
بنية الدولة وتركيبتها المعقَّدة لها أهمية خاصة ،هناك من توهَّم أنَّ الدولة والنظام هما دائرتان لهما مركز واحد ومحيط واحد أيضاً ، هذه الثقافة العوراء بدأ بثها منذ زمنٍ بعيد ، هدفها خلط المعاني والمفاهيم والأوراق ، بحيث يختلط الأمر علينا، متصورين أنَّ سقوط الدولة هو الذي سيفتح أبواب الحرية على أوسع مصاريعها.متناسين أنَّ الدولة بتركيبتها هي منجز تاريخي وحضاري بالغ التعقيد .لقد تعرّضت الدولة لاختزالات مخلّة قدَّمها مؤرخون وعلماء انثربولوجيا من طراز الأنثروبولوجي الفرنسي (بيير كلاستر) وغيره ،وكانوا قد تحدثوا عن المجتمعات البدائية ومجتمعات ما قبل الدولة،وما شكل السلطات ما قبل الدولة مثل الامبراطورية ، والممالك ، والسلطنة ، ونحن إذ ندرك ماهية الدولة وبنيتها وتميّزها بعد العصور القديمة والوسطى حيث كانت الدولة غائبة بغياب مفهوم الدولة بشكلها الحالي ، وانتشرت بمسميات مختلفة عديدة. والدولة منذ نشأتها الحديثة تعتبرفي أعقاب مؤتمر وستفاليا، إحدى حقائق الحياة السياسية المعاصرة التي رسَّخت تدريجيَّاً حتى أصبحت تشكل اللبنة الأولى في بنية النظام الدولي الراهن.لكن لدينا آلافاً من الأسباب المنطقية والمقنعة ما يكفي لتبرير الكلام عما بعد الدولة، وهو بالتأكيد ليس الحرية، بل الفوضى بكل تكويناتها وتلاوينها بالمعنى الذي بشّر به ميخائيل ألكسندروفيتش باكونين الذي كان ثوريا لاسلطويا من روسيا ومؤسس للاسلطوية الجمعوية.ومن قَبلِهِ المفكِّر براتوغاروس السوفسطائي الذي اعتقد أنَّ الفرد بذاته مقياس الصح والخطأ ،والحقيقة والوهم في آنٍ معاً.كما كان المفكر الألماني ماكس فيبر Max Weber قد قدَّم تعريفاً للدولة وساد هذا التعريف في العالم ، حيث قال : (بأنها منظمة سياسية إلزامية مع حكومة مركزية تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة في إطار معين الأراضي).كما عرَّفت موسوعة لاروس - Larousse الفرنسية الدولة بأنها: "مجموعة من الأفراد الذين يعيشون على أرض محددة ويخضعون لسلطة معينة".وثمة تعريف آخر مقبول عموماً للدولة هو التعريف الوارد في اتفاقية مونتيفيديو - Montevideo بشأن حقوق وواجبات الدول في عام 1933. وقد عُرِّفَتْ الدولة بأنها: مساحة من الأرض تمتلك سكان دائمون، إقليم محدد وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها، وإجراء العلاقات الدولية مع الدول الأخرى . في حين رأى العديد من فقهاء القانون الدستوري أن الدولة: "كياناً إقليمياً يمتلك السيادة داخل الحدود وخارجها، ويحتكر قوى وأدوات الإكراه”.