الحياة برس - محمد زريد
"مات الولد برصاصة" جملة لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة الفلسطينيين والتي تمثل شاهداً متجدداً على الجرائم الإسرائيلية المتكررة بحق الأطفال الفلسطينيين، فبعضها كانت كاميرات الصحافة حاضرة في توثيقه وكثير منها حدثت تحت جنح الظلام.
في 30 سبتمبر/أيلول عام 2000م، كان العالم مع عملية إعدام ميدانية وبشعة بحق طفلٍ فلسطيني لم يشكل خطراً على جيش مجهز بأعتا الأسلحة الفتاكة، حيث وثقت كاميرات الإعلام وبثت عملية إعدام الطفل "محمد جمال الدرة 12 عاماً" على الهواء مباشرة.
الطفل الدرة لم يكن أول ضحايا مجازر الإحتلال الإسرائيلي الذي بدأ قتله للشعب الفلسطيني منذ أكثر من 70 عاماً، ولكن هذه الحادثة أعطت العالم مثالاً جديداً على ما يحدث في فلسطين من انتهاك للمواثيق الدولية والإنسانية.
محمد الدرة كان برفقة والده قاصداً سوق للسيارات بالقرب من مفترق ما كان يعرف بـ "نتساريم" جنوب مدينة غزة، قادماً من مخيم البريج وسط القطاع.
وعندما وصلا للمكان المقصود، وجدا نفسيهما محاصرين بإطلاق نار كثيف من ثكنات جنود الإحتلال الإسرائيلي، الذين كانوا على علمٍ تام بأن الموجود في المكان هو والد وطفله ولا يملكان شيئاً يشكل عليهم أي خطر يذكر.
حاول الأب أن يحتمي وابنه خلف "برميل" اسمنتي ولكن الرصاصات كانت أسرع بطريقها لأقدام وصدر الطفل.
ويقول والده جمال في حديث صحفي سابق "حاولت حماية محمد من الرصاص بجسدي، حتى أنني كنت أرفع كف يدي لتلقي الرصاص الذي أصاب ركبة محمد، وكانت تلك الطلقة الأولى التي تصيبه، لكنه ظل متماسكا، قبل أن أجد رأسه على قدمي اليمنى وفي ظهره فتحة كبيرة بعد إصابته في البطن الذي اخترقته عدة رصاصات".
هذه الحادثة الإجرامية تم نقلها لوسائل الإعلام كافة، ووثقها كلاً من الصحفي الفلسطيني طلال أبو رحمة، والفرنسي شارل إندورلان، وقد تسببت بحالة من الغضب في معظم الدول العربية والإسلامية والدول الغربية التي خرجت بها مسيرات حاشدة حاملة صورة الدرة منددة بالجريمة.
وتحول الدرة من شاهدٍ بدمه على جرائم الإحتلال لأيقونة وطنية فلسطينية، وسميت العديد من المرافق العامة باسمه في فلسطين وخارجها، حيث أطلق اسمه على أحد شوارع العاصمة المصرية القاهرة، ومستشفى في غزة، ومدرسة في خانيونس جنوب القطاع، واستاد رياضي في النصيرات وسط القطاع.
2230 طفل شهيد
منذ تاريخ استشهاد محمد الدرة وحتى قبل ساعات قليلة من ذكرى استشهاده الـ 22، وبالتحديد في 29 أيلول/سبتمبر 2022 أستشهد الطفل ريان سليمان "7 أعوام" خلال ملاحقته من جنود الإحتلال المدججين بالسلاح في بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، وهنا بلغت حصيلة الشهداء الأطفال 2230 شهيداً فلسطينياً خلال 22 عاماً.
وهذه الحصيلة تحمل في طياتها الكثير من القصص المؤلمة التي تتحدث عن لحظات أخيرة عاشها أطفال فلسطين في خوف من عنجهية احتلال لا يعرف الرحمة.