واهم من يظن أو يعتقد أن السلام والأمن والإستقرار في المنطقة العربية والشرق أوسطية عامة، ممكن أن يتم ويستمر دون حل القضية الفلسطينية حلا عادلا يؤدي إلى تنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية ودون تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حق تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
إن كافة اتفاقات السلام والتطبيع العربية الإسرائيلية الثنائية التي سبق أن وقعت من قبل بعض الدول العربية والمستعمرة الإسرائيلية لم تؤدي إلى السلام الحقيقي الكامل والمنشود والمبني على اسس الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي العام الثابتة والراسخة والتي تحظى بتأييد الغالبية العظمى من شعوب ودول العالم وخاصة شعوب ودول العالمين العربي والإسلامي ودول عدم الإنحياز وغيرها...
لقد كانت كافة الإتفاقات التطبيعية الإبراهيمية المزعومة اتفاقات عرجاء لتجاوزها القضية الفلسطينية فلم تثمر أمنا ولا استقرارا ولا تنمية ولا سلاما حقيقيا بين تلك الدول والشعوب مع المستعمرة الإسرائيلية ..
إن جوهر الصراع القائم في المنطقة يقوم على اساس إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية الذي يحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
إن مثل هذه الإتفاقات العرجاء لن تثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة ثباته وصموده ونضاله بشتى الوسائل السياسية والقانونية والمدنية وغيرها حيث أمكن حتى يفرض الحل العادل لقضيته وينتزع حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف من أي جهة كانت ..
إن جميع الإتفاقات الموقعة سابقا وغيرها مما هو في طريقه للتوقيع حتى لو شملت كافة الدول العربية والإسلامية فإنها لن تأتي بالأمن والسلام، لأن الشعب الفلسطيني هو وحده القادر على فرض السلام الحقيقي حين يتمتع بحقوقه الشرعية كاملة، فهو فقط الذي بيده الورقة الرابحة وليس بيد غيره وهو الذي يمكن أن يمنح الكيان الصهيوني الأمن والسلام اذا تم التسليم له بحقوقه المشروعة والثابتة وغير القابلة للتصرف فقط لا غير ..
فهو القادر على صنع سلام حقيقي وليس غيره.
فهل تستطيع المفاوضات والجهود الديبلوماسية الجارية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من أجل التوصل إلى إتفاق تطبيع وسلام بين المملكة العربية السعودية والمستعمرة أن تتجاوز حدود اتفاقات التطبيع والسلام الثنائية التي سبق أن وقعت مع الدول العربية بدءًا من اتفاق كامب ديفيد مع مصر ووادي عربة مع الأردن واوسلو مع م.ت.ف وانتهاء بإتفاقات التطبيع مع كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان ..
وذلك بأن تشتمل على حل القضية الفلسطينية حلا عادلا كما أشرنا أعلاه..
أم ستكون مجرد نسخة محسنة من اتفاقات التطبيع الثنائية التي سبقتها إليها بعض الدول العربية وتبقى في دائرة السلام الأعرج والناقص وغير المكتمل والذي لا يمكن له أن يأتي بالأمن والسلام الحقيقيين للمنطقة والذي من شأنه أن يؤدي إلى السلام و الإستقرار والأمن والتنمية والإزدهار في المنطقة ..
حسب تصريحات وتسريبات أطراف التفاوض تشير في معظمها إلى أن القضية الفلسطينية سوف تكون جزء أساسي في الإتفاق الشامل المزمع التوصل إليه، وهذا ما نتمناه لوضع حدا لحالة الإستقطابات والمحاور الإقليمية المختلفة التي استغلت الصراع العربي الإسرائيلي لأجنداتها الخاصة، دون فرض تسوية عادلة ومقبولة إلى غاية الآن، اعتقد أن المملكة العربية السعودية بما تمثله من ثقل اقتصادي وسياسي وديبلوماسي ومعنوي عربي واسلامي ودولي قادرة على فرض المطالب العربية والفلسطينية وهي بالفعل تمسك بالورقة الرابحة في هذا الشأن فهي صاحبة مبادرة السلام العربية وهي التي تتصدر موقع الريادة والقيادة العربية اليوم وهي رئيسة القمة العربية والجامعة العربية حاليا وهي المؤهلة فعلا بكل الإمكانيات لفرض مطالبها والمطالب العربية والفلسطينية، ولكن يبقى السؤال قائما اذا حصل التفاهم والتوافق السعودي الأمريكي بهذا الشأن فإنه سيكون أهم إتفاق دولي منذ نهاية الحرب الباردة كما وصفه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في حديثه مؤخرا مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية ..
وهذا كله يعتمد على مدى قدرة الولايات المتحدة الأمريكية في الضغط على الإئتلاف الحاكم في المستعمرة الإسرائيلية للإستجابة إلى الشروط العربية السعودية التي اعلنتها على لسان المسؤولين السعوديين وخاصة سمو وزير الخارجية فيصل بن فرحان وما صرح به أيضا سعادة السفير السعودي نايف السديري أثناء زيارته لفلسطين خلال مراسم تقديم أوراق اعتماده سفيرا فوق العادة لدى دولة فلسطين وقنصلا عاما للمملكة العربية السعودية في القدس...
اذا الأيام والشهور القادمة وجولات المباحثات الجارية والمستمرة وبدون توقف وما ستتوصل إليه كما صرح به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلته المشار إليها إنها ستكون أهم اتفاق دولي منذ نهاية الحرب الباردة .. لنرى إلى أين ستصل هذه الجهود الديبلوماسية السعودية المكثفة مع الأطراف الأخرى المعنية كما صرح بذلك سموه.
نأمل فعلا أن تتجاوز ما سبقها من اتفاقات وتنقل المنطقة من السلام الأعرج والمنقوص وغير الدائم إلى السلام الكامل والعادل والدائم والذي يقود إلى الأمن والسلام والإستقرار والتنمية والإزدهار لعموم دول المنطقة بما فيها دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض 2/10/2023 م
Pcommety@hotmail.com