لم تكن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق هي الوحيدة ، بل نشهد منذ ثلاث سنوات حرباً باردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين . وما زالت أوار الحرب تدور وتدور . وربما تصل إلى حربٍ عسكرية إضافة إلى الحرب الاقتصادية القائمة . فقد بدأت تلك الحرب تتصاعد منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض .وبدأت تخرج من إطارها التجاري المرسوم لها إلى الإطار العسكري، وهو أشدُّ خطورةً من الحرب الباردة . فقبل خمسين عاماً من مجيئ دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة اعتمد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر سياسة انفتاح تجاه الصين . تلك السياسة سار عليها عدد من الرؤساء الأمريكان اللاحقين للرئيس نيكسون ، ومن بعده جيرالد فورد ، وجيمي كارتر ، ورونالد ريغان ، وجورج بوش الأب ، و بيل كلينتون ، وجورج دبليوبوش ، وباراك أوباما . لقد عملت القوتان بنجاح كبير من أجل إقامة أضخم العلاقات التجارية الثنائية في العالم ، تمارس عشرات الشركات الأمريكية الضخمة أعمالاً تجارية وصناعية في الصين ، ليس هذا فحسب بل يشكِّل الطلاب الجامعيون الصينيون أكبر عدداً من الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة الأمريكية .والملاحظ تماماً أنَّ الرئيس الأسبق نيكسون ومسؤول الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر وقت ذاك لم يلتزما بالحوار مع الصين فقط ، وإنما أيضاً مع جمهورية روسيا الاتحادية زعيمة الاتحاد السوفييتي السابق ، ما جعل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ، وكذلك بين الولايات المتحدة وموسكو أقوى بكثير من العلاقات الثنائية بين الاتحاد السوفييتي السابق والصين. وبذلك تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من كسب قوة تأثير مباشرة وغير مباشرة على الاتحاد السوفييتي السابق والصين ، ما أتاح لها عقد العديد من المعاهدات المهمة حول الحد من التسلح مع الاتحاد السوفييتي السابق ، وترسيخ علاقات سياسية واقتصادية مستقرة مع الصين . غير أنَّ سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب تسببت في تدهور علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا والصين . ما دفع بكين وموسكو لإقامة أوثق العلاقات بين الجانبين . والحرب التجارية التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين، وكذلك الاتهامات المتبادلة بين الجانبين والتي لم تتوقف بشأن المسؤولية عن انتشار وباء كوفيد 19 ( كورونا ) ، أثارت ( حرب باردة ) بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية . والمفارقة الكبيرة أنَّ إدارة الرئيس ترامب ركَّزت على التعاون الثنائي مع الصين بدل أن تركِّز على قضايا خطيرة في العالم مثل التغير المناخي ، وانتشار الأسلحة النووية، وتفاقم حجم ونوع الإرهاب وانتشاره في العالم . وتخلَّت عن الحوار وتقارب وجهات النظر بشكل سلمي ، لأنها تبدو متجهةً وبقوة نحو المجابهة العسكرية . إنّ معظم المصادر المقرَّبة من الإدارة الأمريكية والتي أكَّدتها وكالة أنباء ( رويترز ) العالمية ، أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تبيع أسلحة حربية متطورة مؤلفة من طائرات وصواريخ متطورة ودبابات بقيمة ملياري دولار إلى تايوان ، تتضمن 66 طائرة حربية من طراز ( إف 16 ) و 108 دبابات من طراز ( أبرامز ) و 1240 صاروخاً مضاداً للدروع من طراز ( تاو ) ، ونحو 250 صاروخاً مضاداً للطائرات من طراز ( ستينغر ) الذي يسهُل حمله على الكتف والتنقل به بسرعة في الأماكن الوعرة وفي المدن والقرى والبلدات . وتايوان دولة تقع شرق آسيا حيث تشكِّل جزيرة تايوان 99% من أراضيها كانت جزءاً لا يتجزأ من الصين الكبرى . وترفض جمهورية الصين الشعبية أن تقيم أي علاقات دبلوماسية مع أي دولة تعترف بتايوان التي يُطلَق عليها ( جمهورية الصين ). كما تطالب جمهورية الصين الشعبية من كل الدول ذات العلاقات المتبادلة بإصدار خطاب رسمي يشرح فيه موقف هذه الدول من مزاعم تايوان وموقف هذه الدول من الحكومة التايوانية . وعندما تأتي الولايات المتحدة ببيع أسلحة متطورة وفتّاكة لتايوان يعني ذلك بدء الهجوم غير المباشر على الصين . 
كل ذلك لأنَّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشعر بالقلق جرّاء تمدد الصين وتوسعها في معظم دول العالم وليس فقط في دول شرق آسيا ومثال على ذلك علاقات الصين مع فنزويلا وهي أكثر البلدان الساخنة والمحتدمة مع الولايات المتحدة الأمريكية والمتاخمة لها .
ومن خلال المتابعة الدقيقة للسياسات الدولية أدركنا أنه منذ وصل الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى السلطة ، وأحكم قبضته الحديدية على شؤون الدولة والسلطات التشريعية والتنفيذية . حيث عمل على إلغاء الانتخابات الحزبية الرئاسية قبل ما يزيد على عشر سنوات ، وساهم في نقل الصين بعد اكتمال البُنى التحتية الأقتصادية والتجارية . واحتلت الصين المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الاقتصادية والتجارية ومن الممكن أن تصبح في المرتبة الأولى خلال خمس سنوات من العمل الصناعي والاقتصادي الضخم ،وهذا ما يؤسس إلى لعب دور سياسي كبير على مستوى العالم أجمع . وهذا ما أصاب الدولة العميقة والولايات المتحدة الأمريكية بالرعب من هذا التنين الأصفر ذات الرؤوس السبعة . ولهذا السبب بدأ الرئيس دونالد ترامب الذي رفع في إثناء انتخابه عدة شعارات منها قيادة امريكا نحو العظمة والقوة والتفوق الأمريكي وهي محاولة لإقناع العالم بما سيقوم به من كبح جماح القوة الصينية التي تنمو اقتصادياً بأقصى ما يمكن . هذا الشعار اعتبره من أهم الشعارات من أجل البدء بخوض الحرب الاقتصادية والعسكرية من تايوان خاصرة الصين القوية ودعمها عسكريا ولوجستياً . أما الصين فقد اعتبرت تسليح تايوان خطاً أحمر، وهو خروج عن سياسات الحد الأدنى من التفاهمات واتفاقيات الهدنة مع أمريكا . ولذلك لا نستبعد أن تردّ الصين رداً أكثر قوة . غير متناسين أنَّ المفاوضات التجارية بين الدولتين وصلت إلى طريقٍ مسدود بسبب التعنُّت الأمريكي ، ومن غير المُستبعًد أن يكون هذا الرَّد في ثلاث بلدان هي كوريا الشمالية وفنزويلا وإيران . من وجهة نظرنا نجد أنَّ الحرب الباردة الأمريكية الصينية التي تسخن بشكلٍ متسارع مع حدّة التوتر بين الجانبين على مختلف الأصعدة ، ستؤدي حتماً إلى حالة استقطاب ليس في آسيا وحدها . بل في إفريقيا وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط ، وستنعكس حتماً على النظام العالمي كله ، ما يذكِّرنا بتكتيكات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة في النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين .
 
برلين .
calendar_month26/04/2020 04:20 pm