اجتاز العراق بعد صراعات ونزاعات اتسمت بالدامية مرحلة التأزم الحكومي التي عاشها على مدار أكثر من عام كامل ، بعد نجاح الفرقاء السياسيين والكتل الحزبية في اختيار رئيس للعراق ، والمصادقة على حكومة تدير البلاد المتعثرة في قضايا عديدة وملفات كثيرة، لكن ذلك ليس نهاية المطاف، إذ إن الحكومة الناشئة برئاسة محمد شياع السوداني، محدّدة بسقف زمني قريب من عام واحد فقط ، قبل اللجوء إلى انتخابات برلمانية مبكرة قبل نهاية عام 2023، لذا فإن البرنامج الطموح الذي وضعه محمد شياع السوداني لانتشال البلاد من كبوتها ومن مآزقها، لا يجد الوقت الكافي لتطبيقه واقعاً على الأرض، في ظل التحديات الكبيرة ، منها: تسلّمه السلطة على بحر من الفساد والفاسدين والمفسدين الذي أسّسه متنفذون وأصحاب قرار في أروقة الحكم وميليشيات، إضافة إلى الصراعات والنزاعات ، الإقليمية والدولية المستمرة دون توقف، التي اتخذت من العراق ساحة خلفية لتصفية حساباتها .
 تسلم الرئيس محمد شياع السوداني إدارة البلاد من سلفه مصطفى الكاظمي، الذي وضع خلال فترة ولايته مجموعة من السياسات وحزم القرارات والقوانين التي اعتزم تنفيذها، منها إنهاء التدخلات الخارجية، وضرب الفساد والمفسدين ، والحفاظ على الحقوق الوطنية والقومية العراقية من الأطماع الخارجية، ومحاسبة كل من سفك دماء الناس الأبرياء ، لكنه واجه مقاومة عنيفةً وشرسة من لوبيات تقودها أطراف وجهات خارجية لإفشاله وعدم تمكنه من تحقيق أهدافه، ليتعثر في مواطن كثيرة، وينجح فيى بعضها الآخر ، لكن لم ترقَ خطواته إلى مستوى كبير يرضي الشعب العراقي الذي ينشد الأمن والأمان والاستقرار والعدالة في توزيع الثروة، في ظل تأزم عميق على كافة المستويات، وكان آخرها، صراع الفرقاء الذي أجل الاتفاق على رئيس وحكومة العراق لفترةٍ طويلةٍ، حدث خلالها ما لم يتوقع ولا تحمد عقباه، بعدما وقع عشرات القتلى والجرحى في تظاهرات عارمة خرج بها اتباع مقتدى الصدر لتحريك المياه الراكدة في البلاد ، لتنتهي ولايته كما بدأت. فعندما تسلم إدارة الحكم جاء لينهي حالة نزف الدم من التظاهرات المطالبة بالتغيير بشكلٍ إيجابي، وعندما قارب على تسليم سدّة الحكم سُفكت الدماء وسحبت أجساد الشباب والفتيات في الشوارع من جديد، لتعود بلاد الرافدين إلى المربع الأول كما كانت عليه.

رئيس الحكومة الحالي يسير أيضاً على خطى ونهج الكاظمي، لكن ببرنامج أشمل وأوسع، هدفه إصلاح القطاعات الاقتصادية والمالية والخدماتية ومعالجة الفقر والحرمان والبطالة، والتصدي للفساد الإداري والمالي الذي انتشر بشكلٍ مخيف، ووقف هدر المال العام وسرقته ، ومكافحة التضخم وخفض الأسعار، والعمل على تثبيت وإرساء الأمن والاستقرار في العراق، وتنفيذ القانون بشكلٍ صارم، وتعزيز هيبة الدولة، وتلبية مطالب المحتجين، واستصدار تشريعات ناظمة جديدة لقانون انتخابات مجلس النواب العراقي ، كما أنه بصدد مراجعة القرارات التي أصدرتها حكومة سلفه التي اعتبرت قرارات عشوائية وغير مدروسة ، وبالفعل فإنه قرر إعفاء عدد من المسؤولين في أجهزة حكومية عُيّنوا في عهد الكاظمي ومحاسبة بعضهم .

وعلى الرغم من السعيةالحثيث إلى جعل العراق أفضل، إلا أن ثمة معضلة أعمق في العراق، تتعلق بنظام المحاصصة الذي نشأ في العام 2003، على يد الجنرال الأمريكي بريمر ولا يزال يدخل البلاد في نفق مظلم لا ضوء في نهايته، حيث تسبب في تشظي المكونات العراقية وانقسامها ، لمصالح حزبية ضيقة جداً ، لذا فإنّ من مهمة أي رئيس وزراء العمل على بشكلٍ جاد وبصدق كبير على معالجة جذور المشكلة قبل التصدي لآثارها واستحقاقاتها.
ومن أجل ذلك يجب العمل الجاد على تغيير هذا النظام بالدرجة الأولى ،ثم قطع (رأس الأفعى وذنبها) أي قطع الأيادي الخارجية العابثة، وكل من يدعمها فيوالداخل العراقي، ومحاسبة صارمة لكل من نهب ثروات الدولة وخيراتها ،وجعل الشعب يتسول حقوقه من عدالة ومساواة وأمن واستقرار وحرية ، ومن دون ذلك، فإن أي برنامج أو مشروع لن يكتب له النجاح، وستكون الحكومات مهما كانت صفاتها كطير، بلا أجنحة، تحاول الطيران لكن دون جدوى .
calendar_month08/11/2022 09:09 pm