على مدى تاريخ الوجود الإنساني كان وما يزال كل شيئ يشهد على علاقة بني البشر بالطبيعة، لكن هذه العلاقة تحوّلت بشكلٍ واضح في عصرنا الحديث تحولاً جذرياً. فقد كان بني البشر عبر مسيرة وجودهم التاريخية يعتبرون أنفسهم جزء من الطبيعة منسجم معها ومتماهي مع تفاصيلها، لكنهم مالبثوا أن سعوا للتفوق على الطبيعة والسيطرة عليها لشعورهم بالتفوق والتميز داخل النظام الطبيعي، لذا فقد استخدم الإنسان عقله للخروج نوعاً ما من هذا النظام وعمل على تأسيس نظام خاص به وموازٍ لتلك العلاقة، لكن بشكلها التناقضي ليكون أكثر انسجاماً ومواءمةً لبروز عصر حديث له سبق السيطرة وجبروت القوة. لكن التساؤلات الفلسفية الكبرى بدأت تنساب متلاحقةً تبحث عن إجابات لتساؤلاتها حول ما هو الداعي إلى وضع ما أنتجته الإنسان من تقنيات للسيطرة على الطبيعة ومقوماتها ؟ وما قيمة التفكير المنطقي والنقدي فيها، ومدى وجوبه وضرورته في الوقت الحاضر؟ 
لقد تأكّد للباحثين والمختصين أنّ التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لها تأثير كبير على الواقع المادي للإنسان وعلى منهجه الحياتي وطرائق تفكيره. لذا لم تخلو كتابات فلاسفة القرن السابع عشر من خطابات التقريظ والتقريع لاحتفاء الإنسان بالآلة والتقنيات التكنولوجية .فالفيلسوف وعالم الرياضيات والفيزياء الفرنسي رينيه ديكارت ذكر في كتابه الشهير (مقال في المنهج) أنه يرى أنّ المعرفة التكنولوجية والتقنية تمكننا من جعلنا نحن البشر أسياد ومالكين للطبيعة. أما الفيلسوف والكاتب ورجل الدولة الانكليزي فرانسيس بيكون فقد قال في كتابه الهام بعنوان: (الأورغانون الجديد) إنه يرى أنّ الاستماع إلى الطبيعة ومتابعة معرفة ظواهرها وتأسي المعرفة العلمية بنهجها الاستقرائي، يهدف بالدرجة الأولى إلى السيطرة على الطبيعة والانتصار عليها. كما يتوافق الفيلسوف فرنسيس بيكون مع الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت بأنّ التكنولوجيا والتقنية تعتبران وسيلة لسيطرة الإنسان على الطبيعة والتسيد عليها. 
لقد تبدّلت وتغيرت إدراكاتنا نحن البشر للأشياء. فقد قال في ذلك عالم الاجتماع الفرنسي جورح فريدمان إن المبادئ والأسس التي حكمت نظرتنا إلى العالم قد أصابها اليوم التحوّل والانقلاب الجوهري تجاه الطبيعة. فإذا كان منطلق فلسفة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت حول سيطرة الإنسان على الطبيعة وتسيّده عليها من خلال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة. فإنّ المفارقة الحاصلة قد تبدت خلال مرحلة تطور وظهور التقنيات، التي أصبح الإنسان تحت سيطرتها وسطوتها . تلك الرؤى التي جعلت الفلاسفة والمفكرين يقرِّظون الطبيعة ويعلنون تسيّد الإنسان عليها من خلال التكنولوجيا والتقنيات المتطورة بوصفها قوةً وسلاحاً فعالاً يخدم بني البشر، لذا تحوّلت نظرة الفلسفة والفكر الغربية وانقلبت موازين القوى من حالة التقريظ إلى حالة الهجاء القاسي. وذلك لأنّ الفيلسوف ديكارت كان يقصد إلى جعل الإنسان سيداً مسيطراً على الطبيعة، وهذا ما جعل الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر ينتقده بشدة الذي يعتبر "ماهية الإنسان جوهرية بالنسبة إلى حقيقة الوجود"، لذلك ينطلق من مفهومه العتيد الدازاين وهو الذي سيعلي من شأن الفيزيائي والفيلسوف الرياضي بليز باسكال على ديكارت، أي الإعلاء من شأن العاطفة والقلب على خطاب العقلانية الديكارتية التي تم وصفها بالمتوحشة والتي تنظر إلى الطبيعة من معيار رياضي فتحولها إلى موضوع للتسيد والسيطرة والاحتواء.وهي اللحظة الفارقة التي انفصل فيها الإنسان عن الأخلاق الطبيعية، أي الأخلاق النابعة من الشعور العميق بالانتماء إلى الطبيعة ، منتحلاً لنفسه أخلاقاً أخرى هي أخلاق السيطرة والقوة والجبروت. أي القوة التي أوحى بها العلم والتفوق التكنولوجي .وأوحى بها الشعور بمركزية الإنسان وأهميته وفرادته من بين كائنات ومكونات الطبيعة، وجاءت سلطة العقل والعقلانية والمعرفة العلمية ترسخها فيه لتتحول بتأثير ذلك كله إلى أخلاق المحارب.وهكذا فقد تم انتاج الإنسان والتاريخ والثقافة والعلم والصناعة والتقنية مقابل الطبيعة ثم لم تلبث فلسفة العَقد الاجتماعي أومبادئ الحق السياسي من خلال ما كتبه جان جاك روسو حيث وضع نظريته حول أفضل طريقة لإقامة المجتمع السياسي في مواجهة مشاكل المجتمع. في القرنين السابع عشر والثامن عشر،تلك الفلسفات رسخت هذه النظرة من طريق دفاع فلاسفتها (توماس هوبس صاحب نظرية العقد الاجتماعي ونشأة الدولة في العصر الحديث ،وجون لوك الذي انشغل بالأسئلة الفلسفية التقليدية المتعلقة بالنفس والعالم والألوهية. لكن بدلاً من انطلاقه نحو البحث في هذه المشكلات بدأ بطريق لم يطرقه قبله معظم الفلاسفة، وهو البحث في المعرفة الإنسانية، كما دافع الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا ،وهو من أهم فلاسفة القرن السابع عشر الميلادي. الذي تضم فلسفته جميع مجالات الخطاب الفلسفي تقريباً، بما في ذلك الميتافيزيقيا والأبستمولوجيا والفلسفة السياسية والأخلاقيات وفلسفة العقل وفلسفة العلم ، والفيلسوف السويسري الكبير جان جاك روسو الذي كتب نظرية العقد الاجتماعي) جميعهم دافعوا عن نظام بديل للنظام الطبيعي هو النظام السياسي والمدني، مع النصيب الأوفر الشديد في النظام الطبيعي بحسبانه نظامَ حرب دائمة.وهو نظام جديد لما بعد الطبيعة. يتصف بأنه عصر القوة ،وعصر فلسفة القوة التي نادى بها الفيلسوف والشاعر والناقد الثقافي والملحن واللغوي الألماني فريدريش فيلهيام نيتشه، وهو عصر العنف والحروب الدينية الطاحنة ،وعصر الثورة العلمية والصناعية، وتسلل النظام الرأسمالي والروح التجريبية وسطوة وسيادة العقلانية، وبهذه المناهل والوسائل والأدوات تمكن الإنسان من إنجاز فتوحاته بسيطرته على العديد من مكونات الطبيعة ،كما يسيطر على الإنسان نفسه ويسحب بالاستغلال والهيمنة قواهما معاً. 
لقد سيطر الإنسان على الطبيعة وحيواناتها من خلال استخدامه البارود، وانتزع الأدغال والغابات من الحيوانات التي تعيش فيها بعد إبادة جزء كبير منها لتتحوّل إلى مدن وبلدات ومزارع . كما سيطر بالبارود والنار على معظم الأرض التي يعيش فيها ما يمكن أن نسميه (إنسان الطبيعة). وفرض أسلوب حياة الإنسان الأوروبي. وبرَّر احتلالاته واستعماره لدول العالم بذريعة نشر التمدن والحضارة الإنسانية في المجتمعات البربرية والهمجية .كما عمل بني البشر على تسخير مكونات الطبيعة من أجل صناعاته التي أخلّت بالتوازن البيئي . لذا نجد اليوم البشرية تعيش في مأزق خطير. ونجحت في تطوير نوع من المعارف يمكننا أن نسميه بــ (المعرفة القاتلة) بينما تباطأت بل فشلت في تطوير أنواع متعددة من المعارف هي في أمسّ الحاجة إليها. فقد شبَّه عالم الفيزياء الألماني ألبرت آينشتاين التقدم التقني في فوضويته ولامسؤوليته الأخلاقية تشبيها هاماً وجميلا ودالاً، حيث يقول : (إن سلاح التقدم العلمي والتكنولوجي يبدو مثل فأس وضعناه في يد مريض نفسي)، أي أنه في يد غير مسؤولة يمكن أن تضرب به يمنةً ويسرةً وفي كل اتجاه، حتى ضد نفسها! وهكذا أنجب العلم نقيضها في التقنية وكرّس قوتها وسطوتها في العالم المادي وبما يملكه من رأسمال حول قدرة وقوى الطبيعة وقوة الانتاج الإنساني إلى سلع تسبح في بحر الربح، كما تم مصادرة جوهر الإنسان من إنسانيته وتحديد عقله وعقلانيته ضمن أقانيم محدَّدة وسياقات محدَّدة.
الجدير بالذكر أنّ هذا العصر الذي نعيش هو عصر تبجيل وتقديس وعبادة القوة، وكأنه دين جديد يشعر الإنسان القوي الذي يفرض مشيئته على الإنسان الأقل قوة وعلى الطبيعة، فالفلسفة الداروينية التي ابتدعها عالم التاريخ الطبيعي والجيولوجي تشارلز داروين مؤلف كتاب (أصل الأنواع) الذي صدر عام 1859 م يعتبر أحد الأعمال المؤثرة في العلم الحديث وأحد ركائز علم الأحياء التطوري. وكتاب (آثار التاريخ الطبيعي للخلق) حيث حدد شريعة القوة القائلة بأنّ الداروينية الطبيعية تنتخب الأقوى دائماً، أي الإنسان العاقل مقابل الطبيعة والحيوان وتضع قوانين وتشريعات لصالح القوي على ما دونه. ويمارس على الشجر والحجر والبشر (شريعة الغاب) تلك العبارة يقصد بها حالة من الفوضى حيث يقوم كل شخص بالتصرف كما يريد وأخذ حقه بنفسه لأسباب مختلفة منها ضعف الأمن أو سوء السلطة والأهم من كل ذلك سلطة القوي على الضعيف .أما الداروينية الاجتماعية فهي فكرة انتخاب القوي على الضعبف وهي التي تفضِّل الإنسان الأبيض مقابل سائر البشر من السود والملونين، والأعراق الأخرى التي تم تصنيفها عنصرياً بأعراق ( نفيسة) وأعراق (خسيسة) ،كما تم تصنيف المجتمعات إلى طبقات عليا حاكمة ومسيطرة مقابل طبقات (دنيا) محكومة ومسيطر عليها ،وهذا بدوره يؤسس لتقسيم العالم إلى أسياد مقابل العبيد لتبرير جرائمهم وقتلهم وتدميرهم للإنسان (الآخر) ونهب خيرات الشعوب. مستعينين بالنظرية المالتوسية لمؤسسها توماس روبرت مالتوس من خلال الحروب الاستعمارية وممارسة العنصرية المفرطة والاسترقاق الجماعي والإبادات الجماعية والتهديد بالحياة على الأرض من خلال السلاح النووي الفتّاك.
calendar_month16/08/2022 11:05 am