الحياة برس - في مناسبة احتفاله بعيد ميلاده المئة، ما زال هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، يتلقى اهتمامًا واحترامًا من قادة العالم، ويقدم نصائحه المتقنة في الشؤون الجيوسياسية، فهو يثير الإعجاب والانقسام في الوقت ذاته.
فبينما يرى البعض أن كيسنجر هو رجل ذو رؤية استثنائية، يعتبره آخرون "مجرم حرب". ومع ذلك، فإن الدبلوماسي "الحكيم"، بقامته المحنية ونظارته الشهيرة، لا يزال نشيطًا.
احتفل الوزير السابق بمناسبة بلوغه المئة عام في حفل تكريمي أقيم في نادي نيويورك الاقتصادي الراقي. وقد قام بإطفاء الشموع على كعكة من الشوكولاتة.
وعلى الرغم من أنه لم يعد يظهر علنًا إلا نادرًا وعبر الفيديو، مثل حضوره في منتدى دافوس في يناير الماضي، إلا أن استمرارية تأثيره على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في القرن العشرين تعد استثنائية.
وفي أحدث تصريحاته، رأى كيسنجر أن سياسة الرئيس الحالي جو بايدن لا تختلف كثيرًا عن سياسة سلفه دونالد ترمب فيما يتعلق بالصين. وأشار إلى أن السياسة تتمثل في الاعتبار الصين منافسًا والحصول على تنازلات منها لمنعها من تحقيق أهدافها الاستبدادية.

وأكد أن الصين تمثل خطرًا خطيرًا على الولايات المتحدة بسبب قوتها ونفوذها. ودعا إلى الحوار مع الصين للتصدي لهذا الخطر، مؤكدًا أن الولايات المتحدة يجب أن تبتعد عن العداء اللاحق وتسعى إلى تحقيق حوار بناء. وأشار إلى أن أهم حوار يمكن أن يحدث حاليًا هو الحوار بين زعماء الولايات المتحدة والصين، للتوصل إلى تفاهمات تقلل من احتمالية نشوب صراع عسكري بين الدولتين.

وعبر عن دعمه لموقف بلاده المؤيد لأوكرانيا في الملف الروسي الأوكراني، محذرًا في الوقت ذاته من خطورة خسارة روسيا في هذه الحرب. واعتبر أن عرض أوكرانيا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان خطأً فادحًا وأدى إلى تصاعد التوترات. وشدد على ضرورة مراعاة حجم وتاريخ روسيا، والتعامل معها بشكل يقلل من العداء الأوروبي والغربي المتصاعد تجاهها.

وحذر من أن الصراع المحتمل بين الولايات المتحدة والصين، نظرًا للقوة العسكرية الحالية لكلا الجانبين، يمكن أن يشكل تهديدًا للحضارة وأن يؤدي إلى تدميرها.

ويرتبط اسم هنري كيسنجر، الذي شغل منصب وزير الخارجية ومستشار للأمن القومي للرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، بتحولات هامة في السياسة العالمية. فقد كان أحد رواد الدبلوماسية الأمريكية في عصر الحرب الباردة، وتعتبر رؤيته البراغماتية للعالم نوعًا من "السياسة الواقعية" الأمريكية.

وعلى الرغم من إسهاماته البارزة في الدبلوماسية وحصوله على جائزة نوبل للسلام، فإن صورة كيسنجر لا تزال مرتبطة بصفحات مظلمة في تاريخ الولايات المتحدة، مثل دعمه لانقلاب 1973 في تشيلي وتدخله في تيمور الشرقية عام 1975، بالإضافة إلى الدور الأمريكي في حرب فيتنام.

تاريخ هنري كيسنجر يعود إلى عام 1923 عندما ولد في بافاريا لعائلة يهودية ألمانية. وفي سن الخامسة عشرة، هاجر إلى الولايات المتحدة مع عائلته، وحصل على الجنسية الأمريكية في سن العشرين.

دخل كيسنجر عالم الاستخبارات العسكرية والجيش الأمريكي، ثم بدأ دراسته في جامعة هارفارد حيث كان طالبًا متميزًا ومدرسًا أيضًا.

اكتسب كيسنجر شهرة دولية عندما دعاه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لشغل منصب مستشار للأمن القومي ثم وزير الخارجية في عام 1969. واستمر في هذين المنصبين حتى عام 1977، وظل يعتبر سيد الدبلوماسية الأمريكية خلال تلك الفترة.

وتميزت فترة كيسنجر بتحسين العلاقات مع الاتحاد السوفياتي والصين، حيث أجرى مفاوضات سرية وزيارات تاريخية لموسكو وبكين. وقد تولى أيضًا مفاوضات السلام مع فيتنام وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، مما أدى إلى منحه جائزة نوبل للسلام في عام 1973.

باختصار، هنري كيسنجر هو شخصية دبلوماسية بارزة شكلت السياسة الخارجية الأمريكية في فترة الحرب الباردة، وعلى الرغم من بعض الانتقادات والجدل المحيط به، لا يمكن إنكار الدور الهام الذي لعبه في التوصل إلى تحسينات في العلاقات الدولية والتخفيف من حدة التوترات بين الدول.




.
calendar_month27/05/2023 12:45 pm