عندما ابتدأنا دراسة علم الاقتصاد، كان واحد مما واجهنا في تعريفات علم الاقتصاد، بانه: "العلم الذي يهتم بمشكلة الموارد النادرة أو المحدودة واستعمالها على نحو يسمح بالحصول على أكبر إشباع لحاجات المجتمع غير المحدودة. و بعبارة أخرى علم إدارة الموارد المحدودة لتلبية حاجات غير محدودة."
هذا التعريف ربما دفعني لاختيار تعبير: اقتصاد الندرة، في شطر عنوان المقال.
وبالطبع، فإن لهذا التعريف فلسفته في الفهم والسلوك الاقتصادي على مستوى القائمين على الإدارة الاقتصادية من متخصصين وساسة ومفكرين، أو على مستوى الفرد، منتجاً أو مستخدماً أو مستهلكاً. وقد كان لهذه الفلسفة وهذا الفهم آثاره الكبيرة في التعامل مع الموارد الاقتصادية المتاحة، والمحدودة حسب هذا الفهم. وهكذا راح ذلك الاقتصاد يضع خططه وحساباته في ضوء كميات واحجام تلك الموارد المحدودة ومقابلتها بحاجات الانسان المتنامية، جاهداً نفسه لتفادي عدم الكفاية والشحة والعجز من خلال استخدامها المقنن والكفوء. وفي هذا المقام يحضرني المفهوم الشائع لغوياً بوجوب: الاقتصاد بالموارد، بمعنى ترشيد استخدامها والتقليل من استهلاكها والتبذير فيها. وهذه مسألة لا غبار عليها، بالطبع، وبالتالي فاننا يحق لنا تسمية ذلك الاقتصاد، باقتصاد الندرة، والذي كان النمط السائد في فهمه في النظم الاشتراكية وذات مركزية الادارة والاقطاعية.
أما الفهم الآخر للاقتصاد في فلسفته ومواقفه وآلياته فهو ما أطلق عليه مصطلح: اقتصاد الوفرة! والذي يعني ذلك الاقتصاد الذي يتعامل مع الموارد المتاحة بروح التثمير وايجاد البدائل من خلال الاكتشافات والاختراعات الجديدة وتطوير العلوم والتقنيات، مستجيباً لتطور حاجات الإنسان ومؤثراً فيها وساعياً الى التقدم عليها. بيد ان هذا النمط من الاقتصاد، والذي يشكل عنصر السباق مع الزمن فيه عنصراً حيوياً، وجدناه في الاقتصادات اللامركزية والرأسمالية ذات المبادرات الفردية، والذي لا يخلو من أزمات سواء على مستوى العدالة الاجتماعية أو البيئية أو صحة الانسان أو دوافع الهيمنة والاستعمار وغيرها مما لا يتوقعه الإنسان ولا يكن عنده في الحسبان.
ان هذا النمط من الاقتصاد يكون مدعاة للابداع والابتكار ومحفزاً للتطوير والتطور من خلال المنافسة في تثمير الموارد وايجاد البدائل. وربما شهدنا، في اطار هذا الاقتصاد، سفراً في اعماق الكون في مواردها وأزمانها المختلفة!

وفي الختام اقول: سيبقى الإنسان الطيب في انتظار اقتصاد وفرة لا تدفع بمسوقيه الى ظلم الانسان الآخر في حياته وصحته وعيشه وكرامته وحقوقه المشروعة.

برلين، 17.11.2022
calendar_month18/11/2022 09:45 pm