
من الواضح أنَّ جائحة كوفيد 19(كورونا) قد بدأت بالتراجع بشكلٍ كبير. وأنَّ العالم قد بدأـ بالتعافي الشامل، وهذا ما بفتح الباب على مصراعية أمام العالم ليخرج من رهان التدابير الوقائية وإجراءات مقاومة الوباء الصارمة. فكل المؤشرات والمعطيات الجديدة تشير إلى أن منتصف هذا العام، أي بعد ثلاثة أشهر تقريباً من الآن، سيكون موعداً ملائماً لتعافي العالم من الفيروس الفتّاك وتداعياته واستتباعاته، وقد بدأ هذا التفاؤل يتعزز منذ بدأ فيروس متحور (أوميكرون) يتفشى بسرعةٍ دون أن تكون له تداعيات صحية خطِرة على الإنسان. فقد جاءت أعراض هذا المتحور الإفريقي خفيفة بالمطلق على الأغلبية الساحقة من المصابين بهذا الفيروس، وكانت نسبة الإدخال إلى المستشفيات قليلة جداً، مقارنة مع الموجات السابقة من المصابين، وهو ما ساهم في تراجع كبير للوفيات الذين ازداد عددهم بشكلٍ مرعب، ومنح الطواقم الطبية دفعاً معنوياً كبيراً شجعها بقوة على تخفيف الاستنفار الصحي العام، بالتوازي مع اتساع حملات أخذ اللقاحات. ومع توفر الحصانة الجماعية بنسب عالية في معظم الدولأي مرحلة ( مناعة القطيع)، أصبح رفع الإجراءات الصارمة أمراً مطلوباً دون مخاوف من انتكاسة وبائية جديدة جراء تخفيف التدابير اللازمة وعودة الانفتاح من جديد.
أصبحت العديد من الدول مثالاً عالمياً في التعامل مع الجائحة بشكلٍ صارم،أثمرت جهودها المنسقة بين مختلف القطاعات في الدولة والمجتمع عن احتواء تداعيات الوباء وارتداداته وانعكاسه السلبي على كل مناحي حياة البشر، وهو ما ساهم في تخفيف القيود زالضوابط والدخول في مرحلة التعافي بعد انخفاض أعداد الإصابات وبلوغ نسبة جرعات اللقاحات إلى إجمالي عدد السكان نحو 260 % حتى نهاية شهر شباط، وكلها مؤشرات إيجابية موثوقة تؤكد السيطرة والتحكم بهذا الوباء القاتل، وتسمح بالعودة التدريجية للطاقات الاستيعابية للأنشطة الحياتية المختلفة. وما حققته تلك الدول من إنجازات هائلة في هذا المجال يعزز الأمل العالمي بأن استعادة الحياة الإنسانية طبيعتها من جديد لما قبل الجائحة أمر متاح للجميع إذا كانت استراتيجية التعافي والاستشفاء محكمة وتحقق أهدافها الكاملة بهدوء ودون تسرع.
الخروج من جائحة كوفيد 19(كورونا) سيتم خلال أشهر قليلة مقبلة، والدروس المستفادة من تجربة العامين المنصرمين في ظل التدابيرالصارمة والإغلاق منحت معظم دول العالم القدرة الفائقة على التعامل مع الطوارئ الصحية والمستجدات من هذا النوع من الأمراض. وتؤكد كل التوقعات والدراسات والأبحاث أن الدروس المستفادة من التعامل مع جائكة كوفيد19 (كورونا) ستُكسب المجتمع الإنساني كفاءةً أعلى لاستباق أي مخاطر صحية مهما كانت في المستقبل. وسيكون الاستثمار في القطاع الصحي الهام جداً وتبادل الخبرات والمعلومات مطلوباً في الفترة المقبلة. وهذا التوجه العالمي سيتضح في الأشهر والسنوات المقبلة بعد التحرر نهائياً من تبعات وارتدادات هذا الوباء اللعين. ولتعزيز التعافي التام يجب على كل الأطراف في دول العالم أن تتعاون بقوة في خلق البيئة الممناسبة والداعمة لتعزيز الانتعاش الاقتصادي والانفتاح الاجتماعي، وتجنب التوترات الجيوسياسية الخطيرة غير المطلوبة في هذا الظرف الذي يمر به العالم بالذات.
إنَّ مرحلة ما بعد الاستشفاء والتعافي ستكون دقيقة جداً، وصعبة للغاية، في بعض الأحيان، بالنظر إلى اختلال التوازنات وظهور مشاكل اقتصادية لم تكن محسوبة ومعدلات تضخم عالية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، فيما ستحتاج معالجة مخلفات الجائحة الاجتماعية وتأثيراتها النفسية إلى مقاربات مستجدة وتعاون أوثق بين مختلف الأطراف الدولية الفاعلة في هذا الشأن. ولن يكون الأمر صعباً أو مستحيلاً، فمثلما نجح العالم بتكاتفه وتضامنه في أن يقهر هذا الوباء وأن يتصدى له بالإجراءات العلمية والصحية الصارمة واللقاحات اللازمة ، سيستطيع ذلك أيضاً مع تطويق تداعيات الوباء القاتل حتى تنعم كل الشعوب بالأمن والأمان والراحة الإنسانية، دون تفريق أو استثناء، بالصحة والأمن والازدهار الاجتماعي والإنساني بشكلٍ عام.