أمينة عباس

أثارت الندوة التي عُقدت، مؤخراً، في المركز الثقافي العربي في المزة، لمناقشة كتاب “ثلاث مسرحيات” للكاتب سامر منصور، بمشاركة الشاعر جمال المصري، العديد من الأسئلة حول غياب بعض الأشكال المسرحية عن المشهد المسرحي في الوطن العربي، وهي التي كانت ازدهرت في فترة من الفترات، وكان لها متابعوها، ومنها ما يُسمّى بالمسرح الذهني الذي تنتمي إليه نصوص سامر منصور والذي تحدث قائلاً إن “الفجوة بين السياق الحضاري العالمي المتسارع والعرب والناطقين بالعربية هي فجوة متنامية، لذلك اخترتُ المسرح الذهني لأنه يمنح مساحة أكبر للحوارات والتنقل في الأزمنة والأمكنة لأبيّن كُنه ما هو أيديولوجي منذ بواكيره ونشأته عسى أن ننجو من سطوة الأيديولوجيا”.
وحول القاسم المشترك بين النصوص الثلاثة التي تعدّدت موضوعاتها يقول منصور إن “النصوص المسرحية الثلاثة تتمحور حول معاناة الإنسان وآماله المجهضة، وخاصة من جهة هيمنة الأيديولوجيا المختلفة على الوعي الجمعي عبر العصور، وتالياً فإن ما يجمع تلك الموضوعات هو كونها أثراً للأيديولوجيات التي تخدم مصالح فئة ضيّقة على حساب الإنسان والتسامي بالحالة الاجتماعية.. أنا أكتب في مختلف الأجناس الأدبية، لكنني اخترتُ فنَّ المسرح لأن الحوار جزء مهمّ منه، ونحن في بلداننا العربية نفتقد لثقافة الحوار لتوليد فكرة أعلى برؤيتها من فكرتين لمتحاورين.. إن انتشار ما يسمّى في كتب المنطق بالمغالطات المنطقية رائج في مجتمعاتنا، لذا أردتُ أن أقدّم للقارئ كتاباً خالياً قدر الإمكان من تلك المغالطات، أتوخى فيه منطقاً وموضوعيّة تليق بنا كامتداد للعقل الحضاري السوري أبي الثقافة والتمدّن، وآمل أن أكون قد وفقتُ في ذلك”.

ويبيّن الشاعر جمال المصري الذي ناقش في قراءته للنصوص المسرحية الثلاثة موضوعاتها وما كان يسعى إليه الكاتب من خلالها أن المسرحيات التي ضمّها الكتاب “تنتمي إلى المسرح الذهني الذي لا يقدَّم على الخشبة بل يُكتب ليُقرأ وهو ما أراده الكاتب، وهو مسرح يتمكّن القارئ من استيعاب أفكاره عبر فعل القراءة فقط، ما يسهل تصوّره وتأمله وتخيّله، لكن من الصعب أن يتمَّ أداؤه أمام الجمهور، ومحاولة تجسيد الشخصيات فيه مهما كان المُخرج مبدعاً سيكون ناقصاً مقارنة مع ما تخيّله القارئ لها عبر نصوص تقوم على صراع الأفكار الكبرى وهي صنف من أصناف الأدب، ويجب ألا نستغرب لجوء الكاتب إليها، والكتابة فيه قليلة، فهذا خياره وهو المتمكن من كتابة الشعر والقصص الطويلة والقصيرة وفنون السرد الأخرى، لكن ما هو مؤكد أن كتابتها تحتاج إلى مثقف من نوع خاص قادر على طرح هذه الأفكار الكبرى مثل جدلية الزمن والذات الإنسانية والقدرة والحكمة والفن والحياة وتطورات الحياة، وكما فعل سامر منصور حين طرح موضوعات عديدة، منها المعرفة ومفهوم العدالة، وأشير إلى أن توفيق الحكيم يُعدّ رائداً في هذا النوع من الكتابة المسرحية التي انحاز إليها وعبّر من خلالها عن أفكار مجرّدة كالعدل والحرية، واستلهم أساطير اليونان القدماء في مسرحيات “أوديب ملكاً”، و”بِجماليون”، و”براكسا” أو “مشكلة الحكم” ومن الشرق حكايات ألف ليلة وليلة في مسرحية “شهرزاد” والقصص الدينية في “أهل الكهف” و”إيزيس” من عصر الفراعنة”.
ويضمّ الكتاب الصادر عن اتحاد الكتّاب العرب ثلاث مسرحيات: الأولى بعنوان “زيوس بيننا”، والثانية “اللوحة الناقصة” والأخيرة “الفرح السام” والتي تنتمي إلى الخيال العلمي.
ويجمع النقاد على أن أكثر سمات المسرح الذهني أهمية هي فكرة الصراع التي تدور في الأساس في ذهن المؤلف أو كاتب العمل، وعليه فإن الأفكار التي تدور في مخيلته غالباً ما تتصارع فيما بينها من قضايا فلسفية وميتافيزيقية، كما يمنح هذا المسرح شخصيات المسرحية مكانة مميزة، وفي الغالب هذه الشخصيات هي التي تتحمّل عبء صراع الأفكار القائم في ذهن المؤلف أو كاتب المسرحية، وهي في كثير من الأحيان شخصيات غير نابضة بإيقاع الحياة الواقعية، وتالياً فهي غير قادرة على التّأثير أو التّأثر بذلك الصراع، خلافاً لما هو الحال عليه في الأنواع المسرحية الأخرى.
calendar_month20/09/2024 05:00 pm