تستضيف روما قمة مجموعة العشرين في شؤون المناخ عشية مؤتمر المناخ في جلاسكو الإسكتلندية، حيث تكتسي أهمية بالغة في مسار جهود التعافي العالمي من جائحة كوفيد 19 (كورونا)، هذه القمة ستمثل انطلاقة جديدة للعمل الدولي المباشر للبحث والنظر في قضايا مصيرية وهامة بالنسبة إلى مستقبل البشرية جمعاء، لأنها ستتناول خصوصاً تخفيض التوترات في العلاقات بين القوى الدولية المختلفة، وقبل ذلك، وبعده، ستعمل على التصدي الحازم لظاهرة الاحتباس الحراري التي باتت قضية خطيرة ومركزية تتقاطع حولها العديد من المبادرات الواعدة.
إنَّ أهم ما تطمح إليه قمة مجموعة العشرين التي ستعقَد قريباً، التأسيس لمرحلةٍ جديدةٍ من العمل الجاد متعدد الأطراف ،بهدف إيجاد حلول مناسبة ،طموحة مشتركة، ولن تكون هذه الغاية صعبة المنال إذا تضافر الوعي مقترناً بالعمل الجاد وبالتحديات الجمّة، وخلصت النوايا في التضامن والتعاون المشترك، بعد سنوات طويلة من تشتت العمل الدولي وانفراطه بفعل نعراتِ الانعزالية التي قادتها بعض السياسات المتهوّرة وغير المتوازنة، والعزلة الطويلة نسبياً التي فرضتها جائحة كوفيد 19(كورونا) الصحية على التواصل المباشر والحركة والاقتصاد، والتبادل التجاري والثقافي. ومن هذا المنطلق، ومن خلال برنامج عمل المؤتمر ،فإن لقاءات قمة روما ستركِّز الاهتمام على تذليل الصعاب، والحدّ من الخلافات بين الدول من أجل التفرّغ إلى التعاون البنّاء، لاسيما وأن التحديات القائمة وهي كثيرة ،مطروحةٌ على الجميع، ولا تفرق بين دولة وأخرى.
ومن خلال قراءتنا لمسوّدة البيان الختامي لقمة روما نجد أنه يتصدّرها المطالبة بتحرك فوري لخفض ارتفاع حرارة الأرض بدرجةٍ ونصف الدرجة مئوية، أملاً في الوصول إلى صفر انبعاثات غازات مسببة للاحترار، أوللإحتباس الحراري بكل كثافاته، وهو هدفٌ بالغ الإلحاح، وأمانةٌ ملقاة على كاهل صنَّاع القرار اليوم في العالم، لضمان مناخ سليم للأجيال المقبلة وحفظ كوكبنا من الأخطار المحدقة .
إنَّ تعدد المبادرات الطموحة لتجاوز أزمة المناخ وخطورته على كوكبنا هو ما يؤكده الوعي العالمي بهذا التحدي ، ومنها المبادرات الاستراتيجية التي أطلقتها العديد من دول العالم ، هذه السنة ،وذلك بعد حجم وضخامة الفياضانات التي اجتاحت معزم دول العالم ، لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، ما سيجعل تلك الدول في صدارة الفعل الدولي المنسجم مع تطلعات مختلف الأطراف التي تترجمها أهداف اتفاق باريس للمناخ التأسيسية ، وستعززها، بلا شك، مخرجات قمة العشرين الحالية، ولقاء (كوب 26) جلاسكو، الأسبوع المقبل، مثلما أكدتها أيضاً مبادرات بعض الدول والتي أطلقت عليها تسمية المبادرات الخضراء لمكافحة التغير المناخي.
إنَّ نموذج التضامن الذي شهده المجتمع الدولي في مواجهة جائحة كوفيد 19 (كورونا) وأثمر في الحد من انتشارها وتسريع التعافي، يمكن أن يكون نموذجاً مثالياً وواضحاً يصلح لمكافحة الاحتباس الحراري وآثاره المدمِّرة على كوكبنا ، ويكون ذلك بزيادة التنسيق متعدِّد المحاور، والالتزام الجماعي بخطط محكمة ،واستراتيجيات محدَّدةِ الأهداف، تعززها قوانين وتشريعات ناظمة ،ترمي إلى الحفاظ على البيئة والمناخ بشكلٍ عام، وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة التي يسعى الجميع للحصول عليها .
ويبدو أنَّ كسب هذه الرهانات على تعدّدها سيكون متاحاً بالنظر إلى التفاعلات الإيجابية الجارية، والاهتمام المتصاعد بأزمة المناخ المتفاقمة كواحدة من القضايا المصيرية. وما يعزز الثقة والرهان على بلوغ المرامي والأهداف، طرحت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حزمة مالية تبلغ قيمتها نصف تريليون دولار لتخفيف آثار تغير المناخ ووقف تدهوره، وكذلك إصدار الصين (كتاباً أبيض) حول مساهمتها المباشرة الفعلية والعمل مع المجموعة الدولية في الحد من الاحتباس الحراري ودرء مخاطره.
هذه المبادرات وطموحاتها وتعدَّدها تؤكد أنَّ مشكلة التغير ما زالت تحت السيطرة حسب العديد من الخبراء وعلماء المناخ حول العالم ، ويمكن أن تحقق نتائج مشجِّعة في الفترة المقبلة، وكل هذا الزخم وهذا التفاني في العمل نحو التخلص من حالة الاحتباس الحراري ،يستحق التنويه ويعزِّز الأمل في رسم خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف تؤمّن مستقبل الإنسانية إلى أمدٍ بعيد، بعيداً عن التهديدات والأزمات والجوائح ، وكل الكوارث المدمرة ، البشرية منها والطبيعية.
calendar_month29/10/2021 03:44 pm