منذ أن خلق الله الإنسان اومكّنه على الأرض، وقضية السلام تشكّل له هاجساً مستمراً يفوق غرائزه وجميع دوافعه وتطلعاته، لا سيما حين ارتضى العيش في جماعات صغيرة ومن ثم في مجتمعات كبيرة وضمن جماعات وتخلّى عن فرديّته وأحاديته، وأصبح كائناً مرتبطاً بالآخر في حياته وعيشه وخططه واستراتيجياته ومستقبله وطموحاته، لكن حرصه على خصوصيته وشخصيته وتقاليده ومعتقداته وعاداته وطموحاته يثير من وقت لآخر فردانيته وأحاديته، ورأى أنه حتى هذه الفردانية وتلك الخصوصية لا يمكن تحقيقها إلا باحترام الآخر وخصوصيته، لهذا، فإن تحقيق سلامه وأمنه ، كما اكتشف لاحقاً، يعتمد على احترام الآخر وخصوصيته ومكوّناته الشخصية، ومن هنا نشأت فكرة أهمية العمل الجماعي لتحصين الأمن الفردي وخصوصيته، سواء كان هذا الفرد شخصاً أو دولة أو حزباً أو تحالفاً.
 ومن هنا أيضاً، برزت فكرة مهمة جداً على الصعيد الإنساني والمعرفي، تتمثّل في عدم اللجوء إلى التهميش والإلغاء والمحو والإجبار ، لأن مجرّد التفكير بها سيقود إلى حتماً إلى الحروب والنزاعات الفردية والجماعية، التي تقود بلا أدنى شك، إلى إحداث الخراب والدمار الشخصي والجماعي بنسب متفاوتة، وحسب الحالة ، ذلك أن الطرفين، المنتصر والمهزوم، خاسران بشكل أو بآخر، وهنا علينا أن نعرف أنه يجب ألا يكون معيار من خسر أقل من الرابح أو المنتصر، ومن خسر أكثر هو المهزوم والمنكسر ، ومن هذا المنطلق كان السلام نشيد الإنسانية الأسمى والأعلى في العالم ، وكان من يسعى لافتعال الحروب وإشعال فتيلها هو الطرف الخاسر، لأنه سيُواجَه بتحالفات تؤمن بالفكرة الإنسانية السامية الخالصة المتمثلة بالسلام الحقيقي المنشود .
 الحديث ليس منطقياً وعقلانياً وواقعياً، لأن العالم لو أحصى ما تكبّدته البشرية من ضحايا وخسائر ، عبر حروبها الدموية التي تستّرت وراء الأفكار السياسية والمصالح الاقتصادية والعقائدية ،والقومية . سيجد أن الأرض أشبه بمقبرة ضخمة جداً يتجوّل بينها الأحياء. فقد راح ضحية الحرب العالمية الأولى قرابة عشرة ملايين جندي ونحو سبعة ملايين مدني، بينما كانت الحرب العالمية الثانية أكثر شراسة ودناراً وخراباً، وراح ضحيتها من المدنيين بين أربعين إلى خمسين مليون نسمة،وقدرت الخسائر بين الجنود بين إثنين وعشرون وخمس وعشرون مليوناً، بمن فيهم خمسة ملايين ماتوا في الأسر.ما عدا ملايين المفقودين وعشرات الملايين من المشردين والمهجرين. 

 ولو رصدنا ضحايا الحروب الأهلية والحروب التوسعية التي كان هدفها إنشاء الإمبراطوريات والبيانات الكبرى لوجدنا مئات ملايين الضحايا، فقد راح، على سبيل المثال، في الحرب الأهلية الصينية حوالي ثمانية ملايين إنسان، أما الحروب التي نشبت بين السلالات والأقوام الصينية فراح ضحيتها حوالي خمسين مليون إنسان ونيّف ، أما الغزوات المتتالية التي شنها المغول في القرن الثالث عشر التي هدفت إلى تأسيس الإمبراطورية المغولية، فقد أدت إلى قتل حوالي خمس وخمسون مليون إنسان من الأبرياء ، بينما أدت الحروب الصليبية إلى مقتل حوالي ستة ملايين إنسان من الأبرياء ، إضافة إلى حروب أهلية بين جماعات وقبائل وعشائر وأقوام وجنسيات سادت معظم بلاد العالم وقتلت عشرات ملايين البشر.
 لقد استُخدمت في تلك الحروب أسلحة تقليدية، فما بالنا اليوم ونحن نعيش عصراً نووياً بامتياز، فالعالم يمكن عشرات آلاف الأطنان من أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والجرثومية فضلاً عن الأسلحة النووية الفتاكة. فقد قسّم تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام عام 2021 م ، ممتلكي القنبلة النووية إلى قسمين، الأول الدول التي تعترف بامتلاك السلاح النووي وهي: جمهورية روسيا الاتحادية نحو (6255 قنبلة نووية) ومن الأنواع شديدة التدمير التي لا تملك أي دولة في العالم نفس قدرتها التدميرية ، الولايات المتحدة الأمريكية تملك نحو (5550 قنبلة نووية)، الصين تملك نحو ثلاثمائة وخمسون قنبلة نووية، فرنسا تملك نحو مئتان وتسعين قنبلة نووية، المملكة المتحدة تملك نحو مئتان وخمس وخمسون قنبلة نووية. أما الدول النووية التي لا تعترف بامتلاك السلاح النووي فهي جمهورية باكستان الإسلامية تمتلك نحو مائة وخمس وستون قنبلة نووية، الهند تملك نحو مائة وست وخمسون قنبلة نووية، إسرائيل تملك نحو تسعين قنبلة نووية، كوريا الشمالية تملك ما بين أربعين إلى خمسين قنبلة نووية . ولو وقعت حرب واستُخدم فيها السلاح النووي، فلا شك أنها ستبيد ثلاثة أرباع البشرية على الأقل، ويتدمّ جزء كبير من الكرة الأرضية، إضافة إلى الخراب العمراني وعودة العالم إلى العصر الحجري، ولن يكون هناك أي منتصر، فالكل خاسرون لا محالة. وهذا أمر منطقي .
 ويبدو أن بعض القادة المتهورون والذين يمكن وصفهم ب «المجانين» يهدّدون باستخدام السلاح النووي إذا ما نشبت حرب عالمية، ما يعني أن النتائج ستكون كارثية. السلام رسالة إلهية، ووجود الإنسان على الأرض له دور عمراني وتنموي، فلماذا يعمل الساسة والعسكريون إلى تحويله إلى دور دموي؟ 
نحن مع السلام والأمن للبشرية جمعاء .
calendar_month16/04/2022 08:26 pm