يصادف يوم 22 آذار 1945م الذكرى الخامسة والسبعين، لتأسيس جامعة الدول العربية، التي كانت قد نشأت في ظل ظروف شهدتها الدول العربية التي كانت أحوج إلى التضامن والوحدة والاتحاد وهي أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية، أي قبل منظمة الأمم المتحدة بعدة أشهر، وتألَّفت في أول وقتها من سبع دول عربية كانت تتمتع بالاستقلال السياسي وقتذاك، هي: سورية ، مصر، شرق الأردن ، المملكة العربية السعودية، العراق ، لبنان، اليمن. ويقع مقر الجامعة في القاهرة.الملاحظ من خلال متابعتنا للمنهج السياسي التي تتبعه جامعة الدول العربية ودورها نجدها أنها تعاني من حالة شلل عام وشامل في مؤسساتها وإداراتها ، وفي ظل عدم وجود إرادة سياسية حقيقية من الدول العربية لتطوير دورها، وتنشيط مؤسساتها وإداراتها ، مقارنة مثلاً بالاتحاد الأفريقي ، والقيام بدورٍ فاعل ليس في الملف الفلسطيني، إنما في سائر القضايا العربية العديدة الأخرى.فقد فشلت فشلاً ذريعاً منذ معاهدة السلام ( كامب ديفيد ) بين مصر والكيان الصهيوني في صياغة موقف عربي موحَّد في مواجهة الكيان ، ما عدا إعلان بيروت الذي جرى في العام 2002، كما فشلت جامعة الدول العربية في الضغط على بريطانيا عام 1947 لمنع تقسيم فلسطين، ولعلَّ الحرب التي جرت في فلسطين عام 1948 كانت الأولى والأخيرة التي خاضتها الجيوش العربية بقرارٍ من مجلس الجامعة العربية ، والتي كانت نتيجتها النكبة لشعبنا الفلسطيني وتحقيق إنشاء الكيان الصهيوني ، ثم تحوّلت القضية بأكملها إلى هيئة الأمم المتحدة بعد أن أثبتت عجزها .كما فشلت جامعة الدول العربية على الرغم من اتفاقياتها العربية في معاملة شعبنا الفلسطيني وقضيتنا الفلسطينية في الدول العربية كمواطنين عرب، وفشلت تباعاً في منع حصار الرئيس الرمز الراحل ياسر عرفات، ثم فشلت في منع التطبيع مع الكيان الصهيوني ، بل وتم اختراق المقاطعة التي لم يعد لها وجود في وقتنا الراهن . كما فشلت في الرد على جميع الانتهاكات التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق شعبنا الفلسطيني والعربي ، كما فشلت الجامعة بمنع صدور قرار التقسيم عام 1947 والرد عليه والذي جرَّ وراءه، النكبة عام 1948، ثم النكسة عام 1967، وبناء 26 مستوطنة في مدينة القدس وما حولها حتى نهاية عام 2017، ما عدا فشلها في التصدي لنقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس في حفلٍ أمام مرأى كلّ العرب دون أن يتخذوا أي عمل على الأرض، حتى التحوُّل ثلاثمائة وستين درجة في موقف جامعة الدول العربية ومؤسساتها ، ومخالفتها لمبادرة السلام العربية عام 2002. والتخلي عن شروط السلام مع الكيان الصهيوني، التي أقرها اجتماع القمة العربية بتاريخ 26 تشرين الثاني عام 1973 في الجزائر ، وحضرته ست عشرة دولة عربية بمبادرة من سورية ومصر بعد حرب تشرين أول، وقاطعته العراق وليبيا. هذه القمة فشلت بتمرير مشاريع التطبيع بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني ، وفشل تطبيق اللاءات الثلاث التي تم اتخاذها في الخرطوم ( لا صلح ، لا تفاوض ، لا اعتراف ). والذي جعل الكيان يستكمل مخططاته التهويدية والاستيطانية في القدس وباقي المدن الفلسطينية.
        لقد ظلَّت جامعة الدول العربية أسيرة موقفها التاريخي المرتهن لمبادرة السلام العربية ،وهي مبادرة أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية للسلام في الشرق الأوسط بين الكيان الصهيوني والقيادة الفلسطينية . هدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ومدنهم وقراهم بموجب قرار الأمم المتحدة 194 ، وانسحاب الكيان الصهيوني من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع الكيان الصهيوني ، وكانت في عام 2002. إنَّ مبادرة السلام العربية باعتبارها المشروع العربي المطروح فعلياً على الرغم من أنَّ الجانب الصهيوني لم يتعامل مع بنود المبادرة بجدية، بل ووضع عشرات التحفظات عليها، وانطلق يصفي عناصرها بشكلٍ متلاحق وتباعاً، ولم يعد مطروحاً من جامعة الدول العربية أي توجُّه عملي ، ولو أوليّ لسحب المبادرة أو تجميدها كرسالة أولى لجانب الولايات المتحدة الأميركية ردّاً على الخطة المقدمة .
إضافةً لما سبق بقيت جامعة الدول العربية تتبنى خطاباً إعلامياً وسياسياً باهتاً ومكرراً تجاه التعامل مع تفاصيل ملف القضية الفلسطينية التي تعتبر القضية المركزية للأمة العربية .هذا الخطاب استمر منذ سنواتٍ طويلة وما زالت ، ما جعل اللقاءات الدورية سواء على مستوى المندوبين أو الرؤساء العرب متوقعاً، وكأنّه إثبات لوجود جامعة الدول العربية على الرغم من أنَّ الكيان الصهيوني بات يتبنى خطاباً يدعو إلى إنشاء (جامعة شرق أوسط ) مقابل جامعة الدول العربية و(سوق شرق أوسطية جديدة) تتساوق مع مشروع رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق (شمعون بيرز) صاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي عزَّزته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزارايس التي أكَّدت على المشروع في حرب 2006 . إضافة إلى السوق العربية المشتركة وفي إطار إقليمي أوسع.
      لقد تبنت جامعة الدول العربية موقفاً صريحاً تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.موقفاً يدعو إلى حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ومبادلة الأرض مقابل السلام ،ووفقاً للقرارات والمواقف الدولية خصوصاً قراري 242 - 338 ،فالقرار رقم 242 هو قرار أصدره مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة هيئة الأمم المتحدة في 22 شباط 1967 ، وجاء في أعقاب حرب 1967 والتي أسفرت عن هزيمة الجيوش العربية واحتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة ،وصحراء سيناء والجولان وبعض الأراضي اللبنانية . أما قرار مجلس الأمن الدولي رقم (338) فقد صدر في 22 تشرين الأول 1973حيث تبنى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة هذا القرار، في جلسته رقم 1747.وهو الأمر الذي لم يعد له وجود على أرض الواقع بشكلٍ عملي ، وفي ظل تنفيذ كامل لمخططات التهويد وإتمام خطة تهويد مدينة القدس وما حولها عام 2020، ورفض حق العودة، وباتت جامعة الدول العربية في موقفها نظراً إلى غياب الرؤية، وافتقاد التنسيق العملي بين الدول العربية، ويكفي الإشارة إلى أن أصغر دولة قادرة على جعل الإجماع ممتنعاً مثل دولة قطر .
        ولكن، كلما تقدَّم الزمن بجامعة الدول العربية ، كلما تراجع دورها العملي، وتراكمت إخفاقاتها وتزايدت لاحتواء الأزمات العربية المتفاقمة ، وإنهاء إحتلال الكيان الصهيوني . فهبَّة القدس الأخيرة على الرغم من عفويتها وقوتها وشفافيتها ، كانت جديرة أن تشعل الغضب والوجدان والشعور العربي على المستوى الشعبي والرسمي العربي والإقليمي والدولي ، إلَّا أّنَّ هذه الهبَّة الفلسطينية الشعبية العارمة قوبلت ببرود عربي ، وكأنَّ العاصفة التي تعيشها مدينة القدس بشكلٍ خاص، وعموم فلسطين التاريخية ،وكأنَّ ما يجري لا يعني أي عربي رسمي على الرغم من أنَّ مقر جامعة الدول العربية لا يبعد سوى بضع مئات من الأميال بما يعادل 425 كم . فمنذ نكسة عام 1967، أكمل الكيان الصهيوني احتلال قطاع غزة والضفة بما فيها القدس الشرقية، وباشر في بناء المستوطنات بكل أنواعها فنحن لا نعترف بمستوطنات قانونية ومستوطنات غير قانونية داخل حدود مدينة القدس الموسعة وبمحاذاتها بشكل غير قانوني،لقد وصل عدد المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية ما عدا القدس إلى ،476,033 مستوطناً يعيشون في26 مستوطنةٍ موزعة في الضفة الغربية .ووفقاً لإحصائيات ومعطيات ما يسمى بمجلس المستوطنات في الضفة، فإنّ نسبة الارتفاع في عدد المستوطنين خلال العام 2020بلغت 2.6% مقابل 3.4% من العام 2019. أما في مدينة القدس الشرقية المحتلة فقد وصل عدد المستوطنين وحدها إلى ما يزيد عن 220,000 مستوطن . لقد تعرضت مدينة القدس إلى عمليات هدم البيوت والعقارات في المدينة المقدسة وفي حي الشيخ جراح ، والتي قدرت منذ عام 1967، بأكثر من 3,700 منزلاً وعقاراً فلسطينيًا، وبعض المواقع التاريخية والدينية الهامة، كحارة المغاربة وحي الشرف في البلدة القديمة، والآن يهب سكان حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة احتجاجاً على مخطط طرد عائلات فلسطينية من منازلها في الحي، والسماح للمستوطنين الصهاينة بالاستيلاء عليها. ولم يقابل ما يدورفي مدينة القدس الشرقية أي عمل فعلي من جامعة الدول العربية لردع عدوان الكيان الصهيوني وانتهاكاته للمدينة المقدَّسة، ليس فقط تطبيقاً لبنود ميثاقها، بل دفاعا عن الميثاق العربي والدم والتاريخ العربي ، والمصير العربي المشترك، الذي لا يحتاج إلى قرار أو قانون دولي . الجدير بالذكر أنَّ الميثاق العربي لحقوق الإنسان اعتمد في أيار 2004 بمناسبة انعقاد القمة السادسة عشرة لجامعة الدول العربية في تونس العاصمة . هذا الميثاق يؤكِّد ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والشرعية الدولية لحقوق الإنسان ،وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام . دخل الميثاق حيز التنفيذ في 15 آذار 2008 بعد أن صادقت عليه 7 دول وهو العدد المطلوب حسب فصله 49 ليدخل حيز التنفيذ.يتكون هذا الميثاق من ديباجة و53 مادة.

     لقد استمرت جامعة الدول العربية بعقد مسلسل من القمم العربية التي لا تفضي إلى تحقيق الشعارات التي تطرحها ، إلى أن شعر المواطن العربي بعدم جدواها وعدم جدوى ما تقوم به من نتائجها الهابطة ، وتراكمت خيبات آمال المواطن العربي،وصارت الخيبة تأتي تلو الأخرى، وأوغل الكيان الصهيوني أكثر باستيطانه ومخططاته. لقد تم عقد ثلاثون قمةٍ عربية على مستوى القادة العرب ، كان أولها في فترة الأربعينات الذي انعقد في مصر قمة أنشاص في الاسكندرية ما بين 28 و29 أيار عام 1946 وفي عام 2019 كان انعقاد آخر قمة عربية في تونس . كانت فلسطين حاضرة على جدول أعمال تلك القمم من قمة أنشاص المصرية عام 1946 حتى قمة تونس الأخيرة عام 2019، هي قمّة نُظمت في 31 آذار 2019 في تونس العاصمة في الجمهورية التونسية وتحديداً في قصر المؤتمرات ،وكعادة كلّ القمم العربية فقد خرجت بعددٍ من القرارات لعلّ أبرزها ما يتعلقُ بوضعِ فلسطين بشكلٍ عام حيثُ نصّت على بطلان وعدم شرعية الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان كما طالبت دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس أو الاعتراف بها كعاصمة للكيان. وبالرغمِ من ذلك فإنّ معظم هذهِ القرارت لم تلقى تطبيقًا على أرضِ الواقع أو حتى نتيجة، بل ازدادت هرولة الدول العربيّة نفسها نحو التطبيع معَ الكيان الصهيوني ففي عامٍ واحدٍ فقط عُزفَ ما يُسمّى بالنشيد الوطني للكيان الصهيوني في الدوحة عاصمة قطر وفي أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة وفي الرباط عاصمة المملكة المغربية كما شاركت الدول الثلاث إلى جانبِ عددٍ من الدول العربيّة الأخرى على غِرار الكويت، السعودية، اليمن وسلطنة عُمان، وغيرها في مؤتمر وارسو الذي قيلَ إنّه يهدفُ لمكافحة المد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط ،وقد حضرهُ رئيس وزراء الكيان الصهيوني (بنيامين نتنياهو) الذي جلسَ على نفسِ الطاولة إلى جانبِ رؤساء خارجيّة باقي الدول العربية ،وهي سابقة في تاريخ التطبيع مع الكيان.لقد كان الانتصار في تلك القمم لفلسطين والقدس على الورق فقط، فجميعها تخرج ببيانات تؤكد على عروبة فلسطين، وأنها قضية العرب الأولى، وضرورة الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها مدينة القدس، واستعادة شعبنا العربي الفلسطيني حقوقه الوطنية الثابتة، والتأكيد على رفض قرار الكونغرس الأميركي الذي اعتبر مدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني ، ورفض بناء المستوطنات بكل أشكالها، كما جاء في بيان قمة بغداد التي عقدت بتاريخ 28 أيار عام 1990، بدعوة من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين .كما أنَّ جميع القمم العربية أكدت على ضرورة دعم فلسطين مادياً ومعنوياً، وتوفير الحماية الدولية للشعب العربي الفلسطيني. أما الهزائم فكانت بالجملة لا تُعدّ ولا تحصى ، وترجمة حقيقية لتلك البيانات والشعارات البراقة، وغياب التعاون والوحدة والرؤيا لصالح شعبنا العربي الفلسطيني في المنطقة. 

كل ما نرجوه أن ترجع الجامعة العربية لصحوتها بقوة ، وأن تقف من جديد على القضايا العربية ، وتساهم بقوة في تحقيق المصالحة الفلسطينية ، وأن تتخلَّص من كل العقبات والتحديات التي تحيق بها ، والعمل على دعم الشعب العربي الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية للأمة العربية . وأن تدافع بجد عن مدينة القدس مسرى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم . وذلك بمساعدة ودعم ما تبقى من الأِشقاء والأحرار العرب، الثابتين المدافعين عن القضية الفلسطينية.
     لقد جاءت هبة القدس لتؤكد من جديد أنَّ القدس عربية وستبقى عربية . هذه الهبة أعادت وهج وهيبة مدينة الله .. مدينة القدس وأهلها من جديد، ، فالهبة الفلسطينية المقدسية تؤكد على تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني ، بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس . هذه الهبة بدأت من القدس، ومن أزقتها وحاراتها ومن باحات المسجد الأقصى وسائر مساجد المدينة وكنائسها وأماكنها المقدسة ، مروراً بدرب الآلام (الجلجلة ) التي سار عليها السيد المسيح عليه السلام من هناك، وبإرادته شعبنا العربي الفلسطيني.
calendar_month06/05/2021 10:18 pm