
كالبرق أو كّلمحٍ بالبصر، أو كالريح المرسلة أتي ضيفاً كريماً حبيباً عزيزاً عظيماً؛ شهر الرحمة والقرآن، شهر رمضان، وها هو يوشكُ أن يرحل مُسرعاً من بين أيدينا، وكأنهُ يبلغنا رسالة عظيمة أن العمر سيمضي بنا، وسينقضي بسرعة، فكم من الأحباب كانوا بيننا في الأعوام الماضية وقد وُريِت أجسادهم تحت أطباق الثري، تحت الجنادلِ والتراب، وداعًا يا شهر الغفران؛ الرسالة فيه تقول لعلكم تتقون، والتقوي أقوي، فيرحل الإنسان من الدنيا ويأخذ معهُ عملهُ إن خيراً فخيراً؛ وإن شراً فّشَّر؛ فلا شيء في هذهِ الدُنيا يدومُ، وداعًا يا شهر الخيرات والكرامات، والقُربات والاعتكاف والقيام والصيام، والقرآن؛ وداعًا يا شهر الإيمان، وداعًا يا شهر القرآن، وداعًا يا شهر زيارة الأرحام، يا شهر الصدقات؛ لا أوحش الله منك يا رّمضان، يا شهرًا فُتحت فيه أبواب الجنان، وأغلقت فيهِ أبواب النيران، وصفُدت فيه مردةّ الشياطين؛ لا أوحش الله منك يا شهر الرحمة والعطف على الأيتام والفقراء والمساكين والمحتاجين، يا شهراً للهِ عز وجل فيه كل ليلة عُتقاءٌ من النيران، وداعاً يا حبيبنا يا شهرُ رمضان وفيهِ ليُلةٍ القدر، هي خيرٌ من ألف شهر، أي ما يقارب عبادة 83 سنة، وفيها سلامٌ وأمان وعتق من النيران ومغفرة، من الله لعباده الموحدين حتي مطلع الفجر، فيها تتنزل الملائكة بأعداد تفوق التصور والخيال؛ حيث تملأ ملائكة الرحمان ما بين السماء والأرض لو لامس نور هذه الملائكة أحدًا من عبادهِ فلن يشقي بعدها أبدًا، تتجلي في ليلة القدر أنوار وبركات من السماء إلى الأرض، حتي إن كان لآخر يوم من رمضان كان لله عتقاء من النار بأعداد كبيرة لا يعلم مداها وعددها إلا الله عز وجل؛ إنها نفحات هذا الشهر العظيم وهو كضيفٍ كريم عزيز ما أن حطّ رحاله، وإذ بهِ كالبرق الخاطف يرحل ويمضي من بين أيدينا تاركًا جرحًا غائرًا في القلب من سرعة ما مضي هذا الشهر الفضيل؛ فلقد حول الله عز وجل الصيف في هذا الشهر بدل أن يكون حارقاً إلى ربيعٍ فارق؛ لتشمل رحمة الله عز وجل عبادهِ الصائمون وتتجلي بركات رب العالمين على الموحدين المؤمنين بسرعة مرور الأيام في هذا العام من شهر الصيام، وكأن قطار العمر يمضي بنا ليتوقف يومًا ما في محطتهِ الأخيرة محطة الرحيل من دار الدنيا الفانية إلى دار الأخرة الباقية، فاليوم عملٌ ولا حساب وغدًا حسابٌ ولا عمل؛ هنيئًا لم صام هذا الشهر إيمانًا واحتسابًا فقد غُفر بإذن الله ما تقدم من ذنبهِ، فلا أوحش اللهُ مِنّك يا رمضان - نبكي على فراقك يا شهر الاحسان والايمان، لا أوحش الله منك يا رمضان، ولسان حالك في الليالي الأخيرة تقول ما قاله سيدنا محمد صل الله عليه وسلم في الحديث الشريف:" عِشّ ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقهُ"" ورحم الله الشهداء الأبرار الذين ارتقوا في هذا الشهر في مسيرات العودة والشفاء العاجل للجرحى البواسل، والحرية لأسري الحرية الأبطال وحرر الله المسجد الأقصى؛ وسلامٌ عليكم وسلامٌ لكم من الله السلام ومنهُ السلام، وإليه يعود السلام، وسلامٌ لأرض فلسطين التي لم ترى السلام والاستقلال، بفعل شياطين الأرض الصهاينة الغاصبين المُجرمين!؛ ونأمل من الله عز وجل أن يأتي رمضان القادم وقد تحرر أقصانا وأسرانا وقد زال الاحتلال وكل عام وأنتم بألف خير، وتقبل الله منكم الطاعات والصيام والقيام ولا أو حش الله منك يا رمضان يا شهر الخير والبركات والاحسان.
الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
الكاتب الصحفي والباحث والمحلل السياسي والمفكر العربي
المفوض السياسي والوطني والأستاذ الجامعي غير المتفرغ