رحيل العصافير وهل العصافير ترحل ؟
نعم ترحل
لقد سمعنا عن رحله هجرة الطيور أما رحيلها فذلك شيء جديد وهل هنالك فرق بين هجرة الطيور ورحيل العصافير ؟
نعم انها تهاجر في دورة حياتها الطبيعية وتنتقل من مكان إلي آخر وتقطع بذلك بحارا ومحيطات وقارات ضمن دورة حياتها الطبيعيه لأسباب عديدة فهذا ما نعرفه عن هجرة الطيور .
أما رحيلها فذلك يعني أنها اضطرت لترك مكانها الطبيعي من أعشاش علي الأشجار وداخل الجدران والمرتفعات وتنتقل لمكان هي لا ترغب به ولكنها اضطرت لذلك .
ففي قطاع غزة بفلسطين رحلت العصافير ورغم قدرتها علي التحليق عالياً إلا أنها بقيت حبيسة الأجواء داخل قطاع غزة محاصرة أشد حصار ولم تجد لها مأوي فكل أعشاشها دمرت وحرقت واقتلعت بفعل الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة ومات منها الكثير نتيجة لذلك ولأن السماء تكاد لا تخلو لبرهة من الزمن من الطائرات الحربية والقنابل المتفجرة مما جعل تلك العصافير محاصرة لا تستطيع التحليق في سماء غزة ؛ ولأن الحرب وضعت أوزارها واشتدت في عنفوانها ودمرت كل شيء تقريبا واقتلعت الأشجار والأحجار وأحرقت البشر والشجر ولم يعد هناك سبل الحياة ومكان للعاصفير تبني بها أعشاشها من جديد فلجأت إلي أسلاك الكهرباء لتحط رحالها عليها وتستريح قليلا لتنام هي وصغارها التي بالكاد تعلمت الطيران ؛ اما صغارها التي مازالت لم تتعلم الطيران فقد ماتت واحترقت وهي بداخل أعشاشها الصغيرة المبنية من القش.
اسلاك بلا كهرباء تستوطنها العصافير تحط عليها رحالها في مشهد غريب في قطاع غزة مشهد غير مألوف لنا نهائيا حيث أنه من المعروف أن الطيور عامة لا تستوطن الأسلاك داخل المدن المأهولة بالسكان وإنما تجدها خارج المدن في المناطق البعيدة عن السكان .
ولكن العصافير في قطاع غزة فعلت ما تفعله عامة الطيور في الأماكن الأخري حين تحط رحالها علي الأسلاك في الأماكن الخالية من السكان وذلك الفعل يصدر عن العصافير معلنه للعالم هول ما يتعرض إليه سكان قطاع غزة فكثير من الأحياء والمدن هجرت من ساكنيها وأصبحت خالية من السكان فوجدت بذلك العصافير ما يناسبها بفطرتها بعد أن فقدت أعشاشها الصغيرة .
وكما قتلت صغار العصافير وفقدت أعشاشها الصغيرة فكذلك أطفال غزة قتلوا ودمروا وأحرقوا وهم احياء بكل أنواع الأسلحة المحرمة التي تسببت في دمار لا يمكن أن يتخيله العقل البشري من دمار لأحياء ومدن بأكملها وجثث تحت الركام وأشلاء تملأ الطرقات مات الصغير في غزة ألف مرة ؛ مرة عندما حوصر ومرة عندما سلبت منه طفولته ومرة عندما قتلوه دون سابق إنذار ومرة عندما قتلوه بكل انواع الأسلحة المحرمة دولياً وألف مرة عندما صمت العالم علي تلك الجرائم البشعة .
ماتت الاطفال وصغار العصافير علي حد السواء وفقد كلاهما حقة بالحياة والعيش الكريم.
عذرا أيتها العصافير فنحن كذلك لم نجد مكانا يأوي صغارنا ولم نجد مكانا يأوينا فكل الأماكن مستباحة لسفك دماؤنا لا قدسية للمسجد أو الكنيسة ولا أمن وأمان بالمستشفي أو المدرسة فلقد استباحوا قتلنا في كل مكان ومنعوا عن صغارنا الحليب والمأوي والدواء وكل شيء إنساني قتلوه ؛ فنحن وانتم علي حد السواء أيتها العصافير فأنت تحلقين في سماء غزة وتمنعك نيران وقصف الصواريخ من التحليق عالياً ونحن كذلك صغار غزة حرقت أجسادنا وقطعت ولكن ارواحنا تحلق في فضاء الكون وستبقي تحلق لتصيب كل من خذلنا بلعنه تطاردهم في أحلامهم وكل مكان حتي يتم انصاف دموع امي التي قتلوها وهي ترضعني المحبة والسلام وحب الاوطان التي قتلوها وهي تتلو صلاتها وتعيش كل الصغار في سلام صغار العصافير وصغار الاطفال وينعم الجميع بالحرية والأمن والسلام .
بقلم الكاتب الفلسطيني/ هاني مصبح
calendar_month21/10/2023 03:07 pm