنصرية، هكذا ولدت وهكذا أنشئت، وعلى هذا الاساس أقامت كيانها على أرض فلسطين، وتمت رعاية مشروعها هذا من قبل القوى الإستعمارية الغربية المعروفة، واستمرت ويستمر كيانها المسمى (دولة إسرائيل) على هذه الأسس العقائدية، مهما حاولت أن تتجمل وتتمظهر ببعض المظاهر (الديمقراطية) والخاصة فقط باليهود فقط من مواطنيها، فهي كيان عنصري بإمتياز (كيان ابارتهايد جديد) يكرس هذه الصورة عنه وعن هذا الواقع في نظمه وقوانينه، التي ترعى بناءه المؤسساتي وتركيبته السياسية والقانونية والديمغرافية.
النتيجة أن شعبا مؤلف من المستوطنين اليهود الوافدين من شتى بقاع الأرض، يفرض سيطرته وتحكمه وقبضته الحديدية على أرض فلسطين وشعبها، سواء في الأراضي المحتلة عام 1948م، أو في الأراضي المحتلة عام 1967 م، سواء منها الفلسطينية، أو العربية السورية التي أعلن عن ضمها هي الأخرى لكيانه، ويقيم فيها مستوطناته اليهودية العنصرية كيف يشاء.
هل يحتاج العالم إلى براهين أكثر وضوحا على الطبيعة العنصرية للحركة الصهيونية وكيانها الإستعماري المسمى (دولة إسرائيل)....؟!
الشواهد على ذلك تقدمها يوميا حكومة بينت لابيد حاليا، كما قدمتها من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة عليها منذ النشأة الأولى لها عام 1948 م، ولم تتغير بل تزداد حدة وتحديا واستعلاء على القانون الدولي، وعلى قرارات الشرعية الدولية، وتؤكد رفضها لكافة المواقف والقرارات الدولية الشاجبة والمنتقدة لسياساتها، تجاه الشعب الفلسطيني، وتواصل تحديها لقواعد القانون الدولي، وتواصل ارتكابها لسلسلة المجازر قديما وحديثا في حق الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض الأصلي وصاحب الوطن الأصلي، الذي يفتقد ويسلب أبسط حقوقه الإنسانية والسياسية والقانونية في وطنه في ظل سيطرت الكيان الصهيوني عليه وعلى أرضه.
إن القرارات التي لا تجد طريقها للتنفيذ، والبيانات المنتقدة والشاجبة لأفعال إسرائيل لن تجدي نفعا مع هذا الكيان، ولن توقف تغوله على الشعب الفلسطيني وعلى حقوقه الثابتة وغير القابلة للتصرف ..
آن للمجتمع الدولي أن يتوقف عن الكيل بمكيالين، آن له تفعيل العقوبات الرادعة والزاجرة في وجه الكيان الصهيوني، لمواجهة مواقف واجراءات الكيان الصهيوني العنصرية والتوسعية، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف في وطنه، بما يحقق العدل والسلم والأمن في منطقتنا العربية وفي العالم، ونكرر دعوتنا للدول الشقيقة والصديقة التي تقيم علاقات مع (دولة إسرائيل)، أن تربط استمرار علاقاتها وتطويرها معها بمدى احترامها لقواعد القانون الدولي، ومدى التزامها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بشأن الحقوق الفلسطينية والعربية، واحترامها لحقوق الإنسان الفلسطيني من حق العودة إلى حق الحرية والمساواة، وذلك صونا للأمن والسلم والإستقرار في المنطقة وفي العالم، بما ينعكس ايجابا على مصالح الجميع والمجتمع الدولي.
لذا نقول ونؤكد أن بيانات الشجب والإستنكار والإنتقادات الدولية المختلفة وحدها غيرُ كافية لوقف تصرفات وسياسات حكومة الكيان الصهيوني، سواء في شأن الإستيطان أو في شأن غيره من انتهاكات يومية لحقوق الإنسان الفلسطيني تجري أمام سمع وبصر العالم، فإنها غير كافية ولن توقف هذه الممارسات الإسرائيلية العنصرية، التي يرتقي توصيفها إلى جرائم حرب موصوفة يعاقب عليها القانون الدولي والداخلي للعديد من الدول التي تحترم حقوق الإنسان.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض 31/10/2021 م
Pcommety@hotmail.com