من الخطأ الفادح الاعتقاد بأن ساحة الصراع السياسي والعسكري الاستراتيجي العالمي على أرض أوكرانيا بعيدة عن منطقتنا العربية، وبالتالي لن تطولها الاستطالات والتداعيات المتطورة والمتوقعة على الجغرافيا السياسية الإقليمية ومن ثم العالمية .
من هذا المنطلق دعت الجامعة العربية إلى عقد اجتماعاً طارئاً كانت قد دعت له مصر للبحث في مستجدات وتداعيات الأزمة الأوكرانية على بلداننا العربية، لأن غيابنا نحن العرب عن متابعة ما يجري الآن على الساحة الأوروبية من صراع ساخن متعدِّد الأوجه بين جمهورية روسيا الاتحادية ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يعني غيابنا الكامل عن نتائجها، وهذا بمعايير السياسات الاستراتيجية يعني أنْ لا دور لنا نحن العرب، ولا دخل لنا في حسابات الربح والخسارة، ولا في الأمن والسلم العالميين، ولا في ما سيسفر عنه الصراع المحتدم، طال أم قصر. غير متناسين أننا نسكن على الضفاف الجنوبية لساحة الصراع، وأنَّ القوى المتصارعة متواجدة على أرضنا، من خلال القواعد العسكرية المنتشرة، كما أنها متواجدة من خلال تدخلاتها السافرة بالشؤون السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية من خلال سيطرنها في سلاح بلداننا فهي من تقوم بتشغيله وصيانته ، ومنطقتنا كانت، ولا تزال، مسرحاً للصراع العالمي على النفوذ والسيطرة جراء موقعها الجيو استراتيجي المميز، ووقوعها على خطوط التواصل العالمية بين الشرق والغرب، إضافة إلى موقعنا الجيو استراتيجي على البحار والمحيطات والممرات المائية العالمية الهامة التي تشكل رئة للملاحة البحرية العالمية، فضلاً عن الثروات الطبيعية الهائلة من نفط وغاز ومعادن ثمينة، وثروات باطنية هائلة ،والتي تساهم في تشغيل الآلة الصناعية العالمية وتمدها بكل احتياجاتها .
 جميع تلك المؤشرات تؤكد أننا نحن العرب في قلب الصراع ولسنا على حوافه، على الرغم من أن قعقعة السلاح بعيدة عنا آلاف الأميال، ولا نسمعها.
 من هنا، فإن الاجتماع الطارئ للجامعة العربية الذي دعت إليه مصر لمناقشة الأزمة الأوكرانية، واتخاذ الموقف المفترض يأتي في وقته تماماً كما تم الحديث عنه غير مرة. فقد تعالت بعض الأصوات التي تقول أنه صحيح أن بلداننا العربية ليس من مصلحتها اتخاذ موقف لمصلحة أحد الطرفين كي لا تدخل في صلب الصراع الساخن، لكن الصحيح أيضاً أن يكون لنا نحن العرب موقف موحد وحقيقي يشكل ضمانة أكيدة لمستقبل قادم قد تتغير فيه الخرائط والمعادلات الدولية، و يتغيّر فيه شكل النظام العالمي، والعلاقات الدولية، حيث الإرهاصات تتبدى واضحة جلية من خلال الاصطفافات الدولية الراهنة والتأييدات المطلقة لهذا على حساب ذاك، وكذلك يتجلى الوضوح من الأزمة في موقف القوى الكبرى المنخرطة في الصراع وتأثيرها على منطقتنا العربية .
 لقد أكَّد السيد حسام زكي الأمين العام المساعد للجامعة العربية على تحديد مكامن الخطر المحدق جراء هذا الصراع بقوله : )إنَّ انتماءنا للمنطقة العربية ربما يجعلنا أكثر من غيرنا وعياً للآثار المدمرة للحروب، واستخدام القوة العسكرية وتبعاتها المؤلمة، والعواقب السلبية بالغة الخطورة على جميع الصعد)، وأوضح (إننا ندرك مواقف جميع الأطراف وهي جميعاً أطراف صديقة).
 من هنا، فقد أعرب بيان جامعة الدول العربية عن قلقه البالغ إزاء تطورات الأحداث واستتباعاتها في أوكرانيا، واستعرض آثارها المباشرة في دولنا العربية، وأيّد البيان أيضاً جميع الجهود المبذولة الرامية إلى حل الأزمة من خلال الحوار السياسي الهادئ وبالطرق الدبلوماسية، وبما يحفظ أمن وسلامة الشعوب والدول في هذه المنطقة المهمة من العالم، كما أكَّد البيان الختامي على أهمية احترام مبادئ القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة ودعم جميع المساعي الهادفة إلى تخفيف حدة التوتر وحدة الصراع، وأوصى بيان الجامعة العربية بتشكيل مجموعة اتصال عربية على المستوى الوزاري تتولى متابعة آخر مستجدات الوضع السياسي والعسكري بين روسيا وأوكرانيا ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة باستمرار مع الأطراف المعنية بهدف المساهمة في إيجاد حل دبلوماسي لهذه الأزمة المتصاعدة.
 إن ما قامت به جامعة الدول العربية يظهر حالة وعي عربية بمخاطر الأزمة وتداعياتها واستطالاتها من خلال تشكيل (لجنة اتصال) تتابع وتجري مشاورات مباشرة وغير مباشرة، وتتواصل مع أطرافها لدرء المخاطر المحتمل وقوعها على منطقتنا، والبقاء في حالة حذر ويقظة لما يمكن أن يستجد من تطورات وتداعيات .
لكن ومن خلال معرفتنا المسبقة في طبيعة التداول السياسي العربي ندرك تمام الإدراك أن التأثير العربي في مجرى الأزمة لن يكون كبيراً، لكنه يستطيع، إلى حدٍ كبير، أن يكون الصوت المعتدل الذي يعمل على ضبط النفس والتهدئة، من خلال علاقات تواصلية متوازنة مع كل الأطراف دون استناء.
calendar_month02/03/2022 10:27 am