
مع تزايد المتعالمين والرويبضة اليائسة ، وظهور فقاعات المتفيقهين والمتثاقفين. ازدادت محاولات ايقاع لغتنا العربية الغنية بحالةٍ من الضعف والوهن، والارتكاس والنكوص. فقد تعرَّضت لغتنا العربية الى محاولة الصوملة مراراً حيث تخطت الاقتصاد والسياسة والنزاعات الأهلية إلى اللغات التي هي من صميم الهويات القومية ، وأداة التعبير عن العقل والوجدان والشعور الإنساني لدى شعوب العالم. وذلك لانعدام لغة الحوار ، والاعتراف بالآخر . ولأنَّ سياسات التهميش والإقصاء قد سادت ، وآل هذا كله إلى الانفصال عن الواقع ، وإلى غياب الاستجابة للمسائل البنيوية والجوهرية التي نتناولها عبر لغتنا العربية . وذلك في ظل تجليات أيديولوجيات متكلّسة وافدة ، أدَّت إلى تراجع الهوية الوطنية والهوية القومية، وهو تراجع محمول على تكريس وإرساء سياسات تمييزية ، وإثارة عصبيات فرعية ما قبل وطنية. والمفارقة الهامَّة هي أن اللغة العربية اجتذبت طيلة قرون عديدة من تاريخها علماء وشعراء وكتَّاب وفلاسفة من قوميات أخرى، وأصبحوا باعتراف بعضهم عرباً بفضلها. فكيف تفهم ما آلت إليه لغتنا في أيامنا التي تضاعف فيها مرات عديدة المتعلمون والأكاديميات والمؤسسات الإعلامية والثقافية ومراكز الأبحاث والدراسات . ومجامع اللغة العربية هي لغة التواصل والنشاط الإنساني والعنصر الرئيسي لكل قومية، فهي ذاكرة الأمة وأرشيفها عبر الزمن، والحاضن للفكر والثقافة وأساس الهوية لأي شعب من الشعوب، ذلك لأن اللُّغة والهُويَّة وجهان لشيء واحد، ولأنَّ لغتنا العربية من أعرق اللغات في العالم ، فإنَّ الإنسان العربي ومن في محيطه في جوهره قد جسَّد حقيقة وقوة اللُغة والهُويَّة،فكانت اللُّغة فِكرُه ولسانه، وفي الوقت نفسه انتماؤه، وهذه الأشياء هي وجهه وحقيقته وهُويته، وشأن الجماعة، أو الأمة هو شأن الفرد، لا فرق بينهما. ولأن لغتنا العربية هي إحدى أهم مقومات الهوية العربية، فقد عملت على حماية التاريخ والحضارة والتراث والثقافة العربية عبر ردحٍ من الزمن. وكانت أحدى العوامل التي وحَدّت شعبنا العربي بين شطري المحيط الهادر والخليج. وهذا مابيّنه الشاعر العربي زهير بن أبي سلمى في بيت الشعر الشهير:
لسانُ الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إِلاَّ صورة اللَّحم والدَّم.