
الحياة برس - هناك العديد من التعريفات التي بينت مفهوم التمرد من وجهات نظر مختلفة، غير أنها تتفق في معظمها على أنها شكل من أشكال الرفض المعلن تجاه السلطة المتمثلة في الأسرة والنظام المدرسي والمجتمع، وتتنوع مظاهر التمرد بتنوع السلطة وأشكالها، وهو وليد الإحساس بالظلم، والانصياع للنظم، أو القوانين، أو الأعراف، أو كل ما يحول دون ممارسة الإنسان لتطلعاته ورغباته، ولهذا يأخذ التمرد شكلاً سياسياً عندما يقوم على رفض مجموعة من الناس لسلطة جماعة أخرى، أو شكلاً اجتماعياً عندما يتمرد بعضهم على العادات والتقاليد والقيم، كما يأخذ شكلاً فكرياً عندما يراد منه النيل من الأفكار والآراء السائدة في عصر من العصور، ويأتي التمرد فردياً أو جماعياً، يكون فردياً عندما يقدم عليه شخص واحد في بيئة محددة، كتمرد أحد الأبناء على والديه، أو تمرد أحد الطلبة على مدرسيه، أو تمرد العامل على صاحب العمل، ويكون جماعياً كمحصلة لجهود مجموعة من الأفراد يشتركون مع بعضهم البعض بهموم وقضايا اجتماعية، كجهود الطلبة في المؤسسة التعليمية أو العمال في العمل.
یُعرِّف الباحث التمرد بأنه:
كل سلوك يعبر به الفرد عن رفضه ومخالفته للسلطة المتمثلة بالأسرة أو المدرسة أو المجتمع بسبب محاولات تقييد حريته الفكرية والسلوكية، أو محاولة استعادة حريته الشخصية الذي يعتقد بأنها مسلوبة منه، ويتصف سلوك الفرد بالعدوانية والكراهية للقيم والعادات والنظم.
ويقاس التمرد بالدرجة التي یحصل علیها الفرد على مقياس التمرد المستخدم في الدراسة
الحالیة، والذي یتكون من ثلاثة أبعاد: التمرد على الأسرة، والتمرد على أنظمة المدرسة، والتمرد على المجتمع.
النظريات المفسرة للتمرد:
سيكولوجية العدوان كتفسير للتمرد:
لقد أسهم علم النفس بنصيب وافر في تعريف ظاهرة العدوان وتحديدها، وحيث أن الباحث يرى أن التمرد هو سلوك يمارسه الفرد، وهو مظهر من مظاهر العدوانية ولكن في مراحلها الأولى، وهو متغير ينبع من داخل الفرد، فهذا يعني أن التمرد يحمل معنى التعدي، وهو مخالفة صريحة أو ضمنية لمعايير السلوك المتفق عليها.
نظرية التحليل النفسي:
يرى فرويد أن غرائز الحياة والجنس والبقاء أكثر ضعفاً من غرائز العدوان والموت والتدمير، ويذهب فرويد إلى أن هاتين الغريزتين ترتكزان من الطفولة الأولى في العلاقات مع الوالدين وبخاصة الأم، فموقف الطفل الانفعالي من أمه متجاذب، يتضمن أقصى درجات الحب مع أقصى درجات الغضب، وقد وجد أن هذه الصورة هي النموذج الأولي لكل علاقة تالية.
فالابن الذي يعجز عن تكوين علاقة لها معنى مع والديه تكون نموذجاً له فيما بعد لكل العلاقات بينه وبين الآخرين، فإنه يظل ثابتاً في مرحلة بحثه عن مبدأ اللذة وإشباع رغباته الجنسية من غير الاكتراث بالنتائج المترتبة عليها، والذي يتحول إلى الثورة والتمرد على معايير المجتمع ورموز السلطة في فترة المراهقة والشباب.
النظرية السلوكية:
ترى أن سلوك التمرد هو سلوك عدواني يتعلمه الفرد كما يتعلم السلوك الايجابي فهو نتاج عن علاقة مشوهة بين المثير والاستجابة.
حيث إن ظاهرة التمرد تظهر في حياة الشباب والمنطلقة من الشعور بالقوة والتحدي وضرورة التغير نتيجة اتجاهين متناقضين اتجاهاً سلبياً ضاراً، وهداماً، واتجاهاً إيجابياً مغيراً يساهم في تطوير المجتمع والدفاع عن مصالحه وظاهرة التمرد التي تنشأ لدى المراهقين من أكثر المشاكل الأسرية والمدرسية تعقيداً، والتمرد السلبي أو التمرد على ما ينبغي الالتزام به من عقيدة سليمة وقوانين وقيم أسبابه الذاتية والموضوعية التي ينبغي دراستها للتعامل معها بوعي وتخطيط فإن ظاهرة التمرد في أوساط المراهقين مسألة خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع.
النظرية النفسية الاجتماعية:
ولقد اتفق أدلر( 1870) مع فرويد على أن العدوان غريزة فطرية، إلا أنه اختلف معه من ناحية استقلالها عن غريزة الجنس، كما أنه اعتبر العدوانية المبالغ فيها بمثابة تعويض زائد للإحساس بالنقص، ويرى أتباع أدلر أن التمرد هو بمثابة نمو من الذات، فالذات المهضومة الحقوق تنهض وتثور على السلطة التي تعطي لنفسها امتيازات لا تمنحها لسواها.
وقد أعطى أدلر أهمية كبيرة لمشاكل الحياة التي يجب على كل فرد حلها، وتطرق إلى المشاكل التي تتضمن سلوكاً نحو الآخرين ، ويسلك الفرد في الغالب في حله لتلك المشاكل سلوك التمرد والقسوة دون اعتبار للآخرين، فهو يهاجم الآخرين ويكون مؤذياً وجانحاً ومتمرداً، وقد يهاجم الآخرين عن طريق مواجهة نفسه، فهو يرى بمهاجمة نفسه كأنه يؤذي الآخرين.
نظرية التعلم الاجتماعي:
ويرى كل من دولار وميلر(Dollard & Miller) أن الفرد يولد مزوداً باستعدادات أولية تمثل المادة الخام لشخصيته، حيث تبدأ هذه الاستعدادات بالتعديل والتطوير بناء على مبادئ التعلم في الأوساط التربوية وفي مقدمتها العائلة.
ولقد تبنى دولار وميلر(Dollard & Miller) فرض العلاقة بين الإحباط والعدوان كمفهوم لتفسير التمرد على السلطة، حيث إن الوعي بالإحباط أو الحرمان يعني الخطر والتهديد لإشباع حاجات الإنسان الأساسية، فإذا عجز الإنسان عن التعامل مع هذا الخطر وتغييره بالوسائل المشروعة، استثيرت في نفسه النزعة إلى العدوانية، فيلجأ إلى العدوان بصورة وبدرجات مختلفة، وذلك لتحطيم مصادر الإحباط ورموزه، سواء على مستوى العائلة، أو مستوى المدرسة، وهذا العدوان يأخذ شكل التمرد، إلا أن العلاقة بين الإحباط والتمرد على السلطة ليست علاقة ميكانيكية، فهناك عوامل يمكن أن تحول دون التمرد ورغم وجود الإحباطات كأن يكون سائداً في الأسرة أو في المدرسة مجموعة من التفسيرات للأوامر والقوانين، فمثلاً أن يفسر الطالب حضور طابور الصباح للاستماع إلى الإذاعة المدرسية، ولممارسة الرياضة، ولسماع تعليمات الإدارة المدرسية وقوانينها، وهو استعداد نفسي لتقبل الحصص الدراسية.
نظرية باندورا في التعلم الاجتماعي:Bandura,s Theory of Learning
تمثل هذه النظرية إحدى نظريات علم النفس التي تساعد بشكل كبير في فهم ما يدور داخل الإنسان، ويعتبر باندورا أحد المنظرين الأساسيين لها.
ينظر باندورا إلى التعلم على أنه عميلة تتشكل عبر ثلاث مراحل هي: الملاحظة، والاكتساب، والموافقة أو القبول، ويقصد بالملاحظة ملاحظة النموذج أو القدوة ، أما الاكتساب فهو توجيه الانتباه إلى دلالات ومحددات القدوة وتخزينها في الذاكرة، ويتم قياس الاكتساب عن طريق تكرار الملاحظة لسلوك النموذج، في حين يتمثل القبول أو التقبل (Acceptance) بأن الملاحظ وافق (استعمل) أو لم يتقبل( لم يستعمل) دلالات القدوة أو سلوكه بوصفها مرشداً لأفعاله وسلوكه.
فنظرية التعلم الاجتماعي تميز بين اكتساب( ما تعلمه الشخص ويستطيع القيام به)، والأداء وهو ما يستطيع الشخص بالفعل القيام به، فالملاحظ إما أن يكون قد استعمل أو لم يستعمل دلالات القدوة بوصفها مرشداً لسلوكه.
وينظر باندورا إلى الانسان بأنه حر لا يستجيب على نحو إلى للمواقف والمثيرات التي تواجهه، فهو يقوم بمعالجة المعلومات وتفسيرها واعطائها المعاني الخاصة بها.
وفي نظر باندورا فإن الناس لا يقومون بكل شيء يتعلمونه، لأن الفرد يمكن أن يقلد السلوك المؤدي إلى نتائج إيجابية، ويرفض السلوك الذي لا يحبه أو يؤدي إلى نتائج عقابية.
نظرية هورني(Horney):
وترى كارين هورني(Horney)(1885) أن الصراع بين الأب والابن وظهور حالات التمرد لدى الأبناء لا يكون ناتجاً كما يعتقد فرويد بسبب عقدة أوديب(Oedipus Complex)- الرغبة الجنسية للولد نحو والدته- وعقدة الكترا(Electra Complex)- الرغبة الجنسية للفتاة نحو والدها- وإنما ناتج عن حسد الابن للسلطة الاجتماعية للأب، وهذا يتعلق بالأدوار الاجتماعية وأنماط السلطة في الأسرة ، وهو أيضاً قلق ناتج عن اضطرابات أساسية في طريقة معاملة الوالدين لأبنائهم كالنبذ أو الإسراف في حماية الابن أو توجيه عقوبات صارمة بحقه.
كما ترى هورني(Horney) أن شعور الأبناء بعدم الأمن في علاقتهم مع والديهم يسبب لهم القلق الذي يدفعهم إلى اتخاذ أساليب توافقية مختلفة للتخفيف من حدته، ومع مرور الزمن تثبت هذه الأساليب في شخصياتهم فيصحبون عدوانيين أو مبالغين في الخضوع، وقد يتخذون لأنفسهم صوراً مثالية غير واقعية، أو يشقون على ذاتهم لكسب تعاطف الناس.
نظرية أيريك فروم:((Eric Fromm
ويرى فروم(1900) أن هناك طريقتين يمكن أن يسلكهما الفرد في محاولته لإيجاد معنى وانتماء في الحياة الأولى في تحقيق حرية موجبة من خلال محاولة إعادة الاتحاد مع الأشخاص الآخرين دون التنازل عن حرية الفرد وكرامته، أما الطريقة الثانية لاستعادة الأمان فهي عن طريق التخلي والتنازل عن حرية الفرد وفرديته ، والخيار بين الارتداد والنكوص للأمان من جهة، والتقدم نحو الحرية من جهة أخرى شيء لا يمكن تجنبه، وأن كل رغبات الإنسان يحددها هذا الاستقطاب، ويرى أنه إذا تمت إعاقة حاجات الخلق والإبداع عند الفرد، فإن سلوكه يصبح أكثر ميلاً إلى التخريب والتمرد.
النظرية الإنسانية:
ويرى روجرز أن من خواص تحقيق الذات لدى الفرد هو الشعور بالحرية، وأن الأشخاص المحققين لذاتهم يشعرون بصدق وحرية، ويتحركون في أي اتجاه يرغبون، وأكثر ما يهم أنهم لا يشعرون بأنهم مجبرون من قبل الآخرين أو حتى من قبل أنفسهم، لأنهم يسلكون بطريقة واحدة فقط.
نظرية أريكسون:
في الوقت الذي يرى فيه أريكسون(1902) أن للسياق الاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد تأثيرٌ واضحٌ في تكوين شخصيته، ولهذا يؤكد على دور كل من التنشئة الاجتماعية والمشكلات التي يواجهها الفرد خلال عملية نموه، حيث تنعكس إما سلباً أو إيجاباً في تكوين شخصيته.
ويرى أن الثقة في الذات والآخرين والعالم تنشأ من خبرات الرعاية الأولى التي تخلق لدى الأبناء الإحساس بالتقبل، والفشل في تكوينها يشعرهم بأنهم لا يستطيعون الثقة فيمن حولهم، مما يؤدي إلى التشكك والخوف من الرفض، وتوقع الخذلان والتقدير السلبي للذات، ويمكن أن يصبح المراهقون متمردين ومتعصبين وقليلي الاحتمال وقاسين في استبعاد الآخرين الذين قد يخالفونهم الرأي، ويرى ماسلو(1908) أن الأشخاص المحققين لذاتهم ذاتيون ومستقلون، فهم يرون أنفسهم أحراراً، فيقاومون الضغوط الاجتماعية والثقافية، ولا يميلون إلى التفكير والسلوك المرسوم لهم، وقد لا يتمردون بصراحة على المعايير الثقافية، أو يتحدون القوانين الاجتماعية مباشرة، وإنما يخضعون لطبيعتهم الداخلية وليس للقيم الثقافية، وقد أوضح أوتورانك(1952) عند وصفة للشخصية تصنيفين، الارادة(Will) والارادة المضادة(Counter-Will)، هما في صراع دائم، وسبب هذا الصراع هو الخوف من الانفصال (Separation)، والخوف المضاد من فقد الهوية( Identity)، نتيجة لهذا الصراع تنمو الأنماط المختلفة للشخصية.
نظرية التمرد النفسي:Theory of psychological Reactance
يعد جاك بريم(J.W.Brehm)(1966) أول من بحث في ردود أفعال الأشخاص نحو استعادة حريتهم المسلوبة أو المهددة بالسلب، يرى أن الأفراد قد يقومون بأفعال دون معرفتهم سبب قيامهم بها، وقد يقومون بأعمال يكونون مضطرين للقيام بها.
ويعتقد بريم أن رد الفعل النفسي هو قوة دافعية تنشأ عندما تتقلص الحرية الشخصية للفرد، أو تتعرض للتهديد، أو الاستبعاد، وتعمل تلك الدافعية على استعادة السلوك الذي تعرض للتهديد أو الاستبعاد، ويمكن أن يعبر عنها الفرد سلوكياَ أو إدراكيا أو عاطفياً، ويكون الفرد أثناء رد الفعل عاطفياً وضيق الأفق وغير عقلاني نوعا ما، ويرى بريم أن الحرية أمر طبيعي في سلوك الفرد وحياته، ولكن هذه الحرية إذا قيدت أو هددت بالتقييد، فإنه يصبح لدى الفرد، قوة مضادة للأحوال والبيئة المسئولة عن تقييد حريته، فيحدث ما يسمى بالتمرد النفسي لدى الفرد، والذي يتوقف حجم التمرد فيها على أهمية السلوك الحر المعاق أو المهدد بالإعاقة، ونسبته، وحجم التهديد للسلوك، أهمية السلوك تتناسب طردياً مع حجم التمرد النفسي لديه، وأيضاً يزداد حجم التمرد كلما كان احتمال تنفيذ السلوك المهدد أو المزال أكبر من قبل الآخرين، ويكون حجم التهديد أكبر إذا كان الأشخاص الذين ينفذون هذا التهديد ذوي نفوذ اجتماعي مساوِ لنفوذ الفرد أو يزدادون عليه في نفوذهم، أما اذا كان نفوذهم أقل منه فلا يكون لتهديدهم تأثير كبير على التمرد.
ويرى بريم أن مصطلحي التبرير والمشروعية لهما تأثير من ناحيتين الأولى: التأثير في حجم التمرد، والأخرى التأثير على القيود ضد آثار التمرد، فإذا منع الأب ابنه من التأخر والسهر ليلاً مع أصدقائه نتيجة ظروف أو وضع معين، يكون الأب قد أعطى الابن تبريراً مقنعاً بسبب المنع، وفي هذه الحالة يمس التهديد القليل من الحرية، ولا يزيد من درجة التمرد لدى الابن طالما أن هناك مشروعية من المنع، أما إذا كانت المحاولة غير مشروعة وغير مبررة لتقييد حرية الفرد، فإن هذا يؤدي إلى زيادة أو استثارة كمية أكبر من التمرد، لأن الفرد سيتوقع تهديداً لعدد أكبر من سلوكياته.
ويرى بريم أيضاً أن من أهم آثار التمرد النفسي هو شعور الفرد أثناء تمرده أنه قادر على فعل ما يريده، وليس مجبوراً على فعل ما لا يريده، وهو الذي يتحكم في سلوكه، ولذا فإذا كان حجم التمرد كبيراً نسبياً فستظهر مشاعر عدائية، وبهذا يكون التمرد حالة من حالات الدافعية غير المتمدنة، ويتجه ضد الأفعال الاجتماعية للآخرين، وقد ينكر الفرد بأنه غاضب، أو ينكر بأن لديه الدافع لاسترداد حريته.
تزداد أهمية السلوك الحر المهدد أو المزال، إذ تدفع الفرد لاستعادة ما فقده، وبذلك قد تزداد جاذبية السلوك الذي تم إزالته وهذا ينطبق على عبارة (كل ممنوع مرغوب).
ويرى بريم أنه يتم استعادة السلوك المزال أو المهدد بالإزالة بطريقتين:
أ. استعادة مباشرة عن طريق ممارسة السلوك نفسه، فإذا كان طالباً يعتقد أن لديه الحرية في التدخين، وتم منع هذا السلوك أو التهديد بالمنع من قبل الوالدين، فقد تكون استعادة هذا السلوك بزيادة كمية السجائر المدخنة أي بصورة مباشرة، أما إذا كان هناك أكثر من سلوك يعتقد الفرد حرية القيام بها، وتم منع سلوك معين، فقد تكون استعادة الحرية بالقيام بالسلوك الآخر، فالطالب الذي يعتقد أن له حرية في التدخين والسهر ليلاً مع أصدقائه.
ب. اذا لم يستطع الفرد استعادة حريته بالطريقة المباشرة، فإنه سيلجأ إلى الطريق غير المباشر لاستعادة تلك الحرية، فالفتاة التي تمنع من ارتداء ملابس معينة، فإنها تحاول استعادة حريتها باستخدام مساحيق التجميل بشكل أكبر، أو لا تهتم بتسريحة شعرها بشكل يلفت الانتباه، وقد يكون بالطريقة غير المباشرة أيضاً عن طريق تشجيع الآخرين بالقيام بالسلوك المحظور، فالابن المحروم من التدخين قد يشعر باستعادة حريته اذا استمر أخوه أو صديقه في التدخين.
نظرية الحرمان النسبي :Relative Deprivation
تعد نظرية الحرمان النسبي من أهم النظريات التي تطرح تفسيراً لظاهرة سلوك التمرد، فقد هدفت إلى فهم الدوافع والأسباب التي تؤدي إلى التمرد الاجتماعي والسياسي، ومؤسس هذه النظرية تيد جار(Ted Gurr) حيث يذكر في كتابه (Rebel Why Men) أن كل مجتمع لديه نوعان من الآليات التي تؤثر في حالة الرضا أو الإحساس بالحرمان، الإلية الأولى، هي: التوقعات أو التطلعات(Value Expectations)، والأخرى هي الإمكانيات (Value Capabilities)، وطبقاً لهذه النظرية فإنه طالما أن مستوى الإمكانيات المتاح لدى الأفراد والمجموعات يسمح لهم بتحقيق التطلعات التي تبدو مناسبة، فإن مستوى الإحساس بالحرمان يكون منخفضاً بدرجة لا يتوقع معها حدوث حالات تمرد جماعية أو ثورية، ولكن احتمالات التمرد تتزايد عندما تتسع الهوة بين التوقعات والإمكانات، وأكد تيد جار أن الشرط المسبق للتمرد والعنف الحرمان النسبي الذي هو في أبسط معانيه التفاوت النسبي بين التوقع المشروع والواقع الذي يؤدي إلى سيطرة ما يسميه بالموقف الإحباطي، وهو موقف يواجه فيه الفرد عوائق نفسية تحول دون حصوله على قيمة معينة، أو احتفاظه بها، مع وعيه بالقوى الكامنة خلف هذه الإعاقة، مما يدفعه إلى التمرد.
ويلخص الباحث أهم أسباب التمرد الي ما يأتي:
•محاولة التحرر من القيود المفروضة على الشباب سواء من قبل الأسرة أو المدرسة أو المجتمع.
•الحرمان الاسري وسوء المعاملة الوالدية.
•أساليب التنشئة الاجتماعية السيئة.
•ضعف المستوى الاقتصادي.
•المساس بكرامة الفرد ومحاولة اهانته والانتقاص من شخصيته.
•الاعتداء على ممتلكات الفرد الشخصية.
سمات الشخصية المتمردة:
•مشاعر قلة الرضا مع عائلاتهم ولاسيما الأب.
•عدم القدرة على إقامة علاقات جيدة مع الزملاء والمدرسين
•الميل إلى مصاحبة الزملاء الذين لا يراعون الضوابط الاجتماعية في سلوكهم.
•الانحرافات الجنسية.
•العدوان على الإخوة والزملاء.
•العناد بقصد الانتقام ولاسيما الوالدين.
•الإسراف الشديد في الإنفاق والتأخر الدراسي.
اتجاهات التمرد النفسي:
يظهر التمرد في حياة المراهقين المنطلقة من الشعور بالقوة والتحدي، وضرورة التغيير يتجه باتجاهين متناقضين:
الاتجاه السلبي: وهو ضار وهدام، فمظاهر التمرد السلبي التي تنشأ في أوساط الشباب والمراهقين هي من أكثر المشاكل تعقيداً للأسر والمجتمعات إذ تؤدي إلى إعاقة تطبيق الأنظمة والقوانين في المجتمع، فمظاهر التمرد السلبي في أحضان الأسرة يبدأ برفض أوامر الوالدين أو تقاليد الأسرة السليمة، وعدم التقيد بها عن تحد وإصرار ثم التمرد على الحياة الدراسية والالتزام بالزي الموحد والالتزام في قاعة الدرس أو الحرم الجامعي والعلاقة مع الطلبة والأساتذة ويأتي معها في هذه المرحلة التمرد على القانون والمجتمع والسلطة.
الاتجاه الايجابي: وهو اتجاه ايجابي مغير يسهم في تطوير المجتمع والدفاع عن مصالحه، فيكمن في مساعدة الشباب على النمو في اتجاه الاستقلال فضلاً عن أنه السبيل نحو تجديد الحياة وتطورها، وهذا ما دلت عليه التجارب التاريخية على أنه بقدر حيوية الشباب وحركته في المجتمع، تكون قدرة المجتمع على تجاوز الحدود التي بلغها والانطلاق نحو آفاق جديدة، فالشباب هم الذين حققوا إنجازات أوربا الحديثة، وشباب العمال والفلاحين هم الذين تمردوا على انحلال المجتمع القيصري والظلم في روسيا، وبدون أولئك وهؤلاء ما كان العالم ليخرج من ظلام العصور الوسطى.
ويرى الباحث أن المقاومة في فلسطين وفي سوريا ولبنان، والثورة الإسلامية في إيران ما هي إلا شكل من أشكال التمرد الإيجابي الذي يعمل على دحر الظلم وإزالة العدو الصهيوني الغاشم، لذلك يجب تدعيم هذا النوع من التمرد لكي توجيهه إلى القنوات السليمة حتى لا يتم استغلال هذا النوع من التمرد لمصالح شخصية ومنافع خاصة.
أنواع التمرد النفسي:
أولاً: التمرد على الأسرة: إن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وإن العلاقة الزوجية مبنية على أساس الحقوق والواجبات من أجل حماية بنيان الأسرة من الهدم وحماية أفرادها من التشتت والضياع، فالوالدان يتحملان مسئولية كبيرة في الحفاظ على مقوماتها وديمومتها وتفاعلها الإيجابي مع التطورات المجتمعية.
فواجب الرجل القوامة والحماية وتوفير لقمة العيش ، وبالمقابل على الزوجة تدبير شؤون المنزل وتربية الأولاد، ومن ثم جاء الإسلام فأكد هذا المبدأ وهذبه ووضع له القواعد الشرعية التي تسيره وفق نظام دقيق، من أجل الحفاظ على نظام الأسرة وسلامتها من التفكك والانحلال.
ثانياً: التمرد على السلطة المدرسية: ويتمثل التمرد على السلطة المدرسية بمعارضة التعليمات والأنظمة والمدرسية ومعارضة ومخالفة المتمرد لزملائه ورفضه النصح والارشاد المقدم له من قبل المدرسين وعدم القيام بعمل الواجبات المدرسية.
ثالثا: التمرد على المجتمع: ويتمثل التمرد على المجتمع برفض القيم والعادات والتقاليد السائدة فيه، والسخط على النظام السياسي القائم والتمرد على الأنظمة والقوانين السائدة في المجتمع.
تعقيب عام على مقال التمرد النفسي:
من خلال ما سبق يرى الباحث أن هناك تنوعاً في وجهات النظر، إذ يرى فرويد أن السلوك تحتمه عوامل غريزية وتثقله القيود الاجتماعية، ويعتقد الباحث أن غريزة الجنس أضعف من غريزة العدوان وأن هاتين الغريزتين ترتكزان على علاقة الطفل بوالديه، وتكون هذه العلاقة كنموذج لعلاقة الفرد بالآخرين، حيث إن مبدأ اللذة والإشباع الآني للرغبة بغض النظر عن النتائج المترتبة على ذلك قد تتحول إلى ثورة وتمرد على معايير المجتمع ورموز السلطة.
بينما ترى النظرية السلوكية أن التمرد سلوك عدواني يتعلمه الفرد كما يتعلم الفرد السلوك الايجابي فهو نتاج عن علاقة مشوهة بين المثير والاستجابة.
فيما يؤكد أدلر على مبدأ الحرية عند الفرد وأن للفرد الحرية في اتخاذ قراراته، والقدرة على تعامله المبدع مع خبراته، وأن العدوانية تعبير زائد عن النقص وأن التمرد نمو للذات.
في حين يرى كل من دولار وميلر أن الفرد يولد وعنده استعدادات أولية تتعدل وتتطور بناء على مبادئ التعلم حيث أنهم فرضوا علاقة بين الإحباط والعدوان كتفسير للتمرد.
في حين ينظر باندورا إلى التمرد على أنه سلوك متعلم من خلال الملاحظة والاكتساب والموافقة، حيث إن الاكتساب كل ما تعلمه الشخص، والأداء هو كل ما يستطيع الفرد القيام به.
كما وأشارت هورني إلى أن التمرد بين الأبناء والآباء ناتج عن حسد الابن للسلطة الاجتماعية للأب، وهو قلق ناتج عن اضطرابات أساسية في معاملة الوالدين للأبناء
وفي الوقت الذي يرى فيه فروم أن الفرد يزداد تمسكه بالسلوك إذا ما تم إزالته وتهديده بالإزالة، ويرى أريكسون أن للسياق الاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد تأثيرٌ واضحٌ في تكوين شخصيته وأن التمرد والعصيان يحدث لدى المراهق إذا ما شعر باضطراب هويته.
وقد نوه أريك أريكسون إلى أن السياق الاجتماعي والثقافة لهما دور بارز في تكوين شخصية الفرد حيث تنعكس إما سلباً أو إيجابياً في تكوين شخصية الفرد، وأن الأفراد الذين لا يشعرون بالتقبل ويشعرون بعدم الثقة بالآخرين يتولد لديهم إحساس بالتشكك والخوف من الرفض، وتوقع الخذلان والتقدير السلبي للذات وبالتالي يصبحون متمردين ومتعصبين وقاسين في تقبل من يخالفهم الرأي.
أما نظرية التمرد النفسي فترى أن الحرية مفهومٌ مركزيٌ، وأن الحديث عن الحرية قد يكون نافعاً في ضوء مجموعة معينة من الاختيارات عندما يكون الفرد حراً أو غير حر، ويرى انه إذا ما قيدت حرية الفرد أو هددت بالإزالة فإنه سوف يستثار دافعياً محاولاً استعادة حريته المفقودة أو المهددة وتسمى هذه الاستثارة الدافعية بالتمرد النفسي، ويتوقف حجم التمرد على أهمية السلوك الحر المعاق ونسبته وحجم التهديد، ويرى بريم أنه يتم استعادة السلوك المراد استعادته بطريقتين وهما:إما استعادة مباشرة من خلال ممارسة السلوك نفسه، وإذا لم يستطع فإنه سيلجأ إلى طرق غير مباشرة لاستعادة تلك الحرية.
أما نظرية الحرمان النفسي هدفت إلى فهم الدوافع التي تؤدي إلى التمرد، وقالوا أن هناك نوعان من الآليات تؤثر في حالة الرضا أو الإحساس بالحرمان وهي التوقعات أو التطلعات والإمكانيات، وأكد تيد جار أن الشرط المسبق للتمرد هو الحرمان النسبي وهو التفاوت بين التوقع المشروع والواقع.
واذا حاولنا معرفة نسبة التمرد النفسي في المحافظة الجنوبية لفلسطين نجد أنه موجود وبنسبة (57.18%) وذلك حسب المقياس الذي أعده الباحث وطبقه علي عينة من طلبة المرحلة الثانوية.