
على الرغم من أن منتجي النفط وافقوا أخيرًا على خفض الإنتاج بما يقرب من 10 ملايين برميل يوميًّا، إلا أن الصفقة التاريخيّة ستفشل في دعم أسعار النفط في الأسابيع المقبلة حيث إن الاتفاق، وإن كان تاريخيًا، إلا أنه لن يساعد إلى حدّ كبير لامتصاص الفائض من النفط الخام المعروض في السوق وأيضًا التقليل من منسوب النفط في الخزانات المُمتلئة في معظم الموانئ العالمية.
وجدير بالذكر أن أوبك والمنتجين من خارجها والمعروفين باسم تحالف «أوبك« أداروا إمداداتهم النفطية لدعم الأسعار في السنوات الثلاث الماضية، وصاغوا الأسبوع الماضي صفقةً جماعيةً جديدة للرد على الضغوط الأمريكية والتهديد المفرط لصانعي القرار هناك ومنتجي النفط الصخري حول تخفيض الإنتاج، وذلك بعد أسابيع من امتلاء الخزانات الأرضية والعائمة مع انهيار الطلب العالمي وتوقف معظم مصافي تكرير النفط في العالم وذلك نتيجة تفشّي جائحة كورونا وضعف الطلب العالمي إلى اقل مستوى حاليًا.
وستُترجم صفقة النفط العالمية إلى 4.3 مليون برميل في اليوم فقط من انخفاض الإنتاج الفعلي من مستويات الإنتاج في عام 2020، بافتراض أن جميع أعضاء أوبك الرئيسيين يمتثلون بنسبة 100 في المائة وأن جميع المنتجين الآخرين يمتثلون بنسبة 50 في المائة للاتفاقية.
في النهاية، يعكس هذا ببساطة أنه لا يمكن أن تكون التخفيضات الطوعية كبيرة بما يكفي لتعويض متوسط الطلب البالغ تقريبًا 20 مليون برميل يوميًا في الفترة بين أبريل - يونيو بسبب جائحة كورونا والاقتصاد العالمي المتهاوي.
ما زلنا نعتقد أن هناك مخاطر سلبية لأسعار النفط من المستويات الحالية على المدى القصير، حيث إن المعروض يتجاوز الطلب بكَميات كبيرة وذلك نتيجة للركود الاقتصادي في العالم وانكماش معدلات النمو الاقتصادي وخاصة في الصين.
علاوة على ذلك، سيكون الامتثال لتلك التخفيضات التاريخية الجديدة أيضًا مشكلة، ومن غير المرجح أن تتقدم المملكة العربية السعودية أو روسيا، خطوةً إضافية لتعميق التخفيض في يوليو كما هو مخطط له.
إذا لم يلتزم تحالف أوبك وأمريكا وكندا والمكسيك باتفاق التخفيض الجاري، فإن الصفقة التاريخية لن تضيف جديدًا للسوق. واللافت في هذا الإطار أنه مع إبرام الصفقة الأسبوع الماضي، قامت شركة النفط الحكومية السعودية بتخفيض سعر خامها العربي الخفيف الرائد إلى آسيا، بخصم قدره 7.30 دولار للبرميل. في حين لا تزال أسعار المملكة العربية السعودية إلى أوروبا ثابتة بشكل أساسي مقارنة بأسعار مارس، في حين ارتفعت أسعار الولايات المتحدة. سيتم بيع عرب لايت إلى الولايات المتحدة بسعر 3 دولارات أمريكية للبرميل.
وتشير الخصومات الضخمة الإضافية إلى آسيا لشهر مايو إلى أن السعوديين مستمرون في الدفاع عن حصة أرامكو في السوق الآسيوي، لكن ارتفاع الأسعار إلى الولايات المتحدة والأسعار الثابتة على أساس شهري في أوروبا تشير إلى أن المملكة تحاول إرضاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على التوالي.
وهذا الوضع أحدث منافسة في السوق الصيني، حيث إنه السوق الوحيد الذي يقوم بشراء النفط الفائض من السوق الفوري، فجميع منتجي النفوط في أوبك أو خارج أوبك يتنافسون على البيع للمستهلك الصيني بأقل الأسعار، وهذا قد يضعف سوق والنفط ويؤخر صعود أسعار النفط واستقرارها. ونشير هنا إلى أن معركة أسواق وأسعار النفط الحقيقية سوف تكون في قارة آسيا وخاصة في الصين.
إن أمريكا وروسيا ومنتجي النفط والغاز في الخليج سوف يتنافسون بشراسة على الحصص السوقية واستمرارية بيع النفط بغض النظر عن هامش الربح. ولكي يستقر سوق النفط وتبدأ الأسعار في الصعود فإن ذلك يحتاج إلى فترة طويلة، هذه الفترة ما هي إلا بداية مناورة حديثة في الصراع المقرر أن يكون صراعًا طويلًا ومريرًا بين المنتجين الكبار على الحصص السوقية في آسيا.
كما أن أزمة الاقتصاد في الصين ومعدلات النموّ في الناتج القومي المحلي المنخفض تخفي صورة أكثر قتامة للاقتصاد الصيني، فانهيار سوق المال الصينية في بداية العالم الحالي نتيجة تفشّي وباء كورونا أطلق إشارة تحذير في أنحاء العالم من أن المعجزة الاقتصادية الصينية سوف تواجه تحديًا كبيرًا. في السنوات القادمة، من المتوقع أن يرتفع الاستهلاك الصيني للنفط الخام من 6 ملايين إلى 11 مليون برميل يوميًا، أي ما يعادل استهلاك أمريكا اللاتينية ومنطقة ما دون الصحراء في إفريقيا مجتمعة وذلك لشرائه وتخزينه، وبالتالي فلا عجب في أن مؤشرات أزمة اقتصادية بالصين قد تؤثّر على أسعار النفط العالمية إلى حين شفاء الاقتصاد الصيني ورجوعه كما كان في السابق، فأسعار النفط ستظلّ تتراوح بين 15 - 30 دولارًا.
يرتبط بالسوق الأمريكية فقط وبرنت لن يتأثر
انهيار الخام الأمريكي الأكبر في التاريخ
نفط الخليج ترتبط بمقياس دبي وعمان الذي يرتبط ب «برنت»
تهاوت أسعار الخام الأمريكي إلى -37 دولارًا وهو يعتبر أكبر تهاوٍ لسعر الخام الأمريكي على الإطلاق في التاريخ.
وانهيار أسعار النفط الخام الأمريكي حالة تتعلق بالسوق الأمريكية، في وقت ما زال خام نفط برنت متماسكًا، ولن يؤثر هذا الانهيار في الخام الأمريكي على خام برنت بما يحدث في الأسواق الأمريكية. وكذلك لن يتأثر مقياس أسعار نفط في دول الخليج بانهيار الخام الأمريكيّ، حيث ترتبط أسعارها بخام دبي وعمان، وهذا المقياس يرتبط بخام برنت وبالأسواق الآسيوية من حيث العرض والطلب.