الحياة برس - أفادت وسائل إعلام عبريّة عن وجود خشيةٍ إسرائيليّةٍ من احتمال حدوث تسرّب نفايات مشعّة من مكّب النفايات التابع لمفاعل ديمونا ومنشآت أخرى وتلويث البيئة والسلسلة الغذائية، وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، التي استندت إلى نشرةٍ داخليّةٍ خاصّةٍ بالمفاعل، أنّ الفيضانات والنباتات التي تخترق التربة وموقع النفايات قد تتسبّب في انبعاث المواد المُشعّة من الموقع إلى البيئة.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ مكّب النفايات المشعة يقع في المنطقة المغلقة حول المفاعل في ديمونا، مضيفةً أنّ الحديث يدور حول الدفن في براميل قد تهرأ وتتصدع. وتُغطى هذه البراميل بطبقة من التربة تصل سماكتها إلى نحو مترين. علاوة على ذلك، أضافت أنّه يتّم جلب النفايات المشعة من مفاعل ديمونا، ومن المفاعل في سوريك، ومن المنشآت الصناعية، في حين لا يُعرف حجم النفايات المدفونة هناك.
الصحيفة نقلت عن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو قوله إنّه خلافًا لما ورد في التقرير، ليس هناك خطر انتشار الملوثات المشعة خارج حدود موقع تخزين النفايات، وتلويث البيئة، وأنّ مركز النقب للأبحاث النوويّة يعمل وفق المعايير الدولية الصارمة ويخضع لإشرافٍ خارجيٍّ لضمان استقرار المواد في موقع التخزين على المدى القصير ولسنواتٍ عديدةٍ قادمةٍ، على حدّ تعبير البيان.
يُشار إلى أنّ مفاعل ديمونا هو عبارة عن مفاعل نوويٍّ إسرائيليٍّ، بدء بالعمل ببنائه عام 1958 بمساعدةٍ فرنسيّةٍ، وكان الهدف المعلن من إنشائه توفير الطاقة لمنشئات تعمل على استصلاح منطقة النقب، الجزء الصحراوي من فلسطين التاريخيّة.
وفي العام 1986 نشر التقني السابق في مفاعل ديمونا، مردخاي فعنونو للإعلام بعض من أسرار البرنامج النوويّ الإسرائيليّ، والذي يعتقد، بحسب مصادر أجنبيّةٍ، أنّ له علاقة بصنع رؤوس نووية ووضعها في صواريخ بالستية أوْ طائرات حربية أوْ حتى في غواصات نووية موجودة في ميناء حيفا، كنتيجة لهذا العمل، اختطف فعنونو من قبل عملاء إسرائيليين من إيطاليا وحوكم بحكم تتعلق بالخيانة في إسرائيل. جدير بالذكر أنّ الاستخبارات الإسرائيليّة اعترفت بأنّ مفاعل ديمونا بات في مرمى صواريخ حزب الله وإيران أيضًا.
وتنتهج إسرائيل سياسة الغموض والضبابيّة حول مفاعل ديمونا، وفي هذا السياق قال البروفيسور أفنير كوهين مؤلف كتاب (إسرائيل والقنبلة) إنّ البداية كانت في لقاء على انفراد بين رئيسة الوزراء غولدا مئير والرئيس الأمريكيّ ريتشارد نيكسون في أيلول (سبتمبر) 1969، حيث قررا أنْ تبقى إسرائيل في موضع الغموض العلنيّ في كل ما يتعلّق بالموضوع النوويّ، لا تُطلق أيّ “تصريحٍ نوويٍّ”، لا تعترف، لا تقل شيئًا، وأنْ يبقى الأمر برمته سرًا، وأمريكا من ناحيتها، تقبل ذلك وتعرف كيف تتعايش معه وتقوم بتحويل الموضوع النوويّ الإسرائيليّ إلى موضوعٍ استثنائيٍّ، كما قال لصحيفة (معاريف).
وبرأيه شكلّت هذه التفاهمات أساس قواعد اللعبة المقبولة حتى اليوم، والتي بموجبها تُحافظ إسرائيل على سريّة الموضوع النوويّ فيما يدافع الأمريكيون عن إسرائيل في المحافل الدولية، لافتًا إلى أنّ الغموض تكلل بالنجاح وشكلّ حالة إدراك استراتيجيّ عميقة، فلإسرائيل احتكار صامت في الشرق الأوسط للموضوع النوويّ، والغموض سمح للجميع على مرّ السنوات، وبشكلٍ شبه مطلقٍ، تجاهل هذا الموضوع ممّا أضعف لدى العرب الحافز على التسلح النوويّ، مُوضحًا أنّه في الغموض كثير من مظاهر الحذر، لأنّه ينشئ فاصلاً بين السلاح النوويّ والقضايا الأمنيّة الأخرى.
ولفت أيضًا إلى أنّه لا ريب في أنّ الغموض بمعناه السياسيّ الاستراتيجيّ حقق أهدافه، فقد عزز الغموض الإقرار العالمي بأنّه إذا كانت إسرائيل تملك سلاحًا نوويًا، فإنّها لن تتجرّد منه في المستقبل المنظور، وإنّها حذرة في استخدامه، إذا كانت فعلاً تمتلكه، على حد قوله.
وشدّدّ البروفيسور كوهين على أنّ إسرائيل هي الدولة النوويّة الوحيدة التي ترفض بعنادٍ أنْ تقول شيئًا حول مكانتها النوويّة، وتتعامل مع الأمر النوويّ بعموميته كأحد الأسرار المنيعة للدولة، فيما أنّ باقي الدول النوويّة، الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، الهند وباكستان هي دول نووية معلنة، وأكثر من ذلك، الولايات المتحدة قامت بنشر العدد الدقيق للأسلحة النووية التي تملكها.
وأضاف كوهين أن الإسرائيليين الذين نشأوا داخل ثقافة الغموض لا يستوعبون إلى أيّ حدٍّ يعتبر الوضع الإسرائيليّ المذكور شاذًا من الوجهة العالمية، إنّه وضع غير طبيعي بالمرّة، على حدّ وصفه.
وفي معرض ردّه على سؤال (معاريف) قال إنّه من ناحية العالم، هذا السر مجرّد هراء مطلق، فليس في العالم أدنى شكٍّ في شأن مكانة إسرائيل النوويّة، وبرأيه يُمثل الغموض اليوم حالة تشخيص قديمة تُعبّر عن عهدٍ تاريخيٍّ للمخاوف المُرعِبة، وهو ما يتناقض مع أعراف السلوك الديمقراطيّ المناسبة، واختتم قائلاً إنّ المشكلة هي أنّ إسرائيل تُعاني من انعدام الشفافـية ليس فقط إزاء الخارج وإنما أيضًا إزاء الداخل.

calendar_month08/03/2018 07:09 pm