لم تتوقف الإتصالات بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية عبر العديد من الوسائل الدبلوماسية والأمنية والسياسية في السر والعلن . هذه العلاقات لها حسابات استراتيجية هامة جديدة يعتمدها كل من العملاقين الصيني والأمريكي ، بعد أن وصل الانسداد في التواصل بينهما إلى حدٍ كاد يهدد بالتسبب بتوترغير محسوبة نتائجه في أية لحظة. وبينما كان أول قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن في القمة الأمريكية ـ الصينية يتمحور حول ضرورة وجود حواجز أمان وخطوط حمراء تمنع اندلاع نزاع بين البلدين، أو أكثر من نزاع كي لا يصل إلى الصراع أو الحرب المباشرة ، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن مستوى التواصل بين الفريقين الصيني والأمريكي غير مرضٍ ويجب تحسينه خدمة للدولتين، ومن أجل حياة البشرية جمعاء.
الجدير بالذكر أنَّ الرئيس الأمريكي جو بايدن بعرف الرئيس الصيني شي جين بينغ منذ أن كان جو بايدن يتولى منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، هذه المعرفة المسبقة سهَّلت هذه القمة التي عقدت بين الرئيسين فجر الثلاثاء عبر شاشة عملاقة، ومن خلال اتصالات هاتفية. الرئيس الصيني شي جين بينغ أبدى سعادته باللقاء، كما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن رغبته في عقد اجتماع شخصي ومباشر في المستقبل القريب، وليس من خلال الشاشة العملاقة فقط. ومن المؤكد أن الرئيس الصيني شي جين بينغ لديه مصلحة حقيقية بتحقيق الإستقرار في العالم ووجود حالة من المهادنة بين الطرفين مع الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي ، بسبب قرب انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الذي سيمدَّد للرئيس الصيني مدة رئاسته المستمرة منذ عام 2012 م كما هو مرجَّح، ويبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن خرج من قيوده وأسواره الداخلية التي أشغلته لما يقارب عشرة أشهر من ولايته وجلوسه على كرسي البيت الأبيض، وأصبح بإمكانه الآن التفرّغ أكثر من ذي قبل لمعالجة التحديات الخارجية التي تواجه بلاده وهي تحديات كبيرة جداً، وفي مقدمة هذه التحديات وضع استراتيجية جديدة تكون محكمة الدراسة والمعلومات من أجل التعامل مع المارد الصيني الناهض تختلف عن الخطط الاسترتتيجية السابقة، لأنَّ ما كان يصح للتعامل معها كقطب قوي من عدّة أقطاب عالميين متساوين في معظم القدرات، يختلف عما هو مطلوب اليوم تحقيقه ، بعد أن صعدت الصين بشكلٍ قوي ومتسارع إلى المركز الأول في المنافسة مع الولايات المتحدة الأمريكية . من الواضح في هذه الخطط وتلك الاستراتيجيات أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تتعاطى مع جمهورية الصين الشعبية حالياً كما لو أنها اتحاد سوفييتي جديد، أي أنّ جمهورية الصين الشعبية تمتلك بقوة كل مقومات المنافسة الندية، وهناك مسافة متقدمة جداً تفصلها عن الآخرين في مجال التطور الصناعي والبراعة التكنولوجية الهائلة وصناعة الشرائح الأليكترونية وتكنولوجيا ( الهايتك ) وفي سياق القدرات العسكرية التقليدية والنووية، وهي مُدعّمة بقوة اقتصادية ومالية متنامية بشكلٍ كبير ، على عكس ما كان عليه الحال مع الاتحاد السوفييتي السابق، حيث كان التوازن بين الولايات المتحدة الأمريكية وموسكو قائماً في المجالات العسكرية والنووية على مجه التحديد ، بينما كان الاقتصاد السوفييتي السابق لم يكن يتمتع بالقدرات الموازية.لقد قدَّم عدد كبير من الباحثين والدارسين والاستراتيجيين الأمريكان ملفات تتصف بالضرورية والهامة وضعت جميعها على طاولة الرئيس الأمريكي جو بايدن تتضمن جدول أعمال قمة جو بايدن ـ شي جين بينغ . كما تم وضع عشرات الملفات الساخنة على طاولة الرئيس الصيني من أجل طرحها في قمة العملاقين . الجدير بالذكر أنَّ هذه الملفات لم تكن وحدها حاضرة في المباحات ، لأنَّ العديد من القضايا الشائكة والمعقدة والمتشعبة كانت قد أخذت وقتاً ، وربما يكون بعضها احتل صدارة النقاش والحوار بين الزعيمين . ففي جدول الأعمال أدرجت عناوين اقتصرت على موضوع التغييرات المناخية – وغياب جمهورية الصين الشعبية عن قمة غلاسكو ( كوب 26 ) – والملف النووي الإيراني ،وإداراة الأزمات الإقليمية المتفاقمة ، ومنها ملف تايوان من دون أي ذكر لقضايا حقوق الإنسان، أو أي قضايا أخرى، لأن الفريق المفاوض الأمريكي لم يكُن لديه قرار باستفزاز الجانب الصيني، ولضمان نجاح وضع خطة استراتيجية جديدة محكمة تعتمد على تأسيس شيء من الثقة بين البلدين تكفل تعزيز التواصل في الأزمات الطارئة، وربما إنشاء خط ساخن بين البلدين يمكن أن يصل إلى المستوى الرئاسي ، يستخدم عند الضرورة المُلحة، كما كان عليه الحال مع الاتحاد السوفييتي السابق.
لقد تم تسريب الكير من المعلومات حول اللقاء بين العملاقين . فقد كان واضحاً تماماً أنَّ الحديث بين الرئيسين تطرق إلى ملفات تفصيلية جداً لم تدرج في جدول الأعمال، ومنها خصوصاً الجانب التجاري بين البلدين ،والتعاون التكنولوجي المشترك . وإطلاق سراح مديرة شركة هاواوي للهواتف الذكية الصينية السيدة (مينغ واترو ) التي كانت سجينة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2018م ، لأن إطلاق سراح السيدة مينغ واترو كان المُمهِد الرئيسي لتحديد موعد القمة، وربما كان أيضاً لضمان نجاحها، ومن المعروف تماماً أن التنافس التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية هو المعضلة الرئيسية المطروحة، بخاصة بعد فرض القيود التي وضعتها الولايات المتحدة على بعض الصادرات الصينية، ورد القيادة الصينية بالتهديد بوقف التعامل بالدولار الأمريكي كعملة رئيسية واستعمال اليوان الصيني لفتح الاعتمادات المستندية للصادرات والواردات.
لقد حفلت القمة بالكثير من المواضيع الهامة بين البلدين وكان ملف تايوان في مقدمة الملفات الهامة التي تم مناقشتها فقد ركَّزت القمة الثنائية عليها بشكلٍ كبير ولافت . إضافة إلى بحث الخلافات والمشاكل العالقة حول وقضية كوريا الشمالية وجُزر بحر الصين الجنوبي ،والاستقرار وسط آسيا.
القيادة الصينية الحاذقة تقصدت أن تكون مناسبة انعقاد القمة بيم الزعيمين فرصة للتأكيد على اهتمام جمهورية الصين الشعبية بالملفات الإقليمية الحساسة، وفي الإيحاء بأنها شريك فاعل وقوي في كل المقاربات المطروحة على المستوى الدولي، بما في ذلك في ملف المناخ الذي احتل مساحة كبيرة من العمل السياسي الدولي ، وهي غابت عن قمة غلاسكو ( كوب 26 ) ، لأنها شعرت بأن إرادة غربية جامحة تريد أن تستأثر لوحدها بالرؤية لمعالجة هذا الملف الهام والساخن ، بينما جمهورية الصين الشعبية المهتمة للغاية في التغييرات المناخية لديها وجهة نظر خاصة، ولا تريد أن يكون موضوع المناخ سبباً لتقويض النمو الصناعي لديها.
calendar_month20/11/2021 07:06 pm